عندما فقدت حاسة الشم
أثناء استماعي لبرنامج " واحة المستمعين " في إذاعة القرآن الكريم
بدولة الكويت اتصلت إحدى المستمعات تستشير ضيف الحلقة الدكتور موسى
الجو يسر فيما جرى لها.
ذكرت المستمعة في اتصالها أنها كانت تشاهد برنامجاً تلفزيونياً من
برامج المسابقات ، وقد طرح في البرنامج سؤال مضمونه : ما الحاسة التي
يمكن للإنسان أن يستغني عنها ؟ فصاحت على الفور : إنها حاسة
الشم
تضيف المستمعة فتقول : في اليوم التالي لنطقي هذه العبارة فقدت حاسة
الشم ، ولم أستعدها حتى الآن ، على الرغم من مراجعتي طبيباً وتناولي
ما وصفه لي من دواء
قلت : سبحان الله وصرت أتأمل ما حصل لهذه المستمعة أو المرأة ، وأبحث
عن الحكمة فيما جرى لها .....وهل تستحقه ؟
أدعو الله أولاً ألا يطول فقدان تلك الأخت حاسة الشم ، وأن يعيدها
سبحانه إليها قريباً ، فهي - إن شاء الله - تلقت الدرس وأدركت خطأها
حين ربطت فقدانها تلك الحاسة ، بل تلك النعمة ، بجحدها غير المقصود
لها ، عبر إجابتها عن سؤال المسابقة .
ولقد هداها الله سبحانه إلى الاتصال بالإذاعة التي كانت تبث البرنامج
على الهواء ، ليصل ما وقع لها إلى آلاف الناس الذين كانوا يستمعون
للبرنامج ، ثم هداني سبحانه لأنقل ما سمعتموه إلى آلاف أخرى من الناس
على هذه الصفحة ، فتصل العبرة مما حدث إلى مئات آلاف القراء
والمستمعين .
لقد كان في إجابة الأخت - كما قلت - درجة من نكران - أو نقصان - نعمة
من نعم الله الكثيرة التي لا تعد ولا تحصى { وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها } ،
فكان جزاء هذا النكران العاجل سلب هذه النعمة ولو زمناً قصيراً ، يقول
الله تعالى { واشكروا لي ولا
تكفرون } . يقول القرطبي في الآية : والشكر معرفة الإحسان
والتحدث به ، واصله في اللغة الظهور ، ثم يقول في قوله تعالى { ولا تكفرون } : أي لا تكفروا نعمتي
وأيادي ؛ فالكفر هنا ستر النعمة لا التكذيب . فكأنما الأخت سترت نعمة
الشم حينما رأت أنها نعمة يمكن الاستغناء عنها .
ويقول سبحانه في آية سورة إبراهيم :{ وإذ تأذّن ربكم لأن شكر تم لأزيدنكم ، ولإن
كفرتم إن عذابي لشديد } أي جحدتم حقي أو نعمي ، وعد سبحانه
بالعذاب على كفر النعمة كما وعد بالزيادة على شكرها.
لقد وقعت الأخت في فخ السؤال فكان في إجابتها شيء من الموافقة على أنه
يمكن الاستغناء عن نعمة من نعم الله سبحانه فسلبت هذه النعمة لتدرك
أنه لا يمكن أن يستغني عبد عن ربه جل شأنه , بل الله تعالى هو الغني
الحميد { وكان الله غنياً حميدا
} [ النساء : 131 ] , { ومن كفر فإن
الله غني عن العالمين } [ آل عمران : 17 ] , { إن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعاً فإن الله
لغني حميد } [ إبراهيم : 8 ] , { فكفروا وتولوا واستغني الله والله غني
حميد } [ التغابن : 6 ] .
وبعد , فلتحمد الله كل أخت ما أنعم به تعالى عليها , ولا تقلل من شأن
أي نعمة , ولترسخ في وجدانها أنه لا يمكنها أن تستغني عما رزقها الله
سبحانه مهما بدا لها دقيقاً أو صغيراً أو هينا .
لتستحضر دائماً ضعفها إن لم يكن الله معها , وفقرها إن لم يغنها
سبحانه من فضله { يا أيها الناس أنتم
الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد } [ فاطر : 15 ]
.
لتشكره سبحانه على كل شيء , ولتحمده على كل نعمة , بل حتى على البلاء
الذي تؤجر في الصبر عليه « ... وإن أصابته ضرّاء صبر فكان خيراً له
.. » حديث
صحيح أخرجه مسلم .
- التصنيف: