في فوائد المسجد ورسالته

منذ 2014-05-21

لقدْ كان المسجد هو المؤتمر، ومشعَّ النور وموضِع العبادة، وطُمأنينة القلوب وراحة الأبدان، تُقام فيه الصلوات ويُتدارَس القُرآن الكريم، وتُعقَد فيه حلقات الذِّكر، ويخرُج الناس منه بمصالح دِينهم ودُنياهم، فيا لها مِن رسالةٍ زهِد المسلمون فيها! لقد عُمرت المساجد بالبناء وزُخرفت بأنواع التحلية، ولكنَّها خُرِّبت ممَّا عمرت له، وقلَّ رُوَّادها، اللهمَّ إلا لمساجدِ الجُمُعة، وفي وقت الصلاة فقط، وقلَّ المتقدم للصلاة، وزهِد في البَدَنة وما بعدها ورَضِي بالبيضة، والبعض زهِد فيها فلم يحضرْ إلا في أثناء الخطبة، أو عندَ إقامة الصلاة، والكثير زهِد في هذا وذاك فلم يحضرْ حتى لصلاة الجمعة، بل تشاغَل عنها بأعمالٍ دُنيوية أو بملذَّات حيوانيَّة أو بنُزهةٍ غير نزيهة.

الحمدُ لله نحْمَده، ونستعينُه ونستهدِيه، ونستغفِرُه ونتوبُ إليه، ونعوذُ بالله مِن شرور أنفسنا وسيِّئات أعمالنا، مَن يَهدِه الله فلا مضلَّ له، ومَن يُضللْ فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلاَّ الله وحْده لا شريكَ له، وأشهد أنَّ مُحمدًا عبدُه ورسوله، معلِّم أمَّته، صلَّى الله عليه وعلى آله وصَحابته السائرين على نَهْجه والمهتدين بهديه، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

أمَّا بعدُ: فيا عباد الله:
اتَّقوا الله تعالى وتذكَّروا ما كان عليه سلفُكم الصالح مِن حرْص على تلقِّي العلوم النافِعة والنهل مِن ينابيعها الصافية، وتُلقيها في مَدرستها العظيمة الشأن، ألاَ وهي المساجِد التي أمَر الله أنْ تُرفَع ويُذكَر فيها اسمُه، فقد كان الصحابة رضوان الله عليهم يتلقَّون العلوم والتوجيهات من مُعلِّمهم وقائدهم في المسجد، فكان هو المدرسةَ والكليَّة، ويا لها مِن مدرسة وكليَّة أنحبت العلماء والمتفقِّهين وقادةَ الجيش وجنوده ودُعاة الإسلام ومُنقِذي الأمم من الضلالات!

 

لقدْ كان المسجد هو المؤتمر، ومشعَّ النور وموضِع العبادة، وطُمأنينة القلوب وراحة الأبدان، تُقام فيه الصلوات ويُتدارَس القُرآن الكريم، وتُعقَد فيه حلقات الذِّكر، ويخرُج الناس منه بمصالح دِينهم ودُنياهم، فيا لها مِن رسالةٍ زهِد المسلمون فيها! لقد عُمرت المساجد بالبناء وزُخرفت بأنواع التحلية، ولكنَّها خُرِّبت ممَّا عمرت له، وقلَّ رُوَّادها، اللهمَّ إلا لمساجدِ الجُمُعة، وفي وقت الصلاة فقط، وقلَّ المتقدم للصلاة، وزهِد في البَدَنة وما بعدها ورَضِي بالبيضة، والبعض زهِد فيها فلم يحضرْ إلا في أثناء الخطبة، أو عندَ إقامة الصلاة، والكثير زهِد في هذا وذاك فلم يحضرْ حتى لصلاة الجمعة، بل تشاغَل عنها بأعمالٍ دُنيوية أو بملذَّات حيوانيَّة أو بنُزهةٍ غير نزيهة.
إنَّها مصيبةٌ أصابتِ المسلمين في أعزِّ مكانٍ لديهم، وأعظم بقعةٍ وأشرف مكان، بيوت الله التي أمَر سبحانه وتعالى بتعاهُدها وتطهيرها، زهدوا في أماكن الخير والبركة، والعزَّة والكرامة، واستبدلوا بها أماكن النفاق والنزاع، والذلة والمهانة، ولهذا تعقَّدت قضاياهم وتنافَرتْ قلوبهم وتناكَرتْ نفوسُهم، ودخل الأعداء بينهم وذلُّوا لهم، وأصبحوا يطلبون منهم النصر والتأييد.

 

إنَّها مصيبةٌ أصابتِ المسلمين حين ابتعَدُوا عن دِينهم ومَواطن عزِّهم وكَرامتهم، ابتعَدوا عن المساجدِ التي لا ذلَّة فيها إلا لله الواحد الأحد الفَرْد الصمد، ابتَعَدوا عن المساجِد التي تتعلَّق بها قلوبُ الصالحين وتُكتب الخطى للسائرين إليها، ويتعارَف المسلمون فيها ويتفقَّد بعضهم أحوالَ بعض، ويتراصون فيها صُفوفًا يلصق بعضهم كعبه ومنكبه في كعب البعض الآخَر كأنَّهم بنيانٌ مرصوص، متراصين بأبدانهم بعدما تقارَبتْ قلوبهم، يقِفون بين يدي الله الخالق الرازق الناصر لمن نصَرَه، يقِفون سواسيةً لا فضل لعربيٍّ على عجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى، وبذلك يعرفون كيف يَقِفون صَفًّا واحدًا متراصين أمام عدوِّهم، لا يُفكِّر بعضهم في خذلان بعض، ولا الفرار عنه، قد عرَف عقوبة الفار ممَّا تلقَّاه في مدرسته وكليته، مسجد رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أولئك العلماء والقادَة الشجعان، أولئك العلماء الذين تعلَّموا لا ليُمنحوا شهادة الأوراق، ولكن لينالوا ثوابَ الله وفضلَه، وقد أثابهم الله ونوَّه بذِكرهم وفضلهم، وقرَن شهادتهم العالية والحقيقيَّة بشهادته جلَّ وعلا وشهادة الملائكة، فقال سبحانه وتعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [آل عمران: 18].

 

فهذه الشهادة الحقيقيَّة والمنقبة العظيمة للعلماء العامِلين لله على بصيرة، تلك رسالةُ المسجد وفوائده التي زهِد المسلمون فيها إلا مَن قلَّ منهم، إنَّها مصيبةٌ أنْ يُصاب المسلمون، ومصيبةٌ أعظم ألاَّ يحسوا أنَّهم قد أُصِيبوا!

فيا عباد الله:
اتَّقوا الله تعالى وتذكَّروا ما كان عليه سلفُكم الصالح وما وصلوا إليه مِن عزَّة وكَرامة، وما نالوه مِن قوَّة وسُؤدُد على الأعداء حينما كانوا مُتمسِّكين بتعاليم دِينهم، ومحافظين على شَعائِره، تذكَّروا وارجِعوا إلى الله واعمروا المساجدَ بما عمرَها به أسلافُكم الصالحون، اعمروها بالصلاةِ مع الجماعة، وبالتعبُّد لله فيها وقِراءة القُرآن الكريم، وحِلَق الذِّكر وتبادُل الآراء فيما يُصلِح أحوال المسلمين ويجمع شملهم وينصرهم على أعدائهم، تعاهَدُوها بالنظافة والصِّيانة وإبعاد ما يشغل عن العبادة، فإنَّ الشيطان حريصٌ على إفسادِ أعمال العباد.

فاتَّقوا الله أيها المسلمون، واعلموا أنَّكم لم تُؤتوا إلا مِن قِبَلِ أنفُسكم، فحاسِبُوها قبل أنْ تُحاسَبوا، وارجِعُوا إلى الله وعَظِّموا شعائره، وانصروا الله ينصُركم ويثبِّت أقدامكم.

اللهم إنَّا نعوذُ بك من مُضِلاَّت الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم وفِّقنا لما يُرضِيك واجعلنا هُداةً مهتدين صالحين مُصلِحين بمَنِّك وفضلك يا أرحم الراحمين.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:
قال الله العظيم: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ} [التوبة: 18].

بارَك الله لي ولكم في القُرآن العظيم، ونفَعَني وإيَّاكم بما فيه مِن الآيات والذِّكْر الحكيم، وتاب عليَّ وعليكم إنَّه هو التوَّاب الرحيم.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيمَ الجليل لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كلِّ ذنب، فاستغفروه إنَّه هو الغفور الرحيم. 

الشيخ عبد العزيز بن محمد العقيل