صبرًا يا قدس؛ فالله يَميز الخبيث من الطيب

منذ 2014-07-23

منذ ما يقارب القرن والمسلمون كلما وجّهوا وجههم شطر المسجد الأقصى، بكى عصي الدمع منهم دمًا، وتعالت شهقات الكتوم ألمًا وقهرًا، فقضية القدس صارت متجرًا وبرنامجًا خطابيًا رائجًا، تغنَّت بها الجماعات وتقدَّمت باسمها أحزاب وزُمر، سرقت باسمها شعوب، أشغلت بها عقول، وأزهقت تحت دثارها نفوس، فلا القدس عادت ولا الصبح لاح، والوضع يزيد تأزُّمًا وما فتئ جسد العالم الإسلامي ينكأ بجراح وطعنات، فيُبكي الثُّكل تِباعًا، ينعي فقدان بلد تلو الآخر، ويقبر كل حين الآلاف المؤلفة من البسطاء والمساكين، ضاعت القدس ثم الأحواز، فالجولان، أفغانستان، العراق، السودان، لبنان، سوريا..!

منذ ما يقارب القرن والمسلمون كلما وجّهوا وجههم شطر المسجد الأقصى، بكى عصي الدمع منهم دمًا، وتعالت شهقات الكتوم ألمًا وقهرًا، فقضية القدس صارت متجرًا وبرنامجًا خطابيًا رائجًا، تغنَّت بها الجماعات وتقدَّمت باسمها أحزاب وزُمر، سرقت باسمها شعوب، أشغلت بها عقول، وأزهقت تحت دثارها نفوس، فلا القدس عادت ولا الصبح لاح، والوضع يزيد تأزُّمًا وما فتئ جسد العالم الإسلامي ينكأ بجراحٍ وطعنات، فيُبكي الثُّكل تِباعًا، ينعي فقدان بلد تلو الآخر، ويقبر كل حين الآلاف المؤلفة من البسطاء والمساكين، ضاعت القدس ثم الأحواز، فالجولان، أفغانستان، العراق، السودان، لبنان، سوريا..!

وطوال ردح من الزمن، ظل المسلمون يتساءلون متى نصر الله؟ ومتى تُعيد جيوش البلدان الإسلامية القدس؟ وظل الرد الجاهز للتقديم، أمام موائد المتعطشين من المسلمين الغاضبين: "النصر قادم.. سندخل في مفاوضات، وسندعم إنتاج أغاني وأناشيد، سنُخرِج أفلامًا و(نُجرجِركم) عبر حلقات المسلسلات البوليسية الخيالية الزاخرة بالحركة والعِدّة، سنُشعِل الشموع ونُحمِّل الإعلام و(نزيدو بيكم القدام)، سنَجرح المحتل ونحن نقول له بأعلى صوتنا غير خائفين ولا متردِّدين: (نكرهك.. نكرهك)"، حتمًا ذلك سيجعل الصهاينة يبكون وينوحون ويترجون وِدنا وحُبنا، وسيوقف كلامنا جرائمهم، فجرح اللسان اشد من جرح السنان، وألسنتنا يشهد التاريخ والفيزيولوجيا على حدتها وعظم أثرها...!

سنُرهبهم باستعراضاتنا العسكرية "الباركنسونية" وبأسلحتنا الصدئة المهترئة..!

سنرمي بني صهيون بالورود إن رمينا نحن بالقنابل العنقودية والفسفورية، فنحن أكثر تحضرًا وتمدُّنا..!

سيندمون على مواجهتنا ومنازلتنا وبخاصة إذا نحن لبسنا لباسهم وتكلَّمنا بكلامهم، حتمًا سيقضمون أظافرهم غيظًا ونحن نتفوق عليهم زندقة وإلحادًا..!

سندفن هويتنا وننسلخ من جلدتنا تقرُّبًا من الحضارات البائدة، سنحلق لِحانا ونُخفي قