شرح وأسرار الأسماء الحسنى - (27) اسم الله المتكبر الكبير

منذ 2014-06-22

المتكبر هو من الكِبر أو الكِبَر نقيض الصغر، وكبر الأمر جعله كبيرًا منه: {فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ}، أي عظمه.. فالتكبير التعظيم، والكِبر هو الرفعة في الشرف، والكبرياء الملك..

المتكبر هو من الكِبر أو الكِبَر نقيض الصغر، وكبر الأمر جعله كبيرًا منه: {فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ} [يوسف:31]، أي عظمه.. فالتكبير التعظيم، والكِبر هو الرفعة في الشرف، والكبرياء الملك، كقول الله تعالى: {وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاء فِي الأَرْضِ} [يونس:78]، أي العظمة والتجبر.

ورود اسم الله المتكبر في القرآن:
ورد اسم الله تعالى المتكبر في آية واحدة أيضًا من القرآن وهو قول الله تعالى: {الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ} [الحشر:23]، وورد اسم الله الكبير في ستة مواضع من منها:

1- قول الله تعالى: {وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} [الحج:62].
2- وقوله: {عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ} [الرعد:9].
وجاء هذا الاسم مقترنًا باسم الله العلي واسم الله المتعال.

الوقوف على معاني اسم الله الكبير المتكبر:
- أما المتكبر فمعناه الذي تكبر عن كل شر، فسبحانه وتعالى تكبر عن ظلم العباد، يقول النبي فيما روى عن الله تبارك وتعالى أنه قال: «يا عبادي! إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرمًا، فلا تظالموا» (رواه مسلم).

- ومعناه الذي تكبر وتعالى عن صفات الخلق فلا يلحقه نقص، ولا يعتريه سوء سبحانه.
- هو الذي يتكبر على عتاة خلقه إذا نازعوه العظمة فيعاملهم بكبريائه سبحانه وتعالى.
- وهو الذي تكبر بربوبيته فلا شيء مثله، هو الذي تكبر عن كل سوء، المتعظم عما لا يليق من صفات الذم.

- وقال بعضهم: "المتكبر: البليغ الكبرياء والعظمة".
أما الكبير -اسم الله الكبير- فقال أهل العلم كابن جرير الطبري: "الكبير هو: العظيم الذي كل شيء دونه، ولا أعظم منه"، وقال الخطابي: "الكبير هو: الموصوف بالجلال وكبر الشأن فصغر دون جلاله كل كبير"، على هذا يكون اسم الله المتكبر والكبير معني به أمور:

- التكبر عن كل سوء وظلم.
- التكبر عن صفات الخلق وعن مشابهة الحوادث.
- التكبر والتعاظم على كل شيء دونه، فكل شيء دونه حقير صغير، أما الله فهو الكبير المتكبر سبحانه، وهو الذي له الكبرياء في السماوات والأرض أي له السلطان والعظمة.

ما يورثه اسم الله الكبير:
هذا الاسم يورث في نفس العبد الثقة بالله سبحانه وتعالى، ويورثه أيضًا المعنى الذي توقفنا عنده ابتداءً في اسم الله الجبار، معنى العلو الذي يليق بالله سبحانه وتعالى، فترتقي همته إلى الله، ويدع ما دونه من سفاسف الأرض.

حظ المؤمن من هذا الاسم:
حين يلوذ الإنسان بالمتكبر الكبير المتعال سبحانه وتعالى، ويكون عنده هذا النوع من الثقة واليقين به سبحانه وتعالى، تجده لا يخضع إلى أحد، ولا يصيبه الانهزام مهما واجه، ففي يوم أحد لما وقف أبو سفيان وقال: "اعلُ هبل.. اعلُ هبل، قال رسول الله: «ألا تجيبونه؟ قالوا يا رسول الله ما نقول؟ قال: قولوا الله أعلى وأجل»" (البخاري)، يقولها لهم وهم مهزومون!

نريد قلوبًا كهذه لا يتسلل إليها الانهزام، نريد عُباد الكبير المتكبر المتعال، نريد عباد الله الأعلى والأجل، الله الأكبر من كل كبير، ألست تسمعها كل يوم تردد في الآذان: "الله أكبر الله أكبر"، إنه أمرك بترديدها حتى تتملك نفسك هذه المعاني، وتتشربها وتحيا بها، فلا تعظم شيئًا حقره ولا تحقر شيئًا عظمه، إن التكبر لا يليق إلا به سبحانه وتعالى، أما العبد فهو صفته الأساسية التذلل والخشوع والخضوع، فحظ المؤمن ألا يتكبر في الأرض بل يكون ذليلًا لله سبحانه وتعالى، ذليلًا على المؤمنين عزيزًا على الكافرين.

وتوعد الله سبحانه وتعالى المتكبرين بأشد العذاب يوم القيامة فقال: {فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ} [الأحقاف:20]، وقال الله: {أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ} [الزمر:60]، فاستكبارهم هذا معناه رفضهم الانقياد لله الكبير المتعال، فإذا رفضت الانقياد للمتكبر فقد عرضت نفسك للعقوبة وإلى معاملتك بصفات الجلال، كما قال الله تعالى: {إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ} [الصافات:35]، أي يرفضوا الإذعان لكلمة التوحيد وقال الله: {أَفَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنتُمْ قَوْمًا مُّجْرِمِينَ} [الجاثية:31]، يبين أنهم رفضوا الحق الذي جاءت به الرسل وردوه، وقال سبحانه: {قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ} [الشعراء:111]، فاحتقروا أتباع الرسل فكان هذا سببًا لإعراضهم عن الحق الذي جاءهم به.

من تكبر في الأرض فقد شابه إبليس:
قلنا إن الكبر سبب للطبع على القلب وهذه من أشد العقوبات: {كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ} [غافر:35]، ومن تكبر في الأرض فقد شابه إبليس، فإنه ما أخرجه من النعيم إلا استكباره: {إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ} [البقرة:34]، فمن وقع في هذا الداء الوبيل، فقد شابه إبليس، ونازع الله في صفة من الصفات التي استأثر بها نفسه، ولذلك يكون الوعيد بهذه الشدة.

والمشكلة الكبرى أن يتسلل إلى النفس شيء من هذا الداء يقول ابن القيم: "ولو أنه يؤمر بأن يضع فوق عاتقه الجبال لكان أهون وأيسر"، أي لو وضع فوق رأسك جبل كان أحسن من أن تتعرض أن يدخل قلبك ذرة كبر، لأنها مسألة خطيرة جدًا وطرق العلاج منها تحتاج إلى أمور كثيرة، أولها لا شك أن يتعلم كيفية التذلل لله والاستعانة به سبحانه وتعالى، ويعلم أنه لن يستطيع أن يطهر من هذا إلا إذا شاء الله سبحانه وتعالى.

الكبر كالورم السرطاني:
الكبر -والعياذ بالله- مثل الورم السرطاني، ليس له علاج إلا لمن اختصه الله سبحانه وتعالى برحمة، فهناك بعض الأدواء والآفات مثل الأنفلونزا وغيرها أمرها سهل، مثل أثر ذنب من الذنوب، نكتت نكتة سوداء فيستغفر ويتوب فتنتهي المشكلة، إنما مع الكبر فهي طامة كبرى، لذا دائمًا أبدًا لا بد أن يكون للعبد حظ من هذا التذلل بين يدي الله سبحانه وتعالى في اليوم والليلة، في قيام ليل.. في أعمال بر خفية يقوم بها لا يدري عنها أحد...

الكبر نهايته الذلة والصغار:
ما من طاغية في الأرض أبتلى بهذا الأمر إلا وأهلكه الله سبحانه وتعالى بقضاء يكون فيه عبرة لكل معتبر، والدواء أن يتذكر العبد دومًا أنه لا حول ولا قوة إلا بالله، وأن الله هو الكبير المتعال على الخلق أجمعين، القادر على الانتقام من الأقوياء للضعفاء والمساكين، قال الله: {وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا} [النساء:34].

انظر: فالنساء اللاتي يعصين أزواجهن، أمرنا الله بأن نذكرهن ابتداءً، فإن أبت المرأة تكون المرحلة الثانية وهي الهجر في المضجع، فإن لم يكن يأتي التأديب الثالث بالضرب غير المبرح للفت النظر، فإن أطاعت المرأة زوجها في جميع ما يريده منها مما أباحه الله فلا سبيل له عليها، لذا قال: {فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا}، فهذه حدودك إن تجاوزتها ستعرض نفسك لله عز وجل قال الله: {إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا} [النساء:34]، وهذا تهديد للرجال إذا بغوا على النساء من غير سبب، فإن الله العلي الكبير سيكون وليهن، وسينتقم ممن ظلمهن وبغى عليهن، إنها الآية التي يرددها الطاعنون في مكانة المرأة في الإسلام، فتلك الآية التي يقولون أنها تدعو للضرب، الآية نفسها هي التي تقول غير ذلك تمامًا، فالآية تنصفها وتكرمها وتجعلها في أعلى مكان، الله وليها هو الذي يدفع عنها ليس لها ولي آخر من أب أو أخ أو عم، الله هو الذي سيتكفل، فماذا يريدون أكثر من ذلك؟

الكبر والعلم:
الكبر يمنع أيضًا من الاستفادة بالعلم النافع، لأن المتكبر يترفع عن الجلوس بين يدي العالم.
ودائمًا أبدًا من لم يذق ذل التعلم فلم يصب من العلم شيئًا، لا بد من ذل في التعلم، لا بد أن تسهر الأيام والليالي وتكابد المشاق حتى يصل إليك هذا العلم ليكون لك حظ من اسم الله تعالى المتكبر، فيلين لك صعاب العلم وما يكون فيه من أمور قد لا يستسهلها الكثير، يقول الله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ . ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ..} [الحج:8-9].

ثاني عطفه أى: يلين بجانبه معرضًا غير مقبل: {ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ} [الحج:9]، أي أن من الناس من يجادل في الله بغير علم صحيح ولا نقل صريح، وهذه آفة زماننا هذا، كل ناعق ينعق بما يريد، يهرف بما لا يعرف، فيقع في مثل ذلك برأيه وهواه، وإذا دُعِيَ إلى الحق ثنى عطفه أي لوى رقبته مستكبرًا عما يدعى إليه من الحق، فأخبر تعالى أن له في الدنيا الخزي وهو الإهانة والذل، لأنه استكبر عن آيات الله فجزي بنقيض قصده بأن يكون ذليلًا.

يقول الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِن فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَّا هُم بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [غافر:56]، إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ -أي بغير حجة- {إِن فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ}، لذا دائمًا أبدًا لا تجادل إلا بعلم، وراعِ المسائل الخلافية ولا تحتد برأيك فيها، مثلاً في مسألة حكم النقاب ليس معنى أن كل أهل بيتك منتقبات أن تفرض وجوب النقاب على غيرك وتتهم غيرك بالتفريط، أو العكس لا تفرض الكشف على غيرك وتتهمه بالتشدد، فليس كل الناس يتعبدون بمذهب واحد بل هناك مسائل خلافية سائغ فيها الخلاف بين أهل العلم، فلا تجادل ولا تفرض حالك على أحد، بل تأدب بأدب الخلاف.

المصدر: موقع الكلم الطيب

هاني حلمي عبد الحميد

حاصل على ليسانس دار العلوم وحضر الماجستير في فقه وأصول أحد الفقهاء السبعة.

  • 48
  • 0
  • 111,747
المقال السابق
(26) اسم الله الجبار
المقال التالي
(28) اسم الله تعالى المهيمن

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً