لا تحزن - إشاراتٌ في طريقِ الباحِثِين

منذ 2014-06-01

للسعادةِ والفلاحِ علاماتٌ تلوحُ، وإشاراتٌ تظهرُ، وهي شهودٌ على رقيِّ صاحبها، ونجاحِ حامِلها، وفلاحِ منِ اتَّصف بها.

للسعادةِ والفلاحِ علاماتٌ تلوحُ، وإشاراتٌ تظهرُ، وهي شهودٌ على رقيِّ صاحبها، ونجاحِ حامِلها، وفلاحِ منِ اتَّصف بها.

  • فمنْ علاماتِ السعادةِ والفلاحِ: أنَّ العبد كلَّما زاد وزُنه ونفاستُه، غاص في قاعِ البحارِ، فهو يعلمُ أنَّ العلم موهبةٌ راسخةٌ يمتحِنُ اللهُ بها منْ شاء، فإنْ أحْسَنَ شُكَرَها، وأحسن في قبُولِهِ، رَفعهُ به درجاتٍ {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}. وكلَّما زِيد في عملهِ، زيد في خوفِهِ وحَذَرِه، فهو لا يأمنُ عثرة القدمِ، وزلَّة اللسانِ، وتقلُّب القلبِ، فهو في مُحاسبةٍ ومُراقبةٍ كالطائرِ الحذِر، كلَّما وقع على شجرةٍ تركها لأخرى، يخافُ مهارة القنَّاص، وطائشة الرصاصِ. وكلَّما زيد في عمرِه، نقص من حِرْصِهِ ويعلمُ علم اليقينِ أنَّهُ قدِ اقترب من المنتهى، وقطع المرحلة، وأشرف على وادي اليقين. وهو كلَّما زِيد في مالِه، زيد في سخائِه وبذْلهِ؛ لأنَّ المال عاريةٌ، والواهب ممتحنٌ، ومناسباتِ الإمكانِ فُرصٌ، والموت بالمرصادِ. وهو كلَّما زيد في قدْرِه وجاهِه، زيد في قُربِه من الناسِ وقضاءِ حوائجِهم والتَّواضُعِ لهم؛ لأنَّ العباد عيالُ الله، وأحبُّهم إلى اللهِ أنفعُهم لعيالِه.
     
  • وعلاماتُ الشقاوةِ: أنَّ كلَّما زيد في علمِهِ، زيد في كِبْره وتيههِ، فعلْمُه غيرُ نافعٍ، وقلبُه خاوٍ، وطبيعتُه ثخينةٌ، وطينتُه سِباخٌ وعْرةٌ. وهو كَّلما زيد في عملِه، زِيد في فخْره واحتقارِه للناس، وحُسْنِ ظنَّه بنفسهِ. فهو الناجي وحده، والباقون هلْكى، وهو الضامنُ جواز المفازةِ، والآخرون على شفا المتالِفِ. وهو كلَّما زِيد في عمرِه، زيد في حِرصِهِ، فهو جمُوعٌ منُوعٌ، لا تُحرِّكهُ الحوادِثُ، ولا تُزعزعُه المصائبُ، ولا تُوقِظهُ القوارِعُ. وهو كلَّما زِيد في مالِه، زيد في بُخلِه وإمساكِه، فقلْبُه مقفرٌ من القِيم، وكفُّه شحيحةٌ بالبذْلِ، ووجهُه صفيقٌ عريَّ من المكارمِ. وهو كلَّما زيد في قدْرِه وجاهِه، زيِد في كِبرِه وتيْهِه، فهو مغرورٌ مدحورٌ، طائشُ الإرادةِ منتفخُ الرِّئةِ، مريشُ الجناحِ، لكنَّه في النهايةِ لا شيء: (( «يُحشر المتكبَّرون يوم القيامةِ في صورةِ الذَّرِّ، يطؤهُمْ الناسُ بأقدامِهمْ». وهذهِ الأموُر ابتلاءٌ من اللهِ وامتحانٌ، يَبْتَلي بها عباده فيسْعدُ بها أقوامٌ، ويشقى بها آخرون.

عائض بن عبد الله القرني

حاصل على شهادة الدكتوراة من جامعة الإمام الإسلامية

المقال السابق
اللهُ وليُّ الذين آمنُوا (2)
المقال التالي
الكرامةُ ابتلاءٌ