صناعة العلماء - (16) العلماء والتجارة بالعلم

منذ 2014-05-24

تستكمل هذه الحلقة ظاهرة العلماء والتجارة بالعلم، وتوضيح مدى خطورتها على أخلاقيات العالم الرباني، وإن أخطر ما في الظاهرة أنها أصبحت شائعة حتى في الرموز الدعوية على شاشات التلفاز والمؤتمرات الدولية، كما تتناول الحلقة خطورة قتل طموحات العلماء، وضرورة أن يكون للعالم الرباني أهداف واضحة يسعى إليها... وهنا ملخص ما جاء فيها.

بسم الله الرحمن الرحيم

د. صلاح:

إن  من الأزمات الموجودة بالفعل في كيان أمتنا الإسلامية هو قضية التجارة بالعلم، نحن لدينا أمثلة حقيقة مؤلمة وكثيرة جدًّا تمثّل ظاهرة وليس مجرد حالات.

مأساة عندما يعلم الأب ابنه القرآن حتى يدخل به مسابقات تحفيظ القرآن، فيصبح حفظ القرآن من الطفولة ليس لتحمّل أمانة التكليف بالقرآن، وأن يكون التشريف فيه تكليف بحمل هذه الأمانة، وأن هذا التشريف أنه حمل راية الإسلام وراية القرآن، فيصبح حفظ القرآن عند الأسرة نوع من التكسب.

ورغم أن التعفف به عِزة، إلا أن هناك أمثلة كثيرة مؤلمة وتمثل ظاهرة وليس مجموع حالات.

 

د. راغب:

إن علاقة العالِم بقضية المال هي علاقة إما في قمته وإما في أسفله، ففي قمته يفتن العالِم  بكثرة المال، وفي أسفله العالِم يفتن بقلة المال، والصواب أن يكون بين ذلك متوازنًا، فكثرة المال لا تطغيه وقلة المال لا تيأسه وتحبّطه، ولا يجب أن تؤدي إلى تغيير مبادئه. بل يكون في وسطيه بين هذا وذاك ويكون قدوة لغيره.

 

د. صلاح:

إننا أمام أزمة حقيقية وهي أن يتحول العلم إلى وسيلة للتكسب، سواء برفع أسعار الكتب بطريقة جنونية جدًا بحيث لا تناسب عموم الناس أن يقرؤوا، أو أن بعض الشيوخ تشترط أجور خيالية  للظهور في البرامج الفضائية، أو بعض الشيوخ الذين يسافرون للخارج مدعوين لبعض المؤتمرات ويشترطون مبالغ خيالية على كل خاطرة أو محاضرة، ويفترض أنهم أصحاب رسالة!

لكن من ناحية أخرى، يوجد هناك خلل اجتماعي وسياسي في إنهاك العلماء وجعلهم في أدنى سُلَّم الدخل المادي، وهذا لا يجوز شرعًا، وعلى الأغنياء التَكَفُل ببعض العلماء حتى يتفرغوا للدعوة وذلك بتقديم منحة وقفية لكفالة عالِم ما حتى لا يحتاج إلى أحد أبدًا ولا يبسط يده لأحد، لأن الأوقاف داخل بلاد الإسلام تتعرض إلى السلب والنهب والإهمال.

وكذلك على إخواننا العلماء أن يقرأوا عن الظروف الصعبة التي عاشها الصحابة من قبل، وقليلٌ من النبيين كانوا أغنياء والباقون كانوا عاديين جدًا، وهذا حال الربانيين من العلماء، وهذه الصورة من المعاناة تصنع الرجال والأبطال وأصحاب المروءات.


د. راغب:

أتمنى من أغنياء وحكام الأمة ومؤسساتها أن يتولوا رعاية العلماء ماديًا، لأن كثيرًا منهم ظروفهم صعبة، فكيف يمكن للخطيب والإمام والعالِم أن يغير مسار الأمة وهم من يُتَصَدقَ عليهم، بل الأمة جميعها عليها ذلك، نحن نحتاج إلى إصلاح منظومة كاملة.

 

د. صلاح:

على الجميع أن يستشعر المسؤولية عن نفسه، فالعالِم عليه أن يتحمل قليلًا، فلا يفتح على نفسه أبواب الاستهلاك قبل أن يوفر لنفسه باب الاستثمار. ويمكنه أن يسافر حتى يُكَوِّن مشروع صغير يُعزه عن الراتب الرسمي بجانب استكمال العلم، لا أن يسافر كي يحصل على سيارة فخمة ويستدين بسببها سنواتٍ عدة، ويكون سفره مساعدًا له لا أن يُنسِيه هدفه.

 

د. راغب:

وقبل سفره عليه أن يحدد خطة لحياته، ويتذكر دائمًا ما الهدف وراء حصوله على المال، هل هو للترف أم أنه لتحسين وضعه المادي ومن ثم ساعده على إكمال مسيرة علمه؟! وعندما تَكثُر عليه الأموال سيتضح هدفه الحقيقي.

 

د. صلاح:

الإنسان عليه أن يتصبر ومن يتصبر يُصَبِره الله، ويجب ألا يستعجل الدنيا، لأنها ستأتي وتُبسط تحت أرجلنا كرامًا، لا أن يزحف وراءها ويفقد العلم.

 

 


لسماع هذه الحلقة: العلماء والتجارة بالعلم

راغب السرجاني

أستاذ جراحة المسالك البولية بكلية طب القصر العيني بمصر.

المقال السابق
(15) العلماء والانغماس في الدنيا
المقال التالي
(17) التقدم العلمي