من نواقض الإسلام - (10) الإعراض عن دين الله لا يتعلمه ولا يعمل به

منذ 2014-06-30

قال الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى: "الإعراض عن دين الله لا يتعلمه ولا يعمل به والدليل قوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ}.

الناقض العاشر:

قال الإمام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله تعالى: "الإعراض عن دين الله لا يتعلمه ولا يعمل به والدليل قوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ} [السجدة:22]".

الشـرح:
المسألة الأولى: الإعراض عن دين الله علماً وعملاً (معنى هذا الناقض).
المصنف رحمه الله أراد أن يقرر في هذا الناقض مسألتين متلازمتين في الإعراض وهما تعلم دين الله تعالى والعمل به.

 

أولاً: الإعراض عن دين الله تعلماً.
والمراد بالإعراض الذي يكون ناقضا من نواقض الإسلام هو الإعراض عن تعلم أصل الدين الذي يكون المرء به مسلماً، وأما من كان جاهلاً بتفاصيل الدين وفروعه فليس مقصوداً لأن من التفاصيل من لا يقوم به إلا العلماء وطلبة العلم.

 

سئل العلامة عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن عن الإعراض الذي يكون ناقضاً من نواقض الإسلام فقال: "إن أحوال الناس تتفاوت تفاوتاً عظيماً، وتفاوتهم بحسب درجاتهم في الإيمان إذا كان أصل الإيمان موجوداً، والتفريط والشرك إنما هو فيما دون ذلك من الواجبات والمستحبات، وأما إذا عدم الأصل الذي يدخل به في الإسلام، وأعرض عن هذا بالكلية؛ فهذا كفر إعراض، فيه قوله تعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ} [الأعراف من الأية:179]، الآية وقوله تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه:124]"، قال العلامة سليمان بن سحمان: "فتبين من كلام الشيخ أن الإنسان لا يكفر إلا بالإعراض عن تعلم الأصل الذي يدخل به الإنسان في الإسلام لا بترك الواجبات والمستحبات" (انظر الدرر السنية: [10/472-473]).

 

ثانياً: الإعراض عن دين الله عملاً.
والمراد به الإعراض الكلي عن جنس العمل كأن ينطق بالشهادتين ولا يعمل شيئاً من أعمال الجوارح مع قدرته فهذا كفر بالإجماع كما سيأتي بيانه..، أما من أعرض عن واجب من الواجبات في الدين فلم يعمل به فهذا إعراض جزئي لا يكون المرء -الذي معه أصل الإيمان- بترك ذلك العمل كافراً، هذا هو تقرير المسألة بشكل عام بغض النظر عن نوعية العمل فمن الأعمال ما يكون تركه لوحده كفر كالصلاة على خلاف بين العلماء.

 

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "فلا يكون الرجل مؤمناً بالله ورسوله مع عدم شيء من الواجبات التي يختص بإيجابها محمد صلى الله عليه وسلم" (انظر مجموع الفتاوى: [7/ 621])، وهاتان المسألتان متلازمتان أعني الإعراض عن دين الله علماً وعملاً فالعلم والعمل قرينان قال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ} [التوبة من الأية:33] فالهدى هو العلم النافع ودين الحق هو العمل الصالح، ومن أعرض عن العلم بدين الله تعالى شابه النصارى، ومن أعرض عن العمل به شابه اليهود.

 

وبناءً على ما سبق فالإعراض ينقسم إلى قسمين:
الأول: إعراض كلي.
وهو الإعراض عن تعلم أصل الدين أو عن جنس العمل فصاحب هذا الإعراض كافر خارج عن ملة الإسلام، وهذا هو الإعراض الذي أراده المصنف رحمه الله.

الثاني: إعراض جزئي.
وهو الإعراض عن تعلم تفاصيل الدين وعن العمل ببعض الواجبات، فصاحب هذا الإعراض ناقص الإيمان مع بقاء أصله فهو لا يخرج بإعراضه عن الإسلام.

فالنوع الأول ينقص الإيمان وينفيه بالكلية، والنوع الثاني ينقص الإيمان لكنه لا ينفيه بالكلية (انظر نواقض الإيمان القولية والفعلية لعبدالعزيز العبداللطيف، ص: [345]).

 

المسألة الثانية: الإعراض يختلف عن التكذيب.
لأن التكذيب هو عدم التصديق، أما الإعراض والتولي فهو عدم العلم والعمل، فقد يكون مؤمناً بصدق الرسالة لكنه معرض عنها علماً وعملاً قال تعالى: {فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى . وَلَكِن كَذَّبَ وَتَوَلَّى} [القيامة:31-32]، تأمل كيف أن الله أخبر أنه لم يصدَّق بل كذب، وأيضاً هو لم يصلِّ بل تولى وأعرض فجعل معنى الإعراض هو عدم العمل، والتولي عن طاعة الله كفر، قال تعالى: {قُلْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ فإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ} [آل عمران:32].

 

قال ابن كثير رحمه الله: "{فإِن تَوَلَّوْاْ } أي تخالفوا عن أمره {فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ} فدل على أن مخالفته في الطريق كفر، والله لا يحب من اتصف بذلك وإن ادعى وزعم في نفسه أنه محب لله ويتقرب إليه، حتى يتابع الرسول النبي الأمي خاتم الرسل ورسول الله إلى جميع الثقلين" (انظر تفسيره لهذه الآية من آل عمران آية:[32]).

 

المسألة الثالثة: هل يُعذر المعرض عن دين الله بجهله؟
المعرض عن دين الله تعالى لا يتعلمه ولا يعمل به، لا يعذر بجهله لأنه يستطيع رفعه بعدما بُيِّن له الحق، فالجاهل هو من لم يصله الحق ولم تبلغه الرسالة، وأما المعرض فهو من جاءه الحق ففرط به بإعراضه عنه.
قال ابن القيم رحمه الله: "كل من أعرض عن الاهتداء بالوحي الذي هو ذكر الله فلا بد أنه يقول يوم القيامة {يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ} [الزخرف:38].

 

فإن قيل: فهل لهذا عذر في ضلاله إذا كان يحسب أنه على هدى، كما قال تعالى {وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ} [الأعراف من الأية:30]؟ قيل: "لا عذر لهذا وأمثاله من أهل الضلال الذين منشأ ضلالهم الإعراض عن الوحي الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، ولو ظن أنه مهتد، فإنه مفرِّط بإعراضه عن اتباع داعي الهدى، فإذا ضل فإنما أُتي من تفريطه وإعراضه وهذا بخلاف من كان ضلاله لعدم بلوغ الرسالة وعجزه عن الوصول إليها، فذاك له حكم آخر، والوعيد في القرآن إنما يتناول الأول، وأما الثاني فإن الله لا يعذب أحداً إلا بعد إقامة الحجة عليه" (انظر مفتاح دار السعادة: [1/ 43]).

 

المسالة الرابعة: كيف الجمع بين أن ترك جنس العمل كفر مخرج من الملة وبين الأحاديث التي تدل على إخراج أناس من النار إلى الجنة وفي وصفهم أنهم لم يعملوا خيراً قط؟

تقدم أن ترك جنس العمل بأن لا يعمل شيئاً من أعمال الجوارح مطلقا مع قدرته على العمل ويكتفي فقط بنطق الشهادتين كفر وهذا بالإجماع، وحكى الإجماع كل من (الحميدي كما أخرجه الخلال في السنة؛ انظر: [3/586-1027]، والشافعي كما ذكره ابن تيمية (انظر مجموع الفتاوى: [7/ 209]، وأبو عبيد القاسم بن سلام في كتاب الإيمان؛ انظر صفحة: [18-19] والآجري في كتاب الشريعة؛ انظر: [2/ 611]، وابن تيمية في مجموع الفتاوى؛ انظر: [14/ 120]).

 

فإن قيل كيف الجمع بين هذا وبين الأحاديث التي فيها دخول أناس الجنة وهم لم يعملوا خيراً قط كحديث أبي سعيد رضي الله عنه الطويل في الشفاعة وفيه إخراج أقوام من النار لم يعملوا خيراً قط، والحديث رواه مسلم، وكذلك حديث أبي سعيد رضي الله عنه المتفق عليه في قصة الرجل الذي قتل تسعة وتسعين نفساً ثم كمل المائة ثم أرشده عالم إلى التوبة و الهجرة واللحاق بأرض كذا وكذا ليعبد الله مع أناس صالحين هناك وفي الطريق وافته المنية وفي الحديث قالت ملائكة العذاب: «إنه لم يعمل خيراً قط» وفي الحديث أخذته ملائكة الرحمة، ونحوها من الأحاديث في هذا المعنى.

 

والجواب على هذه الأحاديث عدة أجوبة أختار منها جوابين:
الأول: أن الاستدلال بهذه الأحاديث يرد عليها احتمال أن الذين أخرجوا من النار وأدخلوا الجنة بغير عمل، إنما هم من الأمم السابقة وليسوا من أمة محمد صلى الله عليه وسلم إذ أن النار تجمع عصاة أمة محمد صلى الله عليه وسلم وغيرهم لاسيما وقد جاء في حديث أبي سعيد رضي الله عنه في خروج العصاة من النار أن النبي صلى الله عليه وسلم قال الله عز وجل: «شفعت الملائكة وشفع النبيون» والاحتمال إذا ورد على الدليل بطل به الاستدلال، لاسيما إذا كان الاحتمال قوياً له حظ من النظر.

 

الثاني: أنه قد يكون المراد بهذه الأحاديث في قوله «لم يعمل خيراً قط» ليس نفي العمل كله، وإنما مع وجود أعمال أخرى، تأمل كيف أن الرجل الذي قتل المائة نفس تاب وهاجر إلى أرض يعبد الله تعالى بها. والتوبة والهجرة عملان صالحان عظيمان، ومع ذلك قالت عنه ملائكة العذاب «إنه لم يعمل خيراً قط». 

 

وكذا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه عند أحمد رحمه الله قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن رجلاً لم يعمل خيراً قط، فكان يداين الناس فيقول لرسوله: خذ ما تيسر واترك ما عسر وتجاوز لعل الله يتجاوز عنا» (صحيح بن حبان: [5043])، وفي الحديث أن الله تجاوز عنه.

 

أنت ترى أنه قيل عنه لم يعمل خيراً قط مع أنه كان يصفح ويتجاوز عن المعسرين ولذا بوب ابن حبان في صحيحه: "ذكر البيان بأن هذا الرجل لم يعمل خيراً قط إلا التجاوز عن المعسرين" (انظر كتاب التوحيد لابن خزيمة: [2/ 732])، وهناك أجوبة أخرى ويبقى ترك العمل في هذه الأحاديث معناه خلاف، والإجماع متقدم كما تقدم على أن ترك جنس العمل كفر، وأما القول بأنه لايزال مؤمناً مع تركه جنس العمل فهو أصل اعتقاد المرجئة كما تعلم، فتنبه -رعاك الله-.

 

قال ابن تيمية: "ومن الممتنع أن يكون الرجل مؤمناً إيماناً ثابتاً في قلبه بأن الله فرض عليه الصلاة والزكاة والصيام والحج ويعيش دهره لا يسجد لله سجدة ولا يصوم من رمضان ولا يؤدي الزكاة ولا يحج إلى بيته، فهذا ممتنع ولا يصدر هذا إلا مع نفاق في القلب وزندقة لا مع إيمان صحيح" (انظر مجموع الفتاوى: [7/ 611]). ومما يدل على نفي الإيمان عمن لم يأت بالعمل وإن كان أتى بالقول، قوله تعالى: {وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ} [النور:47].

 

قال ابن تيمية: "فنفي الإيمان عمن تولى بالعمل وإن كان قد أتى بالقول... ففي القرآن والسنة من نفي الإيمان عمن لم يأت بالعمل مواضع كثيرة" (انظر مجموع الفتاوى: [7/142]).

عبد الله بن حمود الفريح

حاصل على درجة الدكتوراه من قسم الدعوة والثقافة الإسلامية في الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف الأولى، عام 1437هـ.

المقال السابق
(9) اعتقاد أن أحدًا يسعه الخروج عن شريعة محمد
المقال التالي
(11) الخاتمة