الإلحاد الخفي!
طريقة الملحدين في التعامل مع الطبيعة وقوانين الله التي تُسيِّرها أنهم يستبدلون القوانين بالله عز وجل! ويجعلون من القوانين أسبابًا لما يحدث، ويا للحسرة أن أُعِلن أن شبابنا قد التقم الطُعم الإلحادي وفكَّرنا بنفس طريقتهم فاعتقدنا أن القوانين هي سبب الأحداث، وليست إرادة الله، وأن إرادة الله تكون فقط هي السبب عندما لا نجد قانونًا يُفسِّر ما يحدث!
قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ} [فاطر:28].
الخشية: هي الخوف الممزوج بالحب.
العلماء:
1- هم علماء الدين الإسلامي الذين يدفعهم علمهم بعظمة الله وجلاله لدراسة الكون ليزدادوا بها حبًا وتعظيمًا وخشية لله تعالى.
2- هم العلماء بالله من البسطاء ذوي العقيدة السليمة الذين يفهمون معاني العقيدة الكبرى كالتوحيد والتوكُّل والعبادة.
3- وهم أيضًا علماء أي فرع من العلوم التي تتعامل مع خلق الله، هؤلاء ينبغي أن يدفعهم ما شاهدوه من عظمة الله واضحةً جليةً في خلقه إلى خشية الله خالق هذا الكون العظيم والاستزادة من معرفة الله عن طريق دراسة العلم الديني.
ويمكننا بذلك إجمال تعريف العلماء فيما يلي:
هم من دفعهم عِلمَهم بالله إلى خشيته وبالتالي إلى التأمُّل في خلقه، ودراسة كونه.. ومن ثَمَ إلى زيادة خشيتهم له
علاقة الخشية بالعلم:
حسب تعريفات الخشية والعلماء المذكورة -أعلاه- فإن خشية الله والعلم به وبكونه يُمثِّلان حلقة مفرغة.. بحيث إن زادات الخشية زاد العلم بالله وبكونه، وإن زاد العلم بالله وكونه زادت الخشية.
جريمة تعليمية في بلاد المسلمين:
تفكَّرت كثيرًا في موقعي أنا وأقراني ذوي العلم والفِكر، وتفكَّرت في خشيتنا لله والتي ينبغي أن تكون لها علامات ظاهرة لكي تدل على وجودها حقيقيةً كما قال الله تعالى في كتابه الكريم: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} [الزمر:23].
فوجدت عجبًا! أنني عن نفسي لم أجد هذا الاقشعرار في جلدي من خشية الله إلا نادرًا، ويكون هذا النادر غالبًا عندما أرى أو أسمع عن شيءٍ لا أعرف عنه ولم أدرسه ويدل على قدرة الله!
فجلست أُفكِّر! لماذا نحن هكذا؟! لسنا كما وصف القرآن الكريم من خشيتنا لله على الرغم من "عِلمنا" الذي تعلمناه!
فتيقنت أنه ما من حلٍ لهذه المسألة إلا أننا لم نتعلَّم حقًا! ولكن كيف هذا ونحن متفوقون عن أقراننا وحتى أعمالنا مغموسة في العلم ليل نهار!
وبعد تفكيرٍ عميق.. وجدت الخلل: وهو أننا تعلمنا العلوم في مدارسنا وجامعاتنتا على الطريقة الإلحادية!
نعم أعني ما أقوله: الطريقة الإلحادية.
ولكن ما هي الطريقة الإلحادية في تدريس العلوم؟
هي إقصاء ذكر الله عن أي محاضرة في العلوم! وهل مطلوبُ ذكر الله في محاضرة علوم؟ أهي محاضرة علوم أم دين؟!
توجد هنا مغالطتان عظيمتان:
1- أننا دُرِّسنا أن: قوانين نيوتن، وآينشتاين، وشرودنجر، وديراك، وبلانك... وغيرهم من العلماء هي سبب حدوث أحداث الكون! وبالتالي فأين مجال ذكر الله إن كانت قوانين نيوتن -على سبيل المثال- هي التي تحكم ظاهرة طبيعية! يا له من تجاهل أحمق لله عز وجل، وقلبٍ للأمور رأسًا على عقب وهذه هي بالذات ما قصدت أنها الطريقة الإلحادية في التعليم: فالأصل في قوانين الطبيعة أنها تدوين رياضي لما يحدث من أحداث الكون التي يفعلها ربنا أنى شاء وكيف شاء، فهي أبعد ما تكون عن كونها سببًا للأحداث وإنما هي بالكاد وصفُ تقريبي لها.
وحيث أن طريقة الملحدين في التعامل مع الطبيعة وقوانين الله التي تُسيِّرها أنهم يستبدلون القوانين بالله عز وجل! ويجعلون من القوانين أسبابًا لما يحدث، ويا للحسرة أن أُعِلن أن شبابنا قد التقم الطُعم الإلحادي وفكَّرنا بنفس طريقتهم فاعتقدنا أن القوانين هي سبب الأحداث، وليست إرادة الله، وأن إرادة الله تكون فقط هي السبب عندما لا نجد قانونًا يُفسِّر ما يحدث! ولذلك تتردَّد كلمة سبحان الله! حتى بين علمائنا فقط عندما يرون شيئًا لا يستطيعون "تفسيره" -والصحيح وصفه- بالقوانين التي درسوها على أنها "أسبابًا".
ولا أستطيع وصف مدى خطورة هذا الموقف، فمعنى ذلك أنه كلما زاد العالِم المسلم -حسب التعليم الإلحادي الحديث- قلَّ ذكره لله، وقلَّت خشيته له، وقلَّ تسبيحه وتعظيمه وإجلاله له.. حتى يصل به الأمر أن يقتصِر وجود الله في حياته في أركان الإسلام وحسب!
2- استقرار الفِكر العلماني في تفكيرنا المعاصر حتى أننا أضحينا نفصِل الدين عن كل شيء.. ومن ضمن هذه الأشياء العلم، ولذلك فمن أين لنا بفهم الآية الكريمة: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ}.
من أين لنا بتلك الخشية ونحن نعتقد بأن الدين والعلم لا يلتقيان، هذا إن لم يكونا متصارعين!
ماذا ينبغي علينا فعله:
1- أن نتنبه للمشكلة الخطيرة المطروحة في المقال والتي تهدف بخبث إلى ألحدة علماء المسلمين حتى يستقر في العقول أن الدين للعوام والإلحاد والعلمانية للعلماء.
2- أن نبدأ مع أولادنا أن نعلمهم أن إرادة الله هي سبب كل شيء وإنما جعل نواميسه ثابتة، تسخيرًا منه لكونه لنا، حتى يُيَسِّر علينا استخدام هذا النعمة العظيمة ألا وهي التسخير.
3- أن نُغيِّر في مناهج تعليمنا بحيث نُأقلِم المناهج الغربية الإلحادية مع مفاهيمنا الإسلامية، ونُزيل مفهومنا الإلحادي للعلم الذي نمارسه فكريًا من غير قصد.
4- أن نطرح هذا الأمر الحرج في دروس العقيدة الإسلامية.. حيث أن مثل هذا الأمر -ولا ريب- أهم من الرد على أطروحات وشبهات لم تعد تُثار في زمننا، وننسى أمورًا خطيرة قد تؤدي إلى ما أُسميه الإلحاد الخفي.
والله أعلم.
أحمد كمال قاسم
كاتب إسلامي
- التصنيف: