شرح وأسرار الأسماء الحسنى - (28) اسم الله تعالى المهيمن
قال الحُلَيمي: "المهيمن لا يُنقص للمطيعين يوم الحساب من طاعاتهم شيئًا فلا يثيبهم عليه، لأن الثواب لا يعجزه ولا هو مُستكره عليه فيحتاج إلى كتمان بعض الأعمال أو جحدها، وليس ببخيل فيحمله استكثار الثواب إذا كثرت الأعمال على كتمان بعضها، ولا يلحقه نقص بما يثيب فيحبس بعضه لأنه ليس منتفعًا بشيء من مثل ذلك، كما لا يُنقص المطيع من حسناته شيئًا فلا يزيد العصاة على ما اجترحوه من السيئات شيئًا".
المهيمن لغةً معناه: "الأمين" هكذا قال بعضهم، وهو من آمن غيره من الخوف أي أمَّنه.
وقالوا مهيمن بمعنى مؤيمن والهاء بدلًا من الهمزة مثل ما قاله عند ما دخل الأعرابي وبال في المسجد فقال: «أهريقوا عليه» والمعنى أريقوا، فنقول أن مهيمن أصلها مؤيمن.
وقيل معنى مهيمن: "أي مؤتمن"، وقيل المهيمن: "الرقيب الحافظ"، وقيل أنه: "الشاهد".
تقول: "فلان مُهيمنِّي على فلان" إذا كان شاهدُك، إذًا (شاهد، وأمين، ورقيب، وحافظ) كل هذه دلالات اسمه تعالى المهيمن، ولا شك ستكون لها وقع خاص في حظ المؤمن من هذا الاسم.
وروده في القرآن:
ورد اسم الله تعالى المهيمن مرة واحدة في قول الله تعالى في سورة الحشر:
{هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الحشر:23]، وذُكِرَ معناه في قول الله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ..} [المائدة:48]، ومعنى الآية أن القرآن مهيمنٌ على ما سواه من الكتب المنزلة، فهو شاهد لها فيما اتفقوا فيه، وفي نفس الوقت هو مهمين عليها بمعنى أنه فوقها، وبمعنى يقرب من معنى (الرقيب).
معنى هذا الاسم (المهيمن) في حق الله تعالى:
اختلف أهل التأويل في تأويله: فقالوا: "المهيمن الشهيد"، وقالوا أيضًا: "الهيمنة الحفظ والارتقاب".
قال ابن كثير: "قال ابن عباس وغير واحد: المهيمن: أي الشاهد على خلقه بأعمالهم أي هو رقيبٌ عليهم"، كقول الله تعالى: {وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [المجادلة:6] وقوله: {ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ} [يونس:46]، وكما قال الله تعالى: {أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ...} [الرعد:33]، بمعنى أنه رقيب على كل نفس.
قال الحُلَيمي: "المهيمن لا يُنقص للمطيعين يوم الحساب من طاعاتهم شيئًا فلا يثيبهم عليه، لأن الثواب لا يعجزه ولا هو مُستكره عليه فيحتاج إلى كتمان بعض الأعمال أو جحدها، وليس ببخيل فيحمله استكثار الثواب إذا كثرت الأعمال على كتمان بعضها، ولا يلحقه نقص بما يثيب فيحبس بعضه لأنه ليس منتفعًا بشيء من مثل ذلك، كما لا يُنقص المطيع من حسناته شيئًا فلا يزيد العصاة على ما اجترحوه من السيئات شيئًا"، ومنه يُستخلص عدة معاني..
- أن المهيمن على هذا التقدير هو: العالم بجميع المعلومات الذي لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء: {إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ..} [يونس:61]، أي أنه يلزم من كونه مهيمنًا أنه عالمٌ بكل شيء سبحانه وتعالى، أي أنه عليم لأنه يشهد ويرقب.
- أن المهيمن معناه أنه رقيب حفيظ سبحانه.
