رسالةٌ سريعة لكل طالبة علمٍ

منذ 2014-06-15

العلم طريقٌ إلى الخشية، والتقرّب إلى الله، وكثرةِ الأعمالِ الصالحة، فلا ينبغي لكِ أن تهملي وردَكِ اليومي من القرآن، ولا الأذكار، ولا النوافل، ولا تربية الأولاد على الإيمان، بحجّة الاستزادةِ من العلم!

بسم الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ


 الحمد لله الملك الحق المبين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فهذه رسالةٌ سريعة لكل طالبة علمٍ، كتبتُها على عُجالةٍ في نقاط مختصرة، بعد ما كثُرت الحالات الموجبة لهذه الرسالة.
 

فأقول وبالله التوفيق:
- أختي الكريمة: فضل طلبِ العلم معلوم، ويكفي فيه ما جاء في الصحيح: «مَن سلكَ طريقاً يلتمس فيه علمًا سهّل الله له به طريقا إلى الجنّة»، قال أهل العلم: يشمل ذلك الطريق في الدنيا بتيسير الطاعات، والآخرة في العرصات، وهذا يُوجِبُ عليك حَمْدَ اللهِ وشكرَه على هذه النعمة التي حُرِمَ منها كثير من نساء المسلمين! والله المستعان.

- أختي الفاضلة: مع انغماسكِ في العلوم حفظاً وفهماً وتحليلاً واستنباطاً، قد يورِثُ ذلك نوعَ غِلظَةٍ في الطبع أو قسوةٍ في المعاملة أو شدَّةٍ في القرارِ إن صحّ التعبير! وهذا أمرٌ مشاهدٌ في كثير من الطالبات، ويتفاوت بحسب نفسيّةِ الطالبة، والمادّةِ المدروسة، وعلى هذا، ينبغي لكِ أن تنتبهي لنفسِك في زوجِكِ وولدِك وبيتِك، فإنكِ غالباً لا تشعرين بنفسِك وأنتِ في خضمّ الدراسة، وأفنانِ العلم، وأزهار المسائل، ورياض العلماء!

فاللهَ اللهَ فيهم باللطفِ والحنان، والتودّدِ وحسن البيان، في الشكل والكلام؛ فأنت بهذا تمثّلين أهل العلم والصلاح.

- الأمر الثاني: كثرةُ المسائلِ مع كثرةِ المشاغل والمسئوليات على المرأة، تزاحمُ في كثيرٍ من الأحيانِ أصول العلم، وأعني بأصول العلم مقصدَه ولبَّه الذي من أجله نتعلّم.

دعيني أوضّح لك أكثر: العلم طريقٌ إلى الخشية، والتقرّب إلى الله، وكثرةِ الأعمالِ الصالحة، فلا ينبغي لكِ أن تهملي وردَكِ اليومي من القرآن، ولا الأذكار، ولا النوافل، ولا تربية الأولاد على الإيمان، بحجّة الاستزادةِ من العلم!


وقد أشار إلى هذا جمعٌ غفير من أهل العلم، منهم النووي في (مقدمة المجموع).
وكثير من طلبة العلم يسمعون قول الأئمة: "العلم خير من صلاة النافلة...إلخ"، ويفهمونه على أنَّ العلمَ والعبادةَ ضدّان لا يجتمعان! وهذا غير صحيح، فإن المقصود من كلامِهم عدمُ الانصرافِ بالكلية إلى العبادةِ دون تعلّمٍ وتعليم، ويكفي أن تنظرَ في حال الأئمة الذين قالوا: (العلم خير من صلاة النافلة)! انظر لما ورد عن عبادتهم وذكرهم وتلاوتهم...إلخ، فلا تفرّطي في شيءٍ من ذلك، فهو والله أكبرُ معين على العلم، ومن أسبابِ البركة في الوقتِ والجسم والمال والوقت.

 

قال أحد السلف: "كلما زاد حزبي من القرآن، زادت البركة في وقتي، ولا زلت أزيد حتى بلغ حزبي عشرة أجزاء.

-الأمر الثالث: طالبة العلم كغيرها معرّضةٌ للحسدِ والعين على ما أنعمَ الله عليها من العلمِ، ويسّر لها من سبُل الطاعة، فينبغي لها أن تتحصّن بالأذكار الصباحية والمسائية، ولا تترك بحالٍ أبدا التهليلَ مئة مرّةٍ في اليوم كما جاء في الصحيح، فهي حرزٌ من الشيطان.

- الأمر الرابع: قد تضطرّ طالبة العلم في بعض الأحيانِ للتعامل مع الرجل بسؤالٍ ونحوه، فأوصي نفسي وإياها أن تتقي اللهَ وتجتنب كلَّ أسبابِ الطمع من خضوعٍ في لغة الكتابة، أو استطرادٍ في خصوصيات ونحو ذلك جملةً وتفصيلاً، فطلبة العلم بشرٌ، واجتهاد الشيطان عليهم أكبر وأدقّ وأشد!


خصوصاً في هذا الزمن الذي قلّ فيه طالبات العلم، ففي كثير من الأحيانِ يراود طالبَ العلم أمانيّ كثيرةٌ يتمناها في زوجته، وتشتعل في عقلهِ عند مخاطبة طالبة العلم! فانتبهي لهذا يرعاك الله!

والكلام على هذا يطول، وفيه تفصيل كثير، لا يتسع له المقام.
وما هذا إلا لعلوّ مرتبتهم عند ربّهم، وثقل وزنِهم في المجتمع، وشدّة وطأتهم على إبليس وجنوده.

واعلمي أختي الفاضلة: أنَّ المحرمات تُؤتى في الأصلِ من بوابةِ التوسّع في المباحات، والشيطان يتمكّن من بوابة الخطوات، وقد جاء في الصحيح: «فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام»، وأترككِ تتأملي قوله صلى الله عليه وسلم: «وقع في الحرام»!

وفي الختام: هنيئاً لكِ بطلب العلم، وهنيئاً لزوجِك بك، وهنيئاً للأمة بكِ، فمن وفقه الله بطالبة علمٍ فليشكر نعمةَ الله عليه.  

حمد بن صالح المري