لا تحزن - الرِّفْقُ يُعينُ على حصولِ المقصودِ (2)
إنَّ على مداخلِ حدائقٍ الزهورِ والورود في بعضِ مدنِ أوروبة: لوحةٌ مكتوب فيها: "تَرَفَّقْ"، لأن الداخل مسرعاً لا يرى ذاك النبت الجميل ولا يضمنُ سلامة ذاك الوردِ الباهي، فيحصل الدعس والدفس والإبادة، لأنه ما رفق ولا تأنَّى.
وفي مذكّراتٍ لأديب سوريٍّ كان يسكنُ في مدينة "السلمية"، وله درَّاجةٌ ناريةٌ، أراد أن يعبر بها على جسر بناه الأتراكُ من الخشبِ على النهرِ، وهم بنوْه لمن أراد أن يمشي بدراجته متئداً متأنياً، قال هذا الرجل: فذهبتُ مسرعاً على جسري، فلما أصبحتُ من أعلى الجسرِ متوسِّطاً النهر، نظرتُ يَمْنَةً ويَسْرَةً، وأنا لم أرفقْ بنفسي ولا بدراجتي فاضطربتْ بي واختلَّ نظري، فوقعتُ بدراجتي في النهرِ، وكانت قصةً طويلة.
إنَّ على مداخلِ حدائقٍ الزهورِ والورود في بعضِ مدنِ أوروبة: لوحةٌ مكتوب فيها: "تَرَفَّقْ"، لأن الداخل مسرعاً لا يرى ذاك النبت الجميل ولا يضمنُ سلامة ذاك الوردِ الباهي، فيحصل الدعس والدفس والإبادة، لأنه ما رفق ولا تأنَّى.
هناك معادلة تربوية تقول: إن العصفور تربوية تقول: إن العصفور لا يترفَّقُ كالنحلة.
وفي الحديث: « ».
فالنحلة لا تُحِسُّ بها الزهرةُ أبداً، وهي تعلقُ الرحيق بهدوء، وتنالُ مطلوبها برفقٍ.
والعصفورُ على ضآلةِ جسمِه يخبرُ الناس بنزولِه على سنابل، فإذا أراد النزول سقط سقوطاً، ووثب وثْباً.
ولا أزالُ أذكرُ قصة الرسَّام الهنديِّ، وقد رسم لوحةً بديعة الحسنِ ملخَّصها: سنبلةُ قمح عليها عصفورٌ قد وقع، وهذه السنبلة مليئةٌ بالحبِّ، مترعرعةُ النموِّ، باسقةُ الطولِ، وعلَّقها الملِكُ على جدارِ ديوانِه، ودخل الناسُ يهنِّئون الملك بهذه اللوحةِ ويشكرون الرسَّام على حسنِها، ودخل رجلٌ فقيرٌ مغمورٌ في وسطِ الزحامِ فاعترض على اللوحةِ، وأخبرَ أنها خطٌأ، وضجَّ الناسُ به وصجُّوا، لأنه خالف الإجماع، فاستدعاه الملكُ برفقٍ وقال: ما عندك؟ قال: هذه اللوحةُ خطٌأ رسمُها، وَغَلطٌ عرْضها.
قال: ولِمَ؟ قال: لأنَّ الرسام رسمَ العصفور على السنبلةِ وترك السنبلة مستقيمةً ممتدةً، وهذا خطٌأ، فإنِّ العصفور إذا نزل على سنبلة القمحِ أمالها، وأخضعها، لأنه ثقيلٌ لا يملكُ الرفق.
قال الملكُ: صدقت. وقال الناسُ: صدقت. وأنزل اللَّوْحة، وسُحبت الجائزةُ من الرسامِ.
عائض بن عبد الله القرني
حاصل على شهادة الدكتوراة من جامعة الإمام الإسلامية
- التصنيف:
- المصدر: