وأنزل جنودًا لم تروها

منذ 2014-05-30

جند الله عز وجل لا يحصون ولا يعدون، بل إن كل شيء من خلق الله يمكن أن يكون من جند الله في نصرة المؤمنين.

عادة الإنسان أن يتأثر بما يحيط به، ويكون أسير اللحظة التي تمر به، وقليل منهم من يبسط نظره أمام عينيه فيستبصر ببصيرة شفافة نقية معتمدة على الإيمان إلى مناح خلف هذا المشهد المادي المحيط.


إن لله عز وجل جندًا لا يعلمها إلا هو، تدافع عن المؤمنين بأمر الله سبحانه ومشيئته، فتثبتهم وتقوم خطوهم.

فعندما ضاق بالنبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه الأمر في غار ثور، وخاف صاحبه عليه، وقال: {لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّـهَ مَعَنَا} [التوبة:40].. أنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها.

ووقف النبي صلى الله عليه وسلم ليلة بدر يدعو ربه ويرجوه ويلح في الدعاء : «اللهم إن تهلك هذه العصابة لن تعبد بعد اليوم»، فأيده الله في بدر بجنود من عنده وثبته حتى انتصر.


وجند الله عز وجل لا يحصون ولا يعدون، بل إن كل شيء من خلق الله يمكن أن يكون من جند الله في نصرة المؤمنين، فالريح من جند الله كما أرسلها سبحانه وتعالى من قبل على أقوام عصوا ربهم، والماء من جند الله كما أرسله سبحانه طوفانًا على الذين طغوا من قبل وكما حملت سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه في القادسية والعلاء الحضرمي رضي الله عنه في فتح البحرين ، وأبا مسلم الخولاني في غزو الروم، والشمس من جند الله، كما أمسكها على يوشع بن نون عليه السلام حتى فتح له، بل إن بعض الفجار يمكن أن ينصر الله بهم الدين فيكون كيدهم عائد على أنفسهم وأمثالهم فيكيدون به أنفسهم، فإن هذا الدين قد ينصر بالرجل الفاجر.


وأهل الإيمان قد ينافح عنهم الحجر والشجر والجبال والدواب ولكن كل بطريقته، وبطبيعة خلقته، ولو اطلع أهل الإيمان على مسارات القدر عبر الأزمان لبان لهم كيف أن جند الله عز وجل في كل مناح الكون تدافع عنهم وتقف بجانبهم.

ربما تكون الرؤية القاصرة القليلة القريبة توحي لقصير النظر أن هناك هزيمة لأهل الإيمان في موقع ما أو مكان ما أو زمن ما، ولكن حقيقة الأمر أن الله عز وجل يطالب أهل الإيمان دائمًا بالصبر والثبات وإطاعة أمره وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، مهما كانوا في أزمات ومصائب. {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّـهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} [آل عمران:173] وبينت الآية أن عاقبة هؤلاء بالبصيرة الصائبة هي عاقبة انتصار ونعمة.


قال سبحانه {فَانقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّـهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ} [آل عمران:174]، بل قد عبرت الآية بهذا التعبير {لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ} على الرغم من كونهم تألموا في الصبر، وتألموا في الثبات، وشق عليهم الأمر أيامًا متتاليات، إلا ان الله عز وجل قال {لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ}... ذلك لأن كل ما مسهم هو خير، فالصبر خير، والابتلاء خير، والثبات خير، وصرف عدوهم عنهم خير وكل ذلك من علامات الانتصار ومن أشكال الانتصار.

 

خالد رُوشه