لا تحزن - وقفة (22)

منذ 2014-05-25

إنَّ منْ وصايا الآخرين لكلِّ مُثْقلٍ بالهمِّ والحزنِ، أنْ يأمروه بالجلوسِ على ضفافِ النهرِ، ويستمتع بالموسيقى، ويلعب النَّرْد، ويتزلَّج على الثْلجِ.

  • وقفة (22): فليُكْثِرِ الدُّعاء في الرَّخاءِ: أيْ في حالِ الرَّفاهيةِ والأمنِ والعافيةِ؛ لأنَّ مِنْ سمةِ المؤمنِ الشاكرِ الحازمِ، أنْ يرِيش الشهم قبل الرمْي، ويلتجئ إلى اللهِ قبْل الاضطرارِ، بخلافِ الكافرِ الشَّقيِّ والمؤمنِ الغبيِّ {وَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِّنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِن قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَندَاداً}.

    فتعيَّن على منْ يريدُ النجاةَ مِنْ ورطاتِ الشَّدائدِ والغُمومِ، أنْ لا يفعل بقلبهِِ ولسانِه عنِ التَّوجُّهِ إلى حضرةِ الحقِّ – تقدّسَ – بالحمْدِ والابتهالِ إليه والثَّناء عليه، إذ المراد بالدعاء في الرخاء – كما قاله الإمام الحليمي – دعاء الثناءِ والشُّكرِ والاعترافِ بالمِنن، وسؤالِ التوفيقِ والمعونةِ والتَّأييدِ. والاستغفارِ لعوارضِ التَّقصيرِ، فإنَّ العبد – وإنْ جهِد – لم يُوفِّ ما عليهِ منْ حقوقِ الله بتمامِها، ومنْ غفل عنْ ذلك، ولم يُلاحظْه في زَمَنِ صِحَّتِهِ وفراغِه وأمْنِهِ، فقدْ صدقَ عليه قولُه تعالى: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ}.
     
  • نعيمٌ وجحيمٌ: نشرتْ الصحفُ العالميةُ خبراً عن انتحارِ رئيسِ وزراءِ فرنسا في حُكمِ الرئيسِ ميتران، والسببُ في ذلك أنَّ بعض الصحفِ الفرنسية شنَّتْ عليهِ غارةً من النقْدِ والشتْمِ والتَّجريحِ، فلمْ يجدْ هذا المسكينُ إيماناً ولا سكينةً ولا استقراراً يعودُ إليه، ولم يجدْ منْ يركنُ إليه، فبادر فأزْهَقَ رُوحَه.

    إنَّ هذا الرجل المسكين الذي أقدم على الانتحارِ لم يهتدِ بالهدايةِ الرَّبّانيَّةِ المتمثَّلةِ في قولِهِ سبحانه:
    {وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ وقولِه سبحانه: {لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى}، وقوله: {وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً}، لأنَّ الرجل فَقَدَ مفتاح الهدايةِ، وطريق السَّدادِ وسبيل الرَّشادِ: {مَن يُضْلِلِ اللّهُ فَلاَ هَادِيَ لَهُ}.

    إنَّ منْ وصايا الآخرين لكلِّ مُثْقلٍ بالهمِّ والحزنِ، أنْ يأمروه بالجلوسِ على ضفافِ النهرِ، ويستمتع بالموسيقى، ويلعب النَّرْد، ويتزلَّج على الثْلجِ.

    لكنْ وصايا أهل الإسلامِ، وأهلَ العبوديَّةِ الحقَّةِ: جلسةٌ بين الأذانِ والإقامِة في روضةٍ منْ رياضِ الجنَّةِ، وهتافٌ بذِكرِ الواحد الأحدِ، وتسليمٌ بالقضاءِ والقدرِ، ورضاً بما قسم اللهُ، وتؤكُّلٌ على اللهِ جلَّ وعلا.

عائض بن عبد الله القرني

حاصل على شهادة الدكتوراة من جامعة الإمام الإسلامية

المقال السابق
كلٌّ يبحثُ عنِ السعادةِ ولكنْ
المقال التالي
أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