قبل أن تغيب شمس والديك!

منذ 2014-07-07

تذكر حين توفق إلى بر والديك أنها نعمة عظيمة من الله، فكم من غافل مشغول بالدنيا وزينتها عن والديه!مشغول عن أعظم أسباب الفوز بالجنة، روي عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «دخلت الجنة فسمعت فيها قراءة قلت: من هذا؟»، فقالوا: "حارثة بن النعمان"، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كذلكم البر كذلكم البر» -وكان أبر الناس بأمه-، تأمل كيف استحضر رسول الله من بين أعمال هذا الصحابي الجليل فقط بره بأمه!

بسم الله الرحمن الرحيم

يذكرني طلوع الشمس شيخًا
وأذكره لكل غروب شمسًا!

هناك أيام حزينة نعلم أنها آتية لا محالة! نعلم أنها سنة الله في خلقه!
نعلم أنها قدر الله وقضاؤهلكننا نهرب ونفزع من مجرد التفكير بها!
من تلك الأيام المؤلمة رحيل شيخي ومهجة قلبي وقرة عيني أبي الحبيب، رحمه الله وأموات المسلمين وجمعني به في دار كرامته.

لست اليوم أكتب مقالاً تأبينيًا فيه! فلا يشعر بألم الجرح إلا صاحبه، لكني أكتب هنا وقفات لكل من يرفل بنعمة وجود والديه أو أحدهما

الوقفة الأولى:
حافظ على الباب! حافظ على مخرج النجاة، ومصعد الدرجات!
روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: «الوالد أوسط أبواب الجنة، فإن شئت فأضع ذلك الباب أو احفظه» (رواه أحمد والترمذي وابن ماجه وصححه الألباني)، فكم من سعيد بوجود باب الجنة في بيته! تهب عليه نسائمها صبحًا ومساءً.. تهب عليه كلما حيّا والديه أو قبّل رأسيهما، أو قضى لهما حاجة يطلبانهاوكم من بائس ضيع هذا الباب وغفل عنه ولم يتنبه إلا حين أُغلق!

الوقفة الثانية:
لا تؤجل ولا تستصغر أي عمل يسعدهما، حتى البسمة! أليست «الكلمة الطيبة صدقة» (صحيح ابن حبان)؟! فكيف إذا كانت لأحق الناس بحسن صحابتك؟! ولا تؤجل حتى المكالمة الهاتفية معهما! فلا تعلم متى تقبض روحهما!


فقد كنت في مكة المكرمة وكان لدي خبر جميل، هو عمل خيري لوالدي ووالدتي، وأجلت الخبر يومين حتى أقابلهما وأبشرهما وأرى تهلل وجهيهما وسعادتهما بهوجاءني نعي والدي قبل أن أضمه وأبشره أو حتى أودعهيالله! كم كانت تلك الساعات ثقيلة وأنا عائدة إلى الرياض

كم بكيت وأنا أسمع المنادي يقول" نحن على مقربة من مطار الرياض"! كنت أقول في نفسي وأنا أبكي بكاء مرًا: أي رياض؟! أي رياض غاب عنها ربيعها؟وحين وصلت، وفي الطريق استوحشت من شوارعها! ونخيلها! هل كانت تعلم برحيله؟!
فيا من حياته مازالت منوّرة بوالديه استمتع بهما قبل رحيلهما!

الوقفة الثالثة:
قد يصدر من والديك -بدون قصد- كلمات قاسية، فلا يوسوس لك الشيطان بالانتصار لنفسك! إنهما والداك!
إنهما اللذان أمرك الله بخفض جناح الذل لهما {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ} [الإسراء من الآية:24]، وفي الحديث «ما من جرعة أعظم أجرا عند الله من جرعة غيظ  كظمها عبد ابتغاء وجه الله» (رواه ابن ماجه وصححه الألباني)، فإذا كان كظم الغيظ مع أخيك المسلم له هذا الأجر العظيم عند الله فكيف مع اللذين وصاك الله بهما؟


كيف باللذين قال الله عنهما {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا} [الإسراء من الآية:23]؟قال علي رضي الله عنه: "لوعلم الله شيئًا في العقوق أدنى من "أف" لحرّمهوقال عروة بن الزبير: "مابر والديه من أَحَدَّ النظر إليهما"،بل قال علي رضي الله عنه: "من أحزن والديه فقد عقهما"
 

الوقفة الرابعة:
تذكر حين توفق إلى بر والديك أنها نعمة عظيمة من الله، فكم من غافل مشغول بالدنيا وزينتها عن والديه!مشغول عن أعظم أسباب الفوز بالجنة، روي عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «دخلت الجنة فسمعت فيها قراءة قلت: من هذا؟»، فقالوا: "حارثة بن النعمان"، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كذلكم البر كذلكم البر» -وكان أبر الناس بأمه-، (رواه أحمد وصححه الألباني)، تأمل كيف استحضر رسول الله من بين أعمال هذا الصحابي الجليل فقط بره بأمه!

 

ولا غرابة في ذلك، فإن بر الوالدين في الإسلام مقدم حتى على الجهاد الذي هو ذروة سنام الإسلامروي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: "سألت النبي صلى الله عليه وسلم أي العمل أحب إلى الله عز وجل؟"، قال«الصلاة على وقتها»، قال: "ثم أي؟" قال: «بر الوالدين»، قال: "ثم أي؟"، قال: «الجهاد في سبيل الله» (البخاري ومسلم). بل إن رضا الله في رضاهما، روي عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه، قال صلى الله عليه وسلم «رضا الرب في رضا الوالدين وسخطه في سخطهما» (صحيح الجامع).


الوقفة الخامسة:
ثق أن من البر الحرص على جو الوئام بينك وبين إخوتك، فمن المعلوم أن أكثر ما يكدر صفو الوالدين حصول خصام أو جفوة بين بعض أولادهما، فحرصك على ما يسعدهما من أعظم البر، وتزيد عظمته حين يقترن بالصبر على ما قد يصدر من إخوتك لأجلهما فتجمع أجر البر والصلة والصبر {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر من الآية:10].

وأخيرًا تذكر وصية الله لك بالدعاء لهما {وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} [الإسراء من الآية: 24]، قال سفيان بن عيينه في قوله تعالى {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ} [لقمان من الآية:14]: من صلى الخمس فقد شكر الله ومن دعا لوالديه عقبهما فقد شكرهما، بل قال بعض الصحابة: ترك الدعاء للوالدين يضيق العيش على الولد، وقد ذكر بعض المفسرين أن الدعاء للوالدين نعمة من الله ودليله أن الله بعد ذكره دعاء الابن لوالديه:{رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ} [الأحقاف من الآية:15]، أن الله قال بعدها{أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ} [الأحقاف من الآية:16]

ختامًا!
هذه خواطر كتبتها بعد أن غاب أحد والديّ، ووقفات أذكّر بها كل من تكتحل عيناه برؤية والديه، وإن كان البر لايتوقف بموتهما، بل قد تكون حاجتهما للبر بعد الممات أشد لانقطاع عملهما! ولكن وجودهما بهجة للقلب لا تُنسى، ورضا للنفس لا يُثمّن، وسكينة للروح لا تعوّض، فتمتع ببر والديك قبل أن تغيب شمسهما!

 

 سماوية