صناعة العلماء - (18) التأخر العلمي للأمة
تمر الأمة الإسلامية في الواقع المعاصر بفتن كثيرة، لعل أظهرها فتنة التأخر العلمي، مما جعلها في منزلة متأخرة عن دول العالم المتقدم، وهذه الحلقة نتناول إحصائيات موثقة عن واقع الأمة العلمي، وبيان لأسباب هذا التأخر عند المسلمين، مع توضيح خطوات عملية للارتقاء بالعلماء ورعاية الموهوبيين... وهنا ملخص ما جاء في هذه الحلقة
بسم الله الرحمن الرحيم
د. راغب:
إن العالَم الإسلامي يعاني من نقص في الفَهم عند الكثير من الملتزمين وخاصة الطلبة والدارسين في الكليات العلمية، فقد ينظر إلى مذاكرته على أنها نوع من تضييع الوقت، ومن ثم يهتم بحلقات القرآن الكريم، ولا يهتم بنفس الدرجة بالتخصص الذي وضعه ربنا عزَّ وجلَّ فيه، وهذا النقص في الفهم يؤثر بشكل كبير على حركة الأمة الإسلامية وحركة الدعوة بشكل عام.
بل هذا الوضع أصبح فتنة للآخرين عندما يرون الأمة الإسلامية في وضع متأخر ومتخلف علميًا في علوم كثيرة.
د. صلاح:
أصبح فرض كفاية على الأمة أن تُوجِد متخصصين أكفاء نُبغاء في كل علم نافع.
والكفاية هنا تعني أن الأمة وصلت في هذا التخصص إلى الحد الأدنى في فرض الكفاية الذي وصلت إليه الأمم السابقة والأصل أن يزيدوا عن هذا الحد ويصلوا إلى قمة التفوق في هذا التخصص.
فيكون هناك متخصصون في العلوم الشرعية يدققون في كل صغيرة وكبيرة ويكونون هم أهل الذكر والاجتهاد في هذا التخصص، لكن أين هم أهل الذكر والاجتهاد في تخصصات الطب والعلوم الصيدلانية والكيميائية وما إلى ذلك؟
فهذا فرض كفاية ويجب على الأمة الإسلامية أن يوجد فيها علماء ونبغاء في كل التخصصات النافعة وأن يقودوا حركة الحضارة، وهذه القضية مطروحة بقوة في الفقه الإسلامي.
د. راغب:
وهي فتنة كبيرة عندما يرى من في الغرب والشرق المسلمين على هذا الوضع المؤلم.
د. صلاح:
ولذلك أنا أحب من أخواني أن ينهضوا، وعلى سبيل البشرى أذكر أنه كان هناك مسابقة أجريت في أمريكا على مستوى العالم للباحثين من الشباب تحت الـ 35 عامًا وتقدم 700 باحث وفاز فيها أحد المسلمين.
د. راغب:
الأمة الإسلامية ليس لديها نقصٌ يمنعها من الوصول لكن أساس المشكلة هو عدم وضوح الهدف.
سأذكر بعض الأرقام التي قد تثير القلق لديهم، وواجب على الطلبة والعلماء الذين وضعهم ربنا عزَّ وجلَّ في الكليات العلمية أن يغيروا هذه الأرقام التي سأتناولها: في سنة 2006 قدمت مصر 104 اختراع وكانت هي الدولة الثانية إسلاميًا بعد تركيا، ودولة الكيان الصهيوني قدمت في ذلك العام 1222 اختراع محتلًا بذلك المرتبة 15 على العالم، وقدمت أمريكا أكثر من 41000 اختراع وكانت هي الدولة الأولى في العالم، وجاءت اليابان الدولة الثانية بـ 19000 اختراع.
والقضية الكبرى أن يرى المسلم أن هذه الاختراعات شيء تضييع للوقت وأنه لا بد أن ينشغل بأمور أخرى ويترك هذه الأشياء لغيره ممن يتقدمون كل يوم باختراع جديد.
وبالنظر إلى عدد سكان هذه الدول ونسبة الاختراعات التي قدمتها وجدوا أن بين كل 5 آلاف صهيوني في إسرائيل يوجد اختراع، بينما بين 900 ألف مصري يوجد اختراع واحد!
وهذا لأنهم يهتموا الاهتمام الكافي والمتفوق بقضية العلم فسبقوا بها وحققوا إنجازات ضخمة، وهذه كلها أسباب إن أخذنا بها تقدمنا وإن تخلفنا عنها يحدث ما لا نرجوه.
د. صلاح:
الجهاد العلمي غاب عن عقول الكثير من أبنائنا الطلاب والأساتذة الموجودين في المعامل في هذه الكليات التي من الممكن أن تقدم براءات الاختراع، وهذا جهاد وواجب شرعًا، فالجهاد ليس بالسنان فقط بل وجهاد علمي لتحقيق قدرة علمية على الابتكار والاختراع.
الله سبحانه وتعالى استعمرنا في هذه الأرض، وعمارتها تقتضي أن يقودها المسلمون كما كانوا يقودونها من قبل، فكان المسلمون هم أصحاب براءات الاختراع الأولى.
فلا بد من التوازي بين الشعائر التعبدية التي يقيمها الإنسان وبين التقدم العلمي الذي يجب أن يخوضه الإنسان.
الكيان الصهيوني ينفق على البحث العلمي من الميزانيات أكثر مما تنفقه الدول الإسلامية مجتمعة المجاورة لها، بل إن الدولة الإسلامية الكبرى لم تخصص للبحث العلمي والعلماء الميزانية الكافية.
و مع كل هذا فيمكننا التحدي.
لسماع هذه الحلقة: التأخر العلمي للأمة
راغب السرجاني
أستاذ جراحة المسالك البولية بكلية طب القصر العيني بمصر.
- التصنيف:
- المصدر: