رجلان في البيت

منذ 2014-07-20

إن تربية الفتاة على الحياة الزوجية هي الأساس، وهي المسؤولية الكبرى لوالديها، فليست الحياة الزوجية مجرد إشباع للجسد.. بل حياة تقوم على التكامل وليس على التضاد، فليست الزوجة ندًا للزوج أو خصمًا في حلبة البيت، وهذه هي الطامة الكبرى التي ابتليت بها الكثير من بيوتنا.


قال تعالى: {وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون} [الروم:21].

إن الزواج والعلاقة بين الزوج والزوجة آية من آيات الله التي تستوجب التفكير فيها، فكان ختام الآية: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون}.

وهذا يؤكد عمق وأهمية العلاقة الزوجية، فالزوجة سكن لزوجها، فهو يطمئن ويرتاح ويأنس لها ويسكن إليها، وبينهما المودة والرحمة، فتخيل البيت خال من المودة ومن الرحمة فكيف يكون حاله؟

لن يكون خال بل ممتلئ بروح الأنانية وحب الذات والشح والتكبر والتعالي، وحل الخلافات برفع الصوت، وكأن كل منهما يقول: أنا هنا وليذهب البيت للجحيم!

قال ابن القيم في روضة المحبين: "وأمّا الودّ فهو خالص الحبّ وألطفه، وأرقّه وأصفاه، وهو من الحبّ بمنزلة الرأفة من الرحمة".

وقال الحافظ ابن كثير في تفسيره للمودة والرحمة: "المودة هي: المحبة، والرحمة هي: الرأفة، فإن الرجل يمسك المرأة إما لمحبته لها، أو لرحمة بها بأن يكون لها منه ولد".

وما أجمل عبارات الظلال حين يقول: "والناس يعرفون مشاعرهم تجاه الجنس الآخر، وتشغل أعصابهم ومشاعرهم تلك الصلة بين الجنسين؛ وتدفع خطاهم وتحرك نشاطهم تلك المشاعر المختلفة الأنماط والاتجاهات بين الرجل والمرأة، ولكنهم قلما يتذكرون يد الله التي خلقت لهم من أنفسهم أزواجًا، وأودعت نفوسهم هذه العواطف والمشاعر وجعلت في تلك الصلة سكنا للنفس والعصب، وراحة للجسم والقلب واستقرارًا للحياة والمعاش وأنسًا للأرواح والضمائر واطمئنانًا للرجل والمرأة على السواء، والتعبير القرآني اللطيف الرفيق يصور هذه العلاقة تصويرًا موحيًا وكأنما يلتقط الصورة من أعماق القلب وأغوار الحس: {لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا}، {وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً}، {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون}.. فيدركون حكمة الخالق في خلق كل من الجنسين على نحو يجعله موافقاً للآخر، ملبياً لحاجته الفطرية (نفسية وعقلية وجسدية) بحيث يجد عنده الراحة والطمأنينة والاستقرار؛ ويجدان في اجتماعهما السكن والاكتفاء والمودة والرحمة؛ لأن تركيبهما النفسي والعصبي والعضوي ملحوظ فيه تلبية رغائب كل منهما في الآخر، وائتلافهما وامتزاجهما في النهاية؛ لإنشاء حياة جديدة تتمثل في جيل جديد".

إن تربية الفتاة على الحياة الزوجية هي الأساس، وهي المسؤولية الكبرى لوالديها، فليست الحياة الزوجية مجرد إشباع للجسد.. بل حياة تقوم على التكامل وليس على التضاد، فليست الزوجة ندًا للزوج أو خصمًا في حلبة البيت، وهذه هي الطامة الكبرى التي ابتليت بها الكثير من بيوتنا.

