قاعدة (لازِم المذهب) بين السقاف وابن تيمية

منذ 2014-07-20

القاعدة موضوع المقال انتصار كبير لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله على من رموه ويرمونه -إلى الآن- باستسهال تكفير المخالف والتجني عليه باتهامه بالبدعة والانحراف، حيث يذهب شيخ الإسلام في "قاعدة لازم المذهب"، مذهب العلماء المحققين، ولذا أولاها الاهتمام اللازم، وزاد فيه، فبسط القول في هذه القاعدة في أكثر من مصنف من مصنفاته؛ وما كان هذا إلا لخوفه من رمي المخالف بما ليس فيه، واتهامه بالباطل، وتحريف رأيه وقوله -وهذا ما سيظهر لنا من خلال النقل لكلام ابن تيمية ولكلام من يخالفه ويُشنّع عليه-.

القاعدة موضوع المقال انتصار كبير لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله على من رموه ويرمونه -إلى الآن- باستسهال تكفير المخالف والتجني عليه باتهامه بالبدعة والانحراف، حيث يذهب شيخ الإسلام في "قاعدة لازم المذهب"، مذهب العلماء المحققين، ولذا أولاها الاهتمام اللازم، وزاد فيه، فبسط القول في هذه القاعدة في أكثر من مصنف من مصنفاته؛ وما كان هذا إلا لخوفه من رمي المخالف بما ليس فيه، واتهامه بالباطل، وتحريف رأيه وقوله -وهذا ما سيظهر لنا من خلال النقل لكلام ابن تيمية ولكلام من يخالفه ويُشنّع عليه-.

ورغم ذلك شنَّع عليه -وعلى غيره من علماء أهل السنة- المشنعون سيما المبتدعة وأتباعهم، وعلى رأس هؤلاء الشيعة، ومن نهج نهجهم في التقول على علماء أهل السنة، وفهم كلامهم بغير مقصوده، ومن هؤلاء على سبيل المثال لا الحصر حسن السقاف، الذي أوقف حياته للتهجُّم على السنة وعلمائها، والطعن في كل مخالف له في رأيه، ورميه بالتكفير.

فمع اعتراف السقاف باعتبار أهل السنة لقاعدة "لازم المذهب ليس بمذهب" وعملهم بها، نراه يُشنِّع على علماء أهل السنة -الوهابية عنده-[1]، ويتهمهم بتكفير المخالف، والقوم براء من كل هذا، بل هذا هو مذهب السقاف وأمثاله، ولذلك نراه يتوسع في تحميل كلام المخالف ما ليس فيه.

يقول السقاف ضابطًا لقاعدة لازم المذهب ليس بمذهب -وهو فهم شيعي خالص-: "المقصود بقول العلماء (لازم المذهب)؛ أي ما يقتضيه مذهب فلان من الناس، فإذا قال عالِم قولًا، وذهب إلى رأي من الآراء، وكان مقتضى كلامه ورأيه -هذا الذي ذهب إليه- أمرًا آخرًا أيضًا، فهل نُلزِمه بأن مقتضى كلامه مذهبًا له؟ وهل نحاسبه عليه أم لا؟

الصحيح في هذا أن لازم المذهب إن كان قريبًا فهو مذهب، وإن كان بعيدًا فليس مذهبًا" (صحيح شرح العقيدة الطحاوية؛ لحسن السقاف، [371]، دار الإمام الرواس، بيروت، ط4، 1428هـ).

والتوسع عند السقاف يظهر في قوله: "إن كان قريبًا فهو مذهب، وإن كان بعيدًا فليس بمذهب"، وذلك لإرجاعه الأمر إلى ذائقته ووجهة نظره، وبذلك تنهدم قاعدة (لازم المذهب ليس بمذهب)، وهو مراده ليسوغ له إلصاق ما يريده بمخالفيه، وهو ما فعله ويفعله الشيعة عامة، فيعود من جديد ويلزم الخصم بما لا يلزمه من أمور ظن السقاف، ومن ينتهج نهجه أن الخصم يقول بها لقرب هذا الفهم من فهم السقاف.

ومن تشنيعات السقاف على ابن تيمية وأهل السنة عامة، قوله في شرحه للطحاوية: "ومن الغريب العجيب أن المجسمة والمشبهة الذين يقولون بالحد والجهة[2]، ونحو هذه الأمور في حق المولى سبحانه وتعالى، ويحاولون التملص من التشبيه والتجسيم الذي لبسهم لبوسًا لا انفكاك لهم منه! والذين يذيعون عند مناقشة مثل هذه المواضيع أن لازم المذهب غير مذهب! يُصرِّحون في مواضع أخرى بأن لازم المذهب يعتبر مذهبًا[3] كما بينت بعض ذلك في كتابي (التناقضات)، ومع هذا فإن ابن تيمية ألزم الروافض! في منهاج سنته بلوازم عديدة!" (صحيح شرح العقيدة الطحاوية، لحسن السقاف: [373]).

ثم يقول السقاف في موضع آخر: "إن المشبهة والمجسمة يقولون ليتهربوا من وصفهم بالتشبيه والتجسيم: (إن لازم المذهب ليس مذهبًا)! ثم نراهم لا يُطبِّقون هذه القاعدة التي يتبنونها في منهجهم وآرائهم، فنراهم يرمون خصومهم أهل الحق المنزهين لله تعالى من الأشاعرة وغيرهم بأنهم جهمية! ومُعطِّلة! وملاحدة! مع أن خصومهم يتبرؤون من تلك الأوصاف! التي لا أقول إنها إلزامات بعيدة بل هي باطل من القول! وإفك زخرفه لهم فهمهم السقيم وإدراكهم العليل!" (صحيح شرح العقيدة الطحاوية، لحسن السقاف: [373]).

فهذا مجمل رأي السقاف في قاعدة (لازم المذهب)، ومجمل موقفه من أهل السنة -الذي لا يتواني فيه، ولا يكف عن رميهم بالتشبيه والتجسيم والفهم السقيم والإدراك العليل-، ولكي يتضح لك أيها القارئ الكريم، مدى تزييف السقاف، وتقوله بغير الحق، سنعرض بشيء من الإيجاز لما قاله ابن تيمية بحق قاعدة "لازم المذهب"، مع الإشارة إلى آراء عدد من العلماء ممن يذهبون هذا المذهب.

يقول شيخ الإسلام في فتاويه:

"الصواب أن مذهب الإنسان ليس بمذهب له إذا لم يلتزمه؛ فإنه إذا كان قد أنكره ونفاه كانت إضافته إليه كذبًا عليه، بل ذلك يدل على فساد قوله وتناقضه في المقال غير التزامه اللوازم التي يظهر أنها من قبل الكفر والمحال، مما هو أكثر، فالذين قالوا بأقوال يلزمها أقوال يعلم أنه لا يلتزمها لكن لم يعلم أنها تلزمه، ولو كان لازم المذهب مذهبًا للزم تكفير كل من قال عن الاستواء أو غيره من الصفات أنه مجاز؛ ليس بحقيقة..

فإن لازم هذا القول يقتضى أن لا يكون شيء من أسمائه أو صفاته حقيقة، وكل من لم يثبت بين الاسمين قدرًا مشتركًا لزم أن لا يكون شيء من الإيمان بالله ومعرفته والإقرار به إيمانًا، فإنه ما من شيء يُثبِّته القلب إلا ويقال فيه نظير ما يقال في الآخر، ولازم قول هؤلاء يستلزم قول غُلاة الملاحدة المعطلين الذين هم أكفر من اليهود والنصارى" (الفتاوى لابن تيمية: [20/217]، تحقيق: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم العاصمي النجدي - مكتبة ابن تيمية - ط2).

ثم يقول ابن تيمية:

"لكن نعلم أن كثيرًا ممن ينفي ذلك لا يعلم لوازم قوله بل كثير منهم يتوهم أن الحقيقة ليست إلا محض حقائق المخلوقين، وهؤلاء جهال بمُسمَّى الحقيقة والمجاز، وقولهم افتراء على اللغة والشرع" (الفتاوى لابن تيمية: [20/217]، تحقيق: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم العاصمي النجدي - مكتبة ابن تيمية، ط2).

ويقول في فتاويه في موضع سابق: "ولازم المذهب لا يجب أن يكون مذهبًا، بل أكثر الناس يقولون أقوالًا ولا يلتزمون لوازمها، فلا يلزم إذا قال القائل ما يستلزم التعطيل أن يكون معتقد للتعطيل، بل يكون معتقدًا للإثبات، ولكن لا يعرف ذلك اللزوم" (الفتاوى لابن تيمية: [16/461]، تحقيق: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم العاصمي النجدي - مكتبة ابن تيمية، ط2).

فأين التجني على الخصوم؟!

وأين التجني على الأشاعرة الذي يدعيه السقاف في كلام شيخ الإسلام؟!

أليس من لوازم القول بالاستواء الكفر -بحسب فهم السقاف لفكر ابن تيمية- فلماذا إذًا لم يكفر ابن تيمية الأشاعرة؟!

ويُفصِّلُ ابن تيمية مسألة لازم المذهب في موضع آخر، مقسمًا إِيَّاها إلى قسمين، أحدهما:

إذا كان لازم المذهب حق، وهنا يجوز لنا أن نلزم به القائل؛ لأنه حق، وذلك "إذا علم من حاله أنه لا يمتنع من التزامه بعد ظهوره، وكثير مما يضيفه الناس إلى مذهب الأئمة من هذا الباب" (الفتاوى لابن تيمية: [29/42]).

أما الثاني: فإذا كان لازم المذهب ليس بحق، فهنا لا يجوز لنا أن نلزم به القائل "إذ أكثر ما فيه أنه قد تناقض، وقد ثبت أن التناقض واقع من كل عالم، غير النبيين، ثم إن عرف من حاله أنه يلتزمه بعد ظهوره له فقد يضاف إليه، وإلا فلا يجوز أن يضاف إليه قول لو ظهر له فساده لم يلتزمه؛ لكونه قد قال ما يلزمه، وهو لا يشعر بفساد ذلك القول" (الفتاوى لابن تيمية: [29/42]).

ثم يُلخِّص ابن تيمية موقفه بعبارةٍ محكمة غاية الإحكام يقول:

"وهذا التفصيل في اختلاف الناس في لازم المذهب؛ هل هو مذهب، أو ليس بمذهب؟ هو أجود من إطلاق أحدهما، فما كان من اللوازم يرضاه القائل بعد وضوحه له فهو قوله، وما لا يرضاه فليس قوله، وإن كان متناقضًا، وهو الفرق بين اللازم الذي يجب التزامه مع ملزوم اللازم الذي يجب ترك الملزوم للزومه" (الفتاوى لابن تيمية: [29/42]).

فمن إنصاف ابن تيمية تعليقه الإلزام برضا القائل؛ أما السقاف فجعل الإلزام مرتبطًا بذائقته وهواه، وبهذا يظهر فساد مذهب السقاف، ومدى تجنيه على شيخ الإسلام، وعلى أهل السنة عامة؛ لأن ما قاله شيخ الإسلام، حق لا مرية فيه، وقد قال به غيره من العلماء، دون تعليقهم مسألة الإلزام بالقرب والبُعد كما ذهب السقاف، بل ربطوا الأمر بما ربطه به ابن تيمية من حيث رضا القائل بهذا الإلزام أو رفضه وإنكاره.

قال العز بن عبد السلام رحمه الله: "لا يجوز أن يُنسب إلى مذهبٍ من يُصرِّح بخلافه، وإن كان لازمًا من قوله" (قواعد الأحكام في مصالح الأنام، للعز بن عبد السلام، دار الكتب العلمية، بيروت: [1/172]).

ويقول القرافي رحمه الله في الفروق: إن "شيوخنا البجائيين والمغربيين كانوا يقولون إن لازم المذهب ليس بمذهب، ويروى أنه رأي المحققين أيضًا، فلذلك إذا قرر على الخصم أنكره غاية الإنكار" (الفروق مع هوامشه؛ للقرافي: [3/408]، تحقيق: خليل المنصور، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1418هـ، 1998م).

وقال ابن حزم رحمه الله: "وأما من كفَّر الناس بما تؤول إليه أقوالهم فخطأ؛ لأنه كذب على الخصم، وتقويل له ما لم يقل به، وإن لزمه فلم يحصل على غير التناقض فقط، والتناقض ليس كفرًا" (الفصل في المِلل؛ لابن حزم: [3/139]، مكتبة الخانجي، القاهرة، د. ت).

وتطبيقات العلماء المحققين -ومنهم ابن تيمية- في هذا الأمر كثيرة، واعتذاراتهم لأخطاء العلماء وتناقضاتهم كثيرة أيضًا، وليس في كلامهم حديث عما يذهب إليه الشيعة، ومن يشايعهم من أمثال السقاف، الذي حشا كتبه بالتقول والافتراء على خصومه من أهل السنة، ومناصريهم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الهوامش:

[1]- (درج المبتدعة من مخالفي أهل السنة والجماعة على تسمية مخالفيهم بغير أسمائهم، فنراهم إن أرادوا التهجم على علماء أهل السنة، سَمَّوهم بالحشوية، أو النواصب، أو المشبِّهة، أو المجسِّمة، وفي العصر الحديث درج هؤلاء المبتدعة على تسمية مخالفيهم بالوهابية -نسبة للشيخ محمد بن عبد الوهاب-، أو السلفية، أو غير ذلك من الأسماء، بغية تخفيف حدة الانتقاد الموجه إليهم).

[2]- (هذا الكلام محض كذب، وهو من جنايات تطبيقات السقاف لقاعدة لازم المذهب، وفهمه السقيم لها).

[3]- (وتلك فرية أخرى، سيجاب عنها خلال بقية المقال).

 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

رمضان الغنام

كاتب إسلامي مصري التحصيل العلمي: "باحث بالدكتوراه"، تخصص الدراسات الإسلامية، جامعة طنطا.