قال الحليمي: "لا ينقص المطيعين يوم الحساب من طاعتهم شيئًا، ولا يزيد العصاة على ما اجترحوه من السيئات شيئًا"، لكن اسم الله المهيمن أعمّ من الحفظ لأن فيه معنى الارتقاب، فتشمل أيضًا معنى اسم الله (البصير)، لأنه شاهد عليهم فيلزم من كونه شاهدًا على أفعالهم أنه يُبصرهم ويعلم سرهم وعلانيتهم سبحانه وتعالى.
قال الحسن البصري: "المهيمن المُصدق".
وهو في حق الله تعالى يعني: أن يكون ذلك التصديق بالكلام فيُصدق أنبياءه بإخباره تعالى عن كونهم صادقين أو يكون بمعنى تصديقه لهم أنه يُظهر المعجزات على أيديهم.
قال الغزالي: "هو اسم لمن كان موصوفًا بمجموع صفات ثلاث" أولها: العلم بأحوال الشيء.
الثاني: القدرة التامة على تحصيل مصالح ذلك الشيء. الثالث: المواظبة على تحصيل تلك المصالح، بمعنى: هو يعلمه ويَقدُر له الخير الصالح له ويديم عليه ذلك، يديم عليه علمه وقدرته، ولا يستطيع ذلك إلا الله جلّ وعلا فقد يكون أحد الناس يعلم حالك، وإن كان لا يستطيع أن يعرف كل حالك لكن يعلم حالك تجاوزًا، ويستطيع أن يقدر لك -أن يعطيك- خيرًا ويراعي مصالحك كشأن الأب مع ابنه، يعلم تصرفات ابنه وما طُبع عليه لأنه هو الذي رباه وهو يراعي مصالحه، لكن لا يستطيع أن يديم عليه ذلك لأنه يفنى، أما الله عز وجل ّ فهو الأول والآخر".
من المعاني كذلك:
أنه المطلع على خفايا الأمور وهذا يشمل معنى علمه سبحانه وتعالى.
يقول الشيخ السعدي: "المهيمن المطلع على خفايا الأمور فكونه عالم هو يعلم سرك وعلانيتك يعلم الصالح لك من الفاسد، فلذلك {..وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ..} [ البقرة:220]، فهو المطلع على خفايا الأمور وخبايا الصدور {يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ}" [الطارق:9].
حظ المؤمن من اسم الله المهيمن:
طالما أن الله سبحانه وتعالى هو الشاهد على خلقه بما يصدر منهم، ولا يعزب عنه مثقال ذرة سبحانه وتعالى، ولا يغيب عنه من أفعالهم شيء، وهو سبحانه وتعالى له الكمال فلا يضل ولا ينسى {وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} فهذا يوجهك إلى..
1- مراقبة الله تعالى:
فهذا أول ما تستفيده من هذا الاسم، فطالما أنه مهيمن رقيب إذًا فواجب عليك مراقبته سبحانه وتعالى في السر والعلن {فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى} [طه:7] فتحتاج أن تراقبه في سائر أحوالك، فإن عين الله تعالى ناظرة تبصر حالك.
يقول الشيخ النابلسي في شرح اسم الله المهيمن: "إنه رقيب على كل شيء، كمثل طبيب مؤمن عنده مريضة تشكو له ناحية من جسمها، لو أنه نظر إلى مكان آخر هل في الأرض كلها جهة تستطيع أن تضبط هذه المخالفة؟ أبدًا، فالله عز وجل يقول: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} يعلم خواطرك ويحول بينك وبين قلبك، ولا تخفى عليه خافية، يسمعك إذا قلت، ويراك إذا تحركت، ويعلم خبايا نفسك إن سكت، تتكلم، تتحرك، تجلس، وتصمت، أنت في علم الله، وفي قبضته، هو يعلم، ولا نهاية لعلمه".
2- الرضا:
قلنا أنه يعلم الصالح ويعلم الفاسد بالنسبة لك، فسلم له أمرك وارض بما قسمه لك.. فدومًا الخير بين يديه. {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ..} [الملك:14].
3- الاستقواء به:
يقول الشيخ محمد راتب النابلسي: "أنت حينما تكون مع (المهيمن) فأنت في حصن حصين، وأنت مع القوي الكبير، وأنت مع من بيده مقاليد السماوات والأرض، إذا كنت مع (المهيمن) فلن يخيب مسعاك، ولن تشعر بالإحباط، ولن تشعر بالإخفاق، أنت مع (المهيمن)، ليس شيئًا سهلًا أن يكون خالق السماوات والأرض يدعمك، ويؤيدك، وينصرك ويحفظك ويوفقك، المستقبل لمن كان مع (المهيمن)، والشقاء والخزي والعار لمن كان مع عبد من عبيد المهيمن، إن كنت مع (المهيمن) فأنت أيضًا مهيمن في عملك، في أسرتك، في اختصاصك، في راحة نفسك، في سلامة صدرك".
ثم قال: "الآن الناس يلتفون حول القوي، لأنهم يتوهمون أن قوته دعم لهم، وأنهم يطمئنون إليه، لأنه يعطيهم، ولا يمنعهم، هذا إذا كنت مع إنسان قوي، فكيف إذا كنت مع ملك الملوك، ومع مالك الملوك، ومع قيوم السماوات والأرض، ومع من بيده كل شيء، ومع من إليه يرجع الأمر كله، ومع من هو خالق كل شيء، وهو على كل شيء وكيل، إذا كنت أنت مع القوي فأنت معافى من الخوف، معافى من القلق، معافى من الإحباط، معافى من اليأس".
4- التصديق:
أن الله سبحانه وتعالى جعل كلامه المنزل على خاتم أنبيائه ورسله مهيمنًا على ما قبله من الكتب.
وفي هذا إشارة إلى كمال التصديق بما في الكتاب، فقد قلنا أن من معاني المهيمن: (المصدق) وكأن في معنى أن القرآن مهيمنٌ على ما قبله أنه مُصدق لما بين يديه من الكتب {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ} [المائدة:48].
فقوله مهيمنًا عليه: أي عال وعلوه على سائر كتب الله ذلك بما زاد عليها من السور، وأن الله جعله قرآنًا عربيًا مبينًا، وأن جعله نظمه وأسلوبه معجز، وإن كان الإعجاز في سائر الكتب المنزلة من عند الله سبحانه وتعالى ولكن القرآن لا شك فيه إشارات عظيمة في هذا الباب.
الدعاء باسم الله تعالى المهيمن:
لم يرد في الكتاب ولا في السنة دعاءٌ خاصٌ بهذا الاسم أو بهذا الوصف لكن جاءت أدعية بمعنى هذا الاسم ومقتضاه، فقد جاء بعض الأحاديث في هذا المعنى، منه الحديث الذي رواه البخاري من حديث البراء بن عازب أن النبي قال«: إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة ثم اضطجع على شقك الأيمن، ثم قل اللهم أسلمت وجهي إليك وفوضت أمري إليك وألجأت ظهري إليك رغبة ورهبة إليك لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك اللهم آمنت بكتابك الذي أنزلت وبنبيك الذي أرسلت فإن مت من ليلتك فأنت على الفطرة»، وقال صلى الله عليه وسلم: «واجعلهن آخر ما تتكلم به» (رواه البخاري).
ومنه ما روى البيهقي وحسنه الألباني من حديث مصعب بن سعد عن أبيه رضي الله عنه -سعد بن أبي وقاص-: "أن أعرابيًا قال للنبي علمني دعاءً لعل الله أن ينفعني به، قال: « »".
ومما ورد في دعاء المسألة مما رُوي عن السلف ما جاء في دعاء يحيى بن معاذ الرازي دعاء المسألة باسم الله المهيمن كان يقول: "جلالك يا مهيمن لا يبيد، وملكك دائم أبدًا جديد، وحكمك نافذ في كل أمر، وليس يكون إلا ما تريد، ذنوبي لا تضرك يا إلهي، وعفوك نافع وبه تجود، فنعم الرب مولانا وإنا لنعلم أننا بئس العبيد، وينقص عمرنا في كل يوم ولا زالت خطايانا تزيد، قصدت إلى الملوك بكل باب عليه حاجبٌ فظ شديد، وبابك معدن للجود يا من إليه يقصد العبد الطريد".
هاني حلمي عبد الحميد
حاصل على ليسانس دار العلوم وحضر الماجستير في فقه وأصول أحد الفقهاء السبعة.
- التصنيف: