لا تحزن - الإغضاءُ عنِ هفواتِ الإخوانِ (2)

منذ 2014-05-29

وقال الحسنُ بنُ وهبٍ: منْ حقوقٍ المودَّةِ أخْذُ عَفْوِ الإخوانِ، والإغضاءُ عن تقصير إن كان. وقد روي عنْ عليٍّ رضي اللهُ عنهُ في قولِه تعالى: {فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ}، قال : الرِّضا بغيرِ عتابٍ.

وقال بعضُ البلغاءِ: لا يُزهدنَّك في رجلٍ حمدت سيرته، وارتضيت وتيرته، وعرفت فَضْله، وبطنت عقله – عَيْبٌ خفيٌّ، تحيطُ به كثرةُ فضائلِه، أو ذنبٌ صغيرٌ تستغفرُ له قوةُ وسائلِه، فإنك لنْ تجِد – ما بقيت – مُهذَّباً لا يكونُ فيه عيبٌ، ولا يقعُ منه ذنبٌ، فاعتبرْ بنفسك بعدُ ألاَّ تراها بعينِ الرضا، ولا تجري فيها على حُكمِ الهوى، فإنَّ في اعتبارِك بها، واختبارِك لها، ما يُواسيك مما تطلبُ، ويعطِفك على منْ يُذنبُ.

  • وقد قال الشاعرُ:

ومنْ ذا الذي تُرضى سجاياهُ كلُّها *** كفى المرء نُبلاً أنْ تُعدَّ معايبُهْ

  • وقال النابغةُ الذُّبيانيُّ :

ولست بمُسْتبْقٍ أخاً لا تلُمُّهُ *** على شعثٍ أيُّ الرِّجالِ المهذَّبِ

وليس ينقضُ هذا القول ما وصفناهُ منْ اختبارِه، واختبارِ الخصالِ الأربع فيه، لأنَّ ما اعوز فيه معفوٌّ عنهُ، هذا لا ينبغي أنْ تُوحشك فترةٌ تجدُها منهُ، ولا أنْ تُسيء الظَّنَّ في كبوةٍ تكونُ منه، ما لم تتحقَّق تغيُّره، وتتيقَّن تنكُّره، وليصرفْ ذلك إلى فتراتِ النفوسِ، واستراحاتِ الخواطرِ، فإنَّ الإنسان قد يتغيَّرُ عنْ مُراعاةِ نفسِه التي هي أخصُّ النفوسِ به، ولا يكونُ ذلك منْ عداوةٍ لها، ولا مللٍ منها.

وقدْ قيل في منثورِ الحِكمِ: لا يُفسِدنَّك الظَّنُّ على صديقٍ قد أصلحك اليقينُ له. وقال جعفرُ بنُ محمدٍ لابنِه: يا بُنيَّ، منْ غضب من إخوانِك ثلاث مرَّاتٍ، فلمْ يقُل فيك سوى الحقِّ، فاتخِذْه لنفسِك خِلاّ.
وقال الحسنُ بنُ وهبٍ: منْ حقوقٍ المودَّةِ أخْذُ عَفْوِ الإخوانِ، والإغضاءُ عن تقصير إن كان. وقد روي عنْ عليٍّ رضي اللهُ عنهُ في قولِه تعالى: {فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ}، قال : الرِّضا بغيرِ عتابٍ.

  • وقال ابنُ الروميِّ:

همُ الناسُ والدنيا ولابُدَّ منْ قذىً *** يُلِمُّ بعينٍ أو يُكدِّرُ مشْربا
ومنْ قلّةِ الإنصافِ أنَّك تبتغي المُهذَّب *** في الدنيا ولست المهذَبا

  • وقال بعضُ الشعراءِ :

تَوَاصُلُنا على الأيامِ باقٍ *** ولكنْ هجرُنا مطرُ الرَّبيعِ
يرُوعُك صَوْبُهُ لكنْ تراهُ *** على علاَّتِهِ داني النُّزُوعِ
معاذ اللهِ أنْ تلقى غِضاباً *** سوى دلُ المطاعِ على المُطيعِ


{وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَداً}

تريدُ مُهذَّباً لا عيب فيه *** وهلْ عُودٌ يفُوحُ بلا دُخانِ

{فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى}.

عائض بن عبد الله القرني

حاصل على شهادة الدكتوراة من جامعة الإمام الإسلامية

المقال السابق
الإغضاءُ عنِ هفواتِ الإخوانِ (1)
المقال التالي
الصِّحَّةُ والفراغُ