مُسَيَّر أمْ مُخَيَّر؟! (2)

منذ 2014-07-05

المشكلة في هذا السؤال "هل الإنسان مُخَيَّر أم مُسَيَّر؟" هو أن المصطلحات "مُخَيَّر" و"مُسَيَّر" لا يتم تحريرهما -تعريفهما والفصل بينهما- جيدًا قبل إجابة السؤال، وغالبًا تكون كِلا الإجابتين عندها -إن أُجيبتا دون تحرير المصطلحات- غير مرضية لطوائف من الناس ولهم الحق في ذلك..

المشكلة في هذا السؤال "هل الإنسان مُخَيَّر أم مُسَيَّر؟" هو أن المصطلحات "مُخَيَّر" و"مُسَيَّر" لا يتم تحريرهما -تعريفهما والفصل بينهما- جيدًا قبل إجابة السؤال، وغالبًا تكون كِلا الإجابتين عندها -إن أُجيبتا دون تحرير المصطلحات- غير مرضية لطوائف من الناس ولهم الحق في ذلك.

وحيث أن القرآن الكريم هو كتاب الله المُعجز الذي يصيغ إجابة الشبهات في أدق وأقصر وأبلغ إجابة فقد أجاب الله تعالى على هذا السؤال في آية واحدة!

{وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا} [الإنسان:30].

وإعجاز الآية أنها لم تجب بلا "مُخَيََّر" ولا "مُسَيََّر"! بل أثبتت مشيئتين يظهر أنهما متعارضتين لكنهما حقيقةً غير متعارضتين كما سيأتي:

ولنضرب مثالًا توضيحيًّا لكيفية تناغم المشيئتين {وَلِلّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَىَ}[1]:

افترض أن أحد الناس أجلسك أمام كمبيوتر وطلب منك أن تتبع التعليمات المذكورة في ملف الإرشادات الموجود على سطح المكتب "Desktop" فجلست أنت وفتحت الملف لتجد فيه الآتي:

"المطلوب برمجة برنامجًا بشرط أن يكون هذا البرنامج مُفيدًا وغير ضار (مثل الفيروسات الكمبيوترية)".

حسنًا.. الآن أمامك احتمالان وكلاهما تستطيع عملهما إن أردت، وهما: أن تكتب البرنامج المفيد أو الفيروس. لكنك ستضطر أن تكتب ما تريده في أوامر يسمح بصيغتها نظام التشغيل الموجود على هذا الكمبيوتر؛ لأنك تستطيع كتابة برنامج لكنك حين تهم بتنفيذه قد تُفاجأ بإشارة خطأ "error" لأنك مُجبر أن تُصيغ برمجتك بقواعد معينة لا يسمح نظام التشغيل إلا بها.

وحين تنهي البرنامج -سواءً كان خيرًا أو شرًّا- فلست أنت من ينفذه بل معالج الكمبيوتر "processor" هو الذي ينفذه حسب ما كتبته لأن ما كتبته لا يخرق القواعد المُبرمجة مُسبقًا من صانع الكمبيوتر.

وفي هذا المثال تلك المقابلات بين المثال والواقع:

1- كتابتك البرنامج قبل تنفيذه: تقابل إرادتك الحُرَّة في الواقع.

2- القواعد التي يجب عليك الالتزام بها وإلا لما تم تنفيذ البرنامج -إرادتك الحُرَّة- هي: قوانين الطبيعة في الواقع.

3- نظام التشغيل: هو المنظومة الموجود مُسبقًا التي سمحت لك بأن تكتب أصلًا وإن تجد ملف الإرشادات. وهو الكون في الواقع. الكون الذي لا يحدث شيء داخله إلا إن كان موافقًا لقوانين الطبيعة!

4- ملف الإرشادات: هو الدين في الواقع.

5- عمل المُعالج هي إرادة الله سبحانه في الواقع، فإن الله يفعل لك ما تريد إن اِلتزمت بالقواعد التي وضعها سبحانه بإرادته في الكون، وذلك بغض النظر عن إن كان يحب ما فعلت أم يكره، لأنك في الواقع في اختبار ومن خصائص الاختبار إلا يٌصحِّح لك واضع الاختبار حل الأسئلة إن كان خاطئًا؛ بل يقبل منك الأسئلة إن اِلتزمت وكتبتها في الورقة المسموح لك الإجابة فيها وبالنظام المطلوب من كتابة: (اسمك، ورقم جلوسك، وكتابتك بقلم واضح إلى آخره...).

وعليه ففي المثال نرى أمرين:

1- أنك مُخَيَّر تمامًا في كتابة ما تريد، حتى إن كان فيروسًا (إنك مخير في أن تريد -تنوي- خيرًا أم شرًا).

2- أنك لن تستطيع تنفيذ برنامجك إلا أن سمح نظام التشغيل بهذا، فإن التزمت بقواعده نفذها لك المُعالِج "processor" وإلا فلا ينفذها مهما كانت كتابتك. (أنه مهما كانت إرادتك فلن يتحوَّل منها إلى واقع إلا ما وافق قوانين الطبيعة).

3- أنك لا تستطيع تنفيذ البرنامج بذاتك لكن المُعالج "processor" هو الذي ينفذ لك برنامجك (إرادة الله تحول إراداتك -الملتزمة بقوانين الكون وسُننِه- من مُجرَّد إرادة إلى واقعٍ ملموس، وإلا فإنه "لا حول ولا قوة إلا بالله"،  إذ أنك لا تستطيع تنفيذ شيء إلا بقدرته).

أرجو أن يكون الأمر قد وضح.

والله أعلم.

ـــــــــــــــــــــــ

[1]- [النحل من الآية:60].

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

أحمد كمال قاسم

كاتب إسلامي