«لا تصُوموا حتى تَرَوا الهلال»

منذ 2014-06-20

قال الإمام ابن حجر في (فتح الباري): "المُعوَّل رؤية الأهلة، وقد نُهينا عن التكلُّف. ولا شك أن في مراعاة ما غمض حتى لا يدرك إلا بالظنون غاية التكلُّف".

أخرج البخاري في صحيحه عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر رمضان فقال: «لا تصُوموا حتى تَرَوا الهلالَ، ولا تُفْطِروا حتى تَرَوْهُ، فإنْ غُمَّ عليكم فَاقْدُروا لهُ».

وأخرج أيضًا عن سعيد بن عمرو أنه سمع ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إِنَّا أُمةٌ أُميِّة لا نكتب ولا نحسِب الشهر هكذا وهكذا» -يعني مرةً تسعة وعشرين ومرةً ثلاثين.

قال الإمام ابن حجر في (فتح الباري) كلام خلاصته:

"المُعوَّل رؤية الأهلة، وقد نُهينا عن التكلُّف. ولا شك أن في مراعاة ما غمض حتى لا يدرك إلا بالظنون غاية التكلُّف".

حيث قال تفصيلًا:

قوله: "باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا نكتب ولا نحسِب» بالنون فيهما، والمراد أهل الإسلام الذين بحضرته عند تلك المقالة، وهو محمول على أكثرهم، أو المراد نفسه صلى الله عليه وسلم.

قوله: «إِنَّا» أي: العرب، وقيل: أراد نفسه. وقوله: «أُميِّة» بلفظ النسب إلى الأم فقيل: أراد أمة العرب؛ لأنها لا تكتب، أو منسوب إلى الأمهات، أي: إنهم على أصل ولادة أمهم، أو منسوب إلى الأم؛ لأن المرأة هذه صفتها غالبًا، وقيل: منسوبون إلى أم القرى، وقوله: «لا نكتب ولا نحسِب» تفسير لكونهم كذلك، وقيل للعرب: أُميُّون؛ لأن الكتابة كانت فيهم عزيزة. قال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ} [الجمعة من الآية:2]، ولا يَرِدُ على ذلك أنه كان فيهم من يكتب ويحسِب؛ لأن الكتابة كانت فيهم قليلةً نادرة، والمراد بالحساب هنا حساب النجوم وتسييرها، ولم يكونوا يعرفون من ذلك أيضًا إلا النزر اليسير..

فعلَّق الحكم بالصوم وغيره - بالرؤية لرفع الحرج عنهم في معاناة حساب التسيير واستمر الحكم في الصوم ولو حدث بعدهم من يعرف ذلك، بل ظاهر السياق يُشعِر بنفي تعليق الحكم بالحساب أصلًا، ويُوضِّحه قوله في الحديث الماضي: «فإن غُمَّ عليكم فأكمِلوا العِدَّة ثلاثين» ولم يقل: فسلوا أهل الحساب، والحكمة فيه كون العدد عند الإغماء يستوي فيه المكلَّفون فيرتفع الاختلاف والنزاع عنهم، وقد ذهب قوم إلى الرجوع إلى أهل التسيير في ذلك وهم الروافض، ونقل عن بعض الفقهاء موافقتهم..

قال الباجي: وإجماع السلف الصالح حجة عليهم.

وقال ابن بزيزة: وهو مذهب باطل فقد نهت الشريعة عن الخوض في علم النجوم لأنها حِدسٌ وتخمين ليس فيها قطع ولا ظن غالب، مع أنه لو ارتبط الأمر بها لضاق، إذ لا يعرفها إلا القليل.

قوله: «الشهر هكذا وهكذا»، يعني: مرةً تسعةً وعشرين ومرةً ثلاثين. هكذا ذكره آدم شيخ البخاري مختصرًا، وفيه اختصارٌ عما رواه غندر عن شعبة، أخرجه مسلم عن ابن المثنى وغيره عنه بلفظ: «الشهر هكذا وهكذا»، وعقد الإبهام في الثالثة، «والشهر هكذا، وهكذا، وهكذا»، يعني: تمام الثلاثين أي: أشار أولًا بأصابع يديه العشر جميعًا مرتين، وقبض الإبهام في المرة الثالثة، وهذا المُعبِّر عنه بقوله: «تسع وعشرون»، وأشار مرة أخرى بهما ثلاث مرات، وهو المعبر عنه بقوله: «ثلاثون»، وفي رواية جبلة بن سحيم عن ابن عمر في الباب الماضي: «الشهر هكذا وهكذا»، وخنس الإبهام في الثالثة ووقع من هذا الوجه عند مسلم بلفظ: «الشهر هكذا وهكذا»، وصفَّق بيديه مرتين بكل أصابعه، وقبض في الصفقة الثالثة إبهام اليمنى أو اليسرى..

وروى أحمد وابن أبي شيبة واللفظ له من طريق يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عن ابن عمر رضي الله عنهما رفعه: «الشهر تسع وعشرون» ثم طبَّق بين كفيه مرتين وطبَّق الثالثة فقبض الإبهام.

قال: فقالت عائشة رضي الله عنها: يغفر الله لأبي عبد الرحمن، إنما هجر النبي صلى الله عليه وسلم نساءه شهرًا فنزل لتسع وعشرين، فقيل له، فقال: «إن الشهر يكون تسعًا وعشرين، وشهر ثلاثون» قال ابن بطال: في الحديث رفع لمراعاة النجوم بقوانين التعديل، وإنما المُعوَّل رؤية الأهلة، وقد نُهينا عن التكلُّف. ولا شك أن في مراعاة ما غمض حتى لا يدرك إلا بالظنون غاية التكلُّف".

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

أبو الهيثم محمد درويش

دكتوراه المناهج وطرق التدريس في تخصص تكنولوجيا التعليم من كلية التربية بجامعة طنطا بمصر.