لا تحزن - العِلْمُ النافعُ والعلمُ الضَّارّ
إن الرَّوضَ أخْضَرُ، ولكنَّ العنْزَ مريضةٌ، وإنَّ التَّمْرَ مقفزيٌّ، ولكنّ البُخل مرْوزِيٌّ، وإن الماء عذْبٌ زُلالٌ، ولكن في الفم مرارةً {كَمْ آتَيْنَاهُم مِّنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ}. {وَمَا تَأْتِيهِم مِّنْ آيَةٍ مِّنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلاَّ كَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ}.
لِيهْنِك العِلْمُ إذا دلَّك على اللهِ. {وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ}.
إنَّ هناك علماً إيمانيّاً، وعلماً كافراً، يقولُ سبحانه وتعالى عنْ أعدائِهِ: {يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ}.
ويقول عنهم: {بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِّنْهَا بَلْ هُم مِّنْهَا عَمِونَ}.
ويقولُ عنهم: {ذَلِكَ مَبْلَغُهُم مِّنَ الْعِلْمِ}.
ويقولُ جلَّ وعلا: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ . وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَـكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}.
وقال سبحانه وتعالى عنِ اليهودِ وعنْ علمِهم: {كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً}: إنَّه علمٌ لكنَّه لا يهدي، وبرهانٌ لا يشفي، وحجَّةٌ ليستْ قاطعةً ولا فالجِةً، ونَقْلٌ ليس بصادِقٍ، وكلامٌ ليس بحقٍّ، ودلالةٌ ولكن إلى الانحرافِ، وتوجُّهٌ ولكن إلى غيٍّ، فكيف يجدُ أصحابُ هذا العلمِ السعادة، وهمْ أوَّلُ منْ يسحقُها بأقدامِهم: {فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى}، {وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ}.
رأيتُ مئاتِ الألوفِ من الكتبِ الهائلةِ المذهلةِ في مكتبةِ الكونجرس بواشنطن، في كلِّ فنٍّ، وفي كلِّ تخصُّصٍ، عنْ كلِّ جيلٍ وشعبٍ وأُمةٍ وحضارةٍ وثقافةٍ، ولكنَّ الأمة التي تحتضنُ هذه المكتبة العظمى، أُمَّةٌ كافرةٌ بربِّها، إنها لا تعلمُ إلا العالم المنظور المشهود، وأمّا ما وراء ذلك فلا سمْع ولا بَصَرَ ولا قلْبَ ولا وَعْيَ {وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصَاراً وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُم مِّن شَيْءٍ}.
إن الرَّوضَ أخْضَرُ، ولكنَّ العنْزَ مريضةٌ، وإنَّ التَّمْرَ مقفزيٌّ، ولكنّ البُخل مرْوزِيٌّ، وإن الماء عذْبٌ زُلالٌ، ولكن في الفم مرارةً {كَمْ آتَيْنَاهُم مِّنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ}. {وَمَا تَأْتِيهِم مِّنْ آيَةٍ مِّنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلاَّ كَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ}.
عائض بن عبد الله القرني
حاصل على شهادة الدكتوراة من جامعة الإمام الإسلامية
- التصنيف:
- المصدر: