النقد في الحياة الزوجية

منذ 2014-06-12

تقبل وتفهم الآخر يجعلك تعرف طريقك لاختيار مواقفك بحكمة، فعند ما يوجد أمر مهم بحق، أو يستدعي أن تدافع عنه، سوف تبذل الجهد المطلوب، ولكن فيما يتعلق بصغائر الأمور فسوف تصبح بعيدًا عنها، فإذا وجه لك انتقادًا أو هجومًا ستظل هادئًا، وستتمكن أن تقرر التعليق أو عدمه، وستجد أن شريك الحياة يستجيب لهذا الأمر، فيصبح أسهل عشرة وأقل غضبًا..

1- قالت الزوجة لزوجها: "سأقوم أنا الآن لأجهز لك وللأولاد طبق الطعام الخاص الذي تحبونه، ويستغرق إعداده أكثر من ساعة".


فرد الزوج: "إن تحضير ذلك الطبق لا يستغرق كل ذلك الوقت، إنه يستغرق خمس عشر دقيقة فقط، فأنت دائمًا بطيئة مثل السلحفاة".
لا شك أن هذا الرد من الزوج هو رد مؤلم وفيه نقد مزعج للزوجة.

2- قال الزوج وهو ويحكي قصة وصوله إلى المطار بعد سفره، وأنه وجد في استقباله عشرة أشخاص، فقاطعته الزوجة لتقول: "لا بل كانوا تسعة فقط أنت دائمًا تبالغ في كلامك".
 

تعليق الزوجة بلا شك تعليق مزعج للزوج، بل إنه لا يحمل الاحترام لمشاعر الزوج، وفيه نقد صريح ولاذع في كلا الحكايتين، لم يكن هناك داعي للتصحيح والنقد، لأن التصحيح في هذه الحالات يفسد الحوار والمشاركة بين الزوجين.

فالزوجة الأولى التي كانت تستأذن زوجها للقيام بعمل الطبق الذي يحبه، كانت تحاول تلبية احتياحاته واحتياجات الأولاد، وكانت بتلك الكلمات تحاول التعبير عن حبها له وللأولاد عن طريق الطهي، ولكن الزوج لم يقدر ذلك، وكان رده المؤلم الذي ربما أنه لم يقصد به أي إساءة، وربما لم يدرك أنه قد جرح مشاعرها، نعم قد يكون محقًّا فيما يتعلق بالوقت الذي يستغرقه عمل الطبق، ولكن ما الأثر الذي أحدثه هذا التعليق؟

ونسى في تصحيح الوقت مشاعر إنسان يحبه، ألم يكن من الأولى أن يشعر بالامتنان للزوجة بدلًا من تلك الكلمات التي تقلل من شأنها، وتعطيها إحساسًا بالضآلة، ونفس الأمر ينطبق على الزوجة التي قامت بتصحيح ما قاله زوجها، إنها ربما لم تقصد أن تفسد عليه حكايته، أو أن تجعله يبدو أحمقًا، لقد كان تصرفها بريئًا، ولكنها إذا فكرت قليلًا أدركت أن أحدًا ممن يسمعون الحكاية لا يهمه أن يعرف العدد الحقيقي لمستقبلي زوجها.

لا تضع الملح على الجرح:
"لا أحد يحب أن يوجه له أحد الانتقادات، أو أن يتم استجوابه، أو أن يهاجمه أحد ويسارع بإصدار الأحكام عليه أو يوبخه، ومن ثم فإننا -كلنا أو أكثرنا- حين نتعرض لذلك، نتخذ المواقف الدفاعية كمحاولة لحماية أنفسنا، ولكننا حين نتأمل مشاعرنا بعد تلك المواقف، نلحظ أنها تنتهي بنا إلى المعاناة من إحساس مرير، لأن الأمر في حقيقته يشبه إلى حد كبير وضع الملح على الجرح" (حتى يبقى الحب: د. محمد محمد بدري، ص:760).

والبديل هو:
وبديل النقد هو التقبل والتفهم للآخر، وهذا لا يعني أن تكون شخصية خاضعة، أو أن تكون فاتر الشعور، ولا يعني أيضًا أن تغير أفكارك بل على العكس، فإن التقبل يعني أن تصبح أكثر تفتحًا أو تفهمًا لما يقوله الآخر، وبالتالي فإنك تصبح أقل انفعالًا أو أحسن إصغاء.

تغاضى عن صغائر الأمور:
تقبل وتفهم الآخر يجعلك تعرف طريقك لاختيار مواقفك بحكمة، فعند ما يوجد أمر مهم بحق، أو يستدعي أن تدافع عنه، سوف تبذل الجهد المطلوب، ولكن فيما يتعلق بصغائر الأمور فسوف تصبح بعيدًا عنها، فإذا وجه لك انتقادًا أو هجومًا ستظل هادئًا، وستتمكن أن تقرر التعليق أو عدمه، وستجد أن شريك الحياة يستجيب لهذا الأمر، فيصبح أسهل عشرة وأقل غضبًا، ومن ثم تقل نسبة النزاعات والمشكلات، إننا حين نتوقف عن تضخيم صغائر الأمور في علاقتنا الزوجية، سنقلل من المشاكل، ويذهب عنا أكثر التوتر والانفعال، وحتى إن ظهرت بعض المشاكل، فسيصبح من السهولة بمكان علاجها بالرؤية المتزنة للأمور.

ليس هناك فشل ولكن هناك فقط خبرات:
ليس العيب أن يخطئ المرء، ولكن العيب أن يكرر الخطأ ذاته، دون الإفادة منه، والرغبة الصادقة في تجنبه وتلافيه، قال تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [آل عمران:133].

فما دام الإنسان يعالج خطأه، ويستغفر ربه فهو مع المتقين، وهناك فرضية من فرضيات البرمجة اللغوية العصبية تقول: "ليس هناك فشل، ولكن هناك فقط خبرات، فإن الناس عند تأمل الصعاب والمضايقات التي واجهوها أو اعتبروها إخفاقًا أو فشلًا، فسرعان ما تظهر لديهم مشاعر عدم الملائمة، ولكن عندما تسأل أشخاصًا ناجحين أن يدلوا بأسرار نجاحهم، سوف يقصون عليك قصصًا وحكايات، تحديات وفشل وإخفاق، وكيف أنهم استطاعوا التغلب على جميع التحديات، وفي النهاية أصبحوا أقوى من أي وقت مضى" (البرمجة اللغوية العصبية، د. إبراهيم الفقي، ص: 27).

نموذج في التعامل مع النقد:
تأمل معنا هذا النموذج الفريد والرائع في التعامل مع الزوجة، حيث تحكي عنه زوجته السيدة عائشة إذ تقول: «ما عاب رسول الله صلى الله عليه وسلم طعامًا قط، إن اشتهاه أكله، وإن كرهه تركه» (متفق عليه)، تركه وفقط دون تعليق، وهذا يدل على: حسن خلق النبي صلى الله عليه وسلم، حيث كان يحافظ على مشاعر الناس، فلا يقدح في عملهم، ولا يخدش شعورهم، وعن جابر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سأل أهله الأدم فقالوا: «ما عندنا إلا الخل فأخذ يقول: نعم الأدم الخل» (أخرجه مسلم).

ولذلك علينا تجنب: النقد القاتل:
إن من أهم الأمور: "الذي تحقق للمرأة رضاها عن زوجها أو عن بيتها هو ألا ترى زوجها يعيبها في تصرفاتها أو وظيفتها كزوجة، وكذلك لا يعيبها في شكلها أو مظهرها، ولذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أن يقبح الرجل زوجته فيقول لها قبحك الله" (بيت الدعوة، رفاعي سرور، ص: 77).

إن هناك فرقًا كبيرًا بين النصح والإرشاد الذي تفوح منه رائحة المحبة والاحترام، وبين النقد العقيم الذي هو نوع من التوبيخ والتعيير "إن هذا النوع من النقد سهم قاتل للسعادة الزوجية، فإن أكثر من نصف الزوجات اللواتي يمكن أن يتحطمن في العادة على صخور محاكم الطلاق، بسبب النقد وحده" (كيف تكسب الأصدقاء وتؤثر في الناس، ديل كارينجي).

النقد البناء:
إن النقد وسيلة من وسائل التقويم، وهي وسيلة جيدة لو أحسن الطرفان استخدامها باتباع آداب النقد، أما لو كان النقد بأسلوب الاستهزاء، أو التعيير، أو كان أمام الناس، أو بصوت عال.

ماذا بعد؟
1- لا تضع الملح على الجرح بالنقد اللاذع والشديد لشريك الحياة، المقصود منه التعيير، أو التشفي، أو الاستهزاء، فإنه مدمر وقاتل للحياة الزوجية.
2- انقد شريكك نقدًا بناء، الهدف منه مساعدته على التطور والنجاح بروح الحب والإخلاص، وهذا مطلوب لو أحسنا اتباع آداب النقد الموضوعي.

المصادر:
- كيف تكسب الأصدقاء وتؤثر في الناس، ديل كارينجي.
- بيت الدعوة: رفاعي سرور.
- البرمجة اللغوية العصبية: د. إبراهيم الفقي.
- حتى يبقى الحب: د. محمد محمد بدري.

 

أم عبد الرحمن محمد يوسف

المصدر: موقع مفكرة الإسلام