فلم تعد الزوجة تعرف معنى الزواج، ولم تعد تعرف كونها زوجة! ولم تعد تعرف معنى أن هناك زوجًا يعيش معها في البيت! فهي تعرف نفسها فقط.. وأنها ند للزوج.. فكما يقول تقول.. وكما يعمل تعمل.. وتخاطبه دائماً بعبارة (مثلي مثلك)، (معي شهادة ومعك شهادة ما الفرق؟!)، (أنت إنسان وأنا إنسان)، (ماذا ينقصني؟ رجل، يد، عين، أذن، لسان، أتكلم عن عشرة من أمثالك).

وأصبح في البيت رجلان.. كل منهم قيّم على الآخر.. وكل منهما يدّعي له الأحقية في الأمر، وفي الكلام، وفي العمل، فاختل التوازن، وانهدم البيت على أصحابه وهم يتجادلون.

إن الزوجة التي تدخل عش الزوجية بهذه الصورة، ومن ثم تسير حياتها على هذا المنوال من الندية للزوج في كل شأن من شؤون الحياة، هي زوجة فاشلة، بل زوجة تحمل قنبلة نووية في جنباتها تدمر أسرتها بالكامل.

كما أن الزوج الذي يدخل عش الزوجية بدون أن يكون متسلحاً بأخلاقيات الحياة الزوجية، ومن ثم تسير حياتهما بدون أن يكون قائدا لها، هو زوج فاشل، بل زوج يحمل الضياع وحمم البراكين التي تحرق اليابس والأخضر.

وأغلب أولئك الأزواج وأولات الزوجات ممن ابتعدن عن تعاليم الإسلام، وأصول الشريعة وفقه الواقع، فاستسلمت عقولهم وعقولهن لكل وافد غربي، وناعق في الإعلام بغير هدى، ولم يفهمن معنى تعليمهن واستكمال دراستهن، وكأن دراستهن هي معركة وتحدي بين المرأة والرجل. فرفضن قوامة الرجل، وكأن القوامة عبودية، ولو تأملن في حياتهن بفطرة سليمة لوجدن أن القوامة شرف وتاج على رؤوسهن، بل إنهن ملكات على عروش أزواجهن.

إن الزوجة الناجحة في زواجها هي التي تجعل من زوجها سيدا لها، فتعطيه مكانته وتقدره وتجله، وتجعل له مكانة كبرى في حياتها متجاوبة مع تطلعاته وأفكاره ورغباته.

فالزوجة تعلم أن حق الزوج في طاعته المطلقة ما لم يأمرها في معصية، وطاعتها له ليس فيه انتقاص لكرامتها وحريتها وإنسانيتها.

ولا يعني هذا أن يميل الميزان، فالرجل ذو القوامة مطالب أن يؤدي للزوجة ما عليه من واجبات تجاهها، وما عليه من حقوق لها، فيحبها مع التصريح لها بحبه، وهيامه بها ويحترمها ويسمع لها وينصت لحديثها ويأخذ برأيها إذا كان فيه الصواب ويراعي مشاعرها.

إن المرأة بلينها وعطفها وطواعيتها أشبه بالقوس في يد الرامي إذا شدها على الحبل استجابت وانحنت بدون أن تنكسر، وكلما زاد الانحناء كلما زادت عطفا ومحبة لزوجها.

والرجل بطبيعته المنطلقة في الحياة وجديته كالسهم المستقيم ينطلق قوياً في الحياة الواسعة بعزم ليحقق الهدف.
وهكذا يكمل الزوجة والزوج بعضهما البعض، بعيدا عن التضاد والتكبر وصدق الله العظيم {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ} [التوبة:71].

أي يتناصرون ويتعاضدون كما يقول أهل التفسير، والمسلم والمسلمة من طبيعتهما التكافل والتناصر والتضامن والوحدة. ومن طبيعتهما الانتماء والاندماج والارتباط بهويتهما الإيمانية، فما بالك إذا كانا متزوجين، فالولاية بينهما تكون أشد.

 

وائل بن إبراهيم بركات