ولا تلبسوا الحق بالباطل

منذ 2014-07-03

يفقد الباطل فتنته وتأثيره، ما لم يكن معه شيء من الحق يُلبِّس به. الباطل المحض لا يَرُوج على أكثر الخلق، فإن الإنسان بخِلقته وفطرته يحب أن يرضى عن اختياره وموقفه، والباطل المحض لا يمنحه هذا الرضا. وفي القرآن جاء النهي واضحا بيّنًا: {وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ}. وهذا النهي يفيد المؤمن في خاصة نفسه ودعوته، وفي تعامله مع الدعوات الأخرى.

يفقد الباطل فتنته وتأثيره، ما لم يكن معه شيء من الحق يُلبِّس به. الباطل المحض لا يَرُوج على أكثر الخلق، فإن الإنسان بخِلقته وفطرته يحب أن يرضى عن اختياره وموقفه، والباطل المحض لا يمنحه هذا الرضا، وفي القرآن جاء النهي واضحا بيّنًا: {وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ[البقرة من الآية:42]. وهذا النهي يفيد المؤمن في خاصة نفسه ودعوته، وفي تعامله مع الدعوات الأخرى.    

                                
أما خاصة نفسه ودعوته: فيكون على حذر دائم، ويقظة مستمرة أن يلبس الحق بالباطل، فإنه إن خفي هذا الخلط والتلبيس على بعض الخلق، فإنه لا يخفى على رب الخلق سبحانه، وسيجازيه مجازاة الضال المضل.  وبعض الذين يتورّطون في مواقف ضالة، من المنتسبين للعلم والدعوة، لا يكاد يكاشف نفسه أو غيره بهذا الضلال، بل يلبس هذا الباطل ببعض الحق، حتى يهدأ ضميره، ويحسب أنه على شيء. ثم يغري الناس باتباع باطله، واختيار موقفه. وربما يَرُوج الباطل بما معه من الحق، وهذا هو التلبيس والتضليل والعياذ بالله.  ثم يتمم تلبيسه بتتبعه لأخطاء خصومه وهفواتهم، ولا يدري أن ما معه من حق، وما تتبعه من أخطاء خصومه لا يشفع له عند ربه في الباطل الذي يريد أن يخفيه بهذا الصنيع.


ومن العجيب، أنك لا تجد موقفا ضالًا، أو ظلمًا بيِّنًا في داخل العالم الإسلامي، إلا وجدت معه بعض المُعمَّمين من المنتسبين للعلم والدين! لقد حيرتني بعض المواقف وأنا أشاهد بعض العلماء يختارون لأنفسهم موقفًا في غاية الظلم والضلال، كمن ينحاز ويدافع عما يفعله النظام النصيري في الشعب السوري! إن شراء الذمم وحده لا يكفي في تفسير المشهد! وحين تسمع لحديث بعضهم وتبريره يتكشّف لك معنى الآية: {وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ}[البقرة من الآية:42] معه بعض الحق، فامتطاه ليصل به إلى الباطل، وهو في صنيعه هذا يحاول أن يقنع نفسه قبل أن يقنع الآخرين، حتى إذا تطاول به الزمن أَلِف الموقف واطمأنّ إليه.


إن هذه الآية تخص أهل العلم أكثر من غيرهم، فإن في تلبيسهم إفسادًا كبيرًا. ومن اتقى الله وخاف مقامه بين يدي ربه، كان من هذا التلبيس على خوف وحذر، فإن له في النفس خفايا وزوايا، وله عمل في دهاليز النفس البشرية يطّلع عليها من يعلم السر وأخفى: {بَلِ الْإِنسَانُ عَلَىٰ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ. وَلَوْ أَلْقَىٰ مَعَاذِيرَهُ[القيامة:14-15]. ألا تعجب أن كل فرقة ضالة، وكل جماعة ظالمة، لها من الحديث ما تدافع به عن موقفها، وتجادل به عن اختيارها؟! إن عامة ما يقال هنا هو من تلبيس الحق بالباطل، ومن آمن بالله واليوم الآخر علم حاجته لمكاشفة النفس، وعرضها على ميزان العدل والحق دون خلط أو تلبيس.


هذا ما يتعلق بالمؤمن في خاصة نفسه ودعوته، أما ما يتعلق بالآخرين، فإن الآية تكشف لنا أنه قد يأتي مع الباطل بعض الحق، والمنصف لا يحمله ذلك الباطل على إنكار الحق الذي معه، فيقف في الجملة ضد هذا التلبيس، فإذا جاء التفصيل قَبِل الحق ولو كان مصدره ذلك الملبس الضلّيل. وهذا مقام رفيع من التجرد للحق، والتعالي عن العاطفة والتعصب والأحكام المجملة. 

 

فالمسلم مع كرهه لليهود وشركهم، لا يكره من يعظمه اليهود موسى عليه السلام وتعظيم اليهود لموسى عليه السلام لا ينتقص من حبِّنا له شيئًا. وأولئك المغرضون الضالون في كل زمان ومكان يمكن أن تجد في كلامهم بعض الحق يتشبثون ويلبسون به، فالكره والضلال والمقاصد الرديئة لقائل هذا الكلام ليست كافية لرفض الحق الذي معهم، ومن رفضه من أجل قائله فقد سقط في هواه، وشابه ذلك الملبس الضليل في تقديم هواه على اتباع الحق! كل حق يقوله المبطلون فنحن أولى به، وقبولنا لذلك الحق يُضعِف تلبيسهم، ويجرّد باطلهم، ويجدد انحيازنا للمبدأ والحق، وليس للتعصب والهوى.


وما لم يحافظ الإنسان على ذلك، فإنه سيترك كثيرًا من الحق، وسينجر إلى كثير من الباطل، بسبب الخصومة والمعاندة. فمهما تطاول اليهود على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فلن ننسى فضل موسى ولن نقصر في حبه، رغم أنهم يتطاولون على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.. 

 

نحتاج هذا المعنى كثيرًا في خصوماتنا العصرية، حين تشتد الخصومة بين الفرق والجماعات والأحزاب، فكثيرًا ما يرد الحقَّ أهلُ الحق بسبب تلبيس الخصوم وما معهم من باطل. وذلك يضعف أهل الحق في ميزان الله، وينتقص من أسباب تأييد الله ونصرته.


يبقى هنا أن يتذكر الشاب المسلم وهو يستمع لمشايخه وعلمائه أنه ليس من بينهم معصوم عن تلبيس الحق بالباطل، وهذا يؤكد له مسؤوليته أمام الله في اتباع البرهان والحجة والسلطان، وألا يترك نفسه كالميت بين يدي مغسله، كما يقال، بل يدقق ويحقق، ويجتهد وسعه، ولا يكلف الله نفسًا إلا وسعها.

 

عبد الله القرشي

المصدر: موقع الإسلام اليوم