الانقلاب والمؤسسة العسكري
مازالوا يجأرون بحناجر يملؤها الأمل يسقط يسقط حكم العسكر. لم ترهبهم آلات القتل ولا أصوات البنادق ولا لون الدم الذي صبغ الحواري ولا أنات المصابين ولا صرخات المعتقلين، فهم ثابتون كالجبال الرواسي يزلزلون عروش الفاسدين.
الناظر إلى الثورة وما قبل الخامس والعشرين من يناير 2011 لا يجد فرقاً كبيراً في نظام حكم مصر على الرغم من تنحي رأس النظام إلا أنه بقى بمؤسساته العتيقة وبكياناته الفاسدة ينفض عن نفسه غبار الثورة بل الهبة الشعبية واحتوائها -كما يرونها-، وعملت المؤسسات التي تمتعت بميزات على تقويض هذه الهبة متمثلة في المجلس العسكري (الجيش المصري) بإمبراطوريته الاقتصادية مستعيناً بالقضاء والشرطة وأبواق إعلامية لا تمل من الكذب ونشر الشائعات.
الجيش المصري ما كان ليرضى بحكم مدني خارج إطار المؤسسة العسكرية حتى ولو كان هذا الرئيس نجل رجل عسكري؛ ولذا كان رافضاً مبدأ التوريث واستشعر الخطر على مصالحه عندما استعان جمال مبارك برجال الأعمال بمالهم السياسي وتشكيل برلمان 2010 من رجال المال بقيادة رجل الأعمال أحمد عز.
استغل الجيش ثورة الشعب في الخامس والعشرين من يناير 2011م؛ لتحقيق أهدافه، ولذا نزل إلى الشارع بعد انكسار الداخلية، ولكنه لم يقمع الثوار للضغط على مبارك لتحقيق أهدافه وإفشال مشروع التوريث، فكان له ما أراد فقد حل مبارك مجلس الشعب، وعين أحمد شفيق رئيسا للوزراء، وعين عمر سليمان نائباً للرئيس وكلاهما عسكري إرضاءً للمؤسسة العسكرية. وبدأت لعبة المفاوضات مع عمر سليمان فلم تحقق تهدئة الشارع، فكانت موقعة الجمل والتي توجه فيها البلطجية أمام أعين الجيش بل سمح له بالمرور لطرد الثوار من ميدان التحرير، وأمام إصرار الناس على مطالبهم بضرورة عزل مبارك لم يجد المجلس العسكري إلا الانحياز للشارع شكلياً.
القضاء على الثورة
بدأ التخطيط للقضاء على الثورة بإيهام الناس أن المجلس العسكري يعمل على تبني تحقيق أهداف ثورة الخامس والعشرين من عيش وحرية وعدالة اجتماعية، واستخدام الإعلام لترديد الجيش والشعب يد واحدة، فكان مقترح التعديلات الدستورية وكان الغرض منها محو ما استحدثه مبارك في الدستور من مواد التوريث عن طريق رفض التعديلات فيعودوا بنا إلى دستور 71، وكانت القنوات الإعلامية والفلول وغيرهم ممن لهم مصالح بالنظام الفائت برفض التعديلات، أما التيار الإصلاحي كان يريد التغيير فكانت الموافقة على التعديلات ولأن الريح أتت بما لا تشتهي السفن كان الانقلاب على أول اقتراع شعبي بالتعديلات الدستورية التي أصدرها المجلس العسكري.
لما أحس المجلس العسكري بقوة التيار الإسلامي وأن له الغلبة في الشارع لا محالة فبدأت المراوغة في تأخير الانتخابات البرلمانية وإدخال المجتمع في جدل سياسي بدعوى أن الأحزاب غير مستعدة للانتخابات والبيئة غير مهيأة وزادت الاضطرابات الأمنية والمطالب الفئوية، وتحت ضغط الثوار كانت الانتخابات البرلمانية والتي حقق فيه حزب الحرية والعدالة الغلبة، ثم تلتها الانتخابات الرئاسية والتي أتت بأول رئيس منتخب في مصر على مدار تاريخها أيضاً من حزب الحرية والعدالة.
لما أحس المجلس العسكري بخسارة المعركة استعان بأذرعه المدنية بكل قوة:
الإعلام: فكان تشويه التيار الفائز في الاستحقاقات الانتخابية الخمسة بالطعن في رموزه تارة ونشر الشائعات تارة أخري والاستهزاء والسخرية ...
الداخلية: باستعانتها بالبلطجية وحمايتها للفساد ونقل الأخبار الكاذبة وتقديم تقارير مغلوطة بل والعمل على زيادة حالة الفوضى وإشعار المواطنين بعدم الأمان.
القضاء: بعدم محاسبة الفوضويين ورموز النظام الفائت، وتمييع القضايا وطمس الأدلة، بل وحل مجلس الشعب، وحل الجمعية التأسيسية الأولى ومحاولة حل مجلس الشورى.
المجلس العسكري برموزه لم يعد قادراً على إحداث الفارق والقضاء على التيار الإسلامي فكان لابد من تغيير الوجوه، فكان لابد من إحداث أمر موجع يغير هذه الرموز والإتيان بمن يمكِّنه من القضاء على الثورة، فكان حادث مقتل الجنود في مدينة رفح وفي شهر رمضان؛ لتعيين رجل آخر يرونه رجل المرحلة في بداية عهد الرئيس مرسي، فعُزِلَ المشير طنطاوي والفريق عنان وأعاد الجيش إلى مكانه الطبيعي حماية حدود البلاد من وجهة نظر الإخوان فقد تخلصوا من سطوة العسكر على حكم البلاد، ولم يعوا أنها لعبة قذرة للإتيان برجل المخابرات والمسؤول بشكل أو بآخر عن مقتل الجنود، ثم كانت محاولة إخراجه بصورة البطل في عملية خطف الجنود في سيناء والتي كان من المفترض إحراج الرئيس فيها ولكن أخزاهم الله.
الانقلاب على الشرعية
بدأ الانقلاب على الشرعية مع بداية أول رأي حر للشعب.
1- الانقلاب على التعديلات الدستورية بإصدار الإعلانات الدستورية من المجلس العسكري.
2- الانقلاب على مجلس الشعب وحلّه باستخدام لقضاء.
3- الانقلاب على الرئيس المنتخب في بداية حكمة بجعل سلطة التشريع في يد المجلس العسكري
4- محاولة إفشال الرئيس والحكومة وتقليب الرأي العام عليه باستخدام الإعلام ومحاولة اقتحام قصر الاتحادية تحت رعاية ومباركة الداخلية والحرس الجمهوري وفشلت المحاولة بسبب هبّة أنصار الشرعية.
5- الدعوة إلى التمرد ومباركة الداخلية والإعلام والقضاء والجيش وكان الانقلاب على الشرعية بقيادة وزير الدفاع حينها عبد الفتاح السيسي في الثالث من يوليو 2013م لما استغل خروج الناس في الثلاثين من يونيه 2013.
وأخيرا هل نجح الانقلاب العسكري في القضاء على ثورة الخامس والعشرين من يناير؟
لا يبدو ذلك فالناس مازالوا يجأرون بحناجر يملؤها الأمل يسقط يسقط حكم العسكر لم ترهبهم آلات القتل ولا أصوات البنادق ولا لون الدم الذي صبغ الحواري ولا أنّات المصابين ولا صرخات المعتقلين، فهم ثابتون كالجبال الرواسي يزلزلون عروش الفاسدين، وخير دليل على ذلك الإقبال الهزيل على استفتاء الدستور 2014 وتجلّت سوأتهم في انتخابات الرئاسة الهزلية الأخيرة.
محسن العزازي
كاتب إسلامي
- التصنيف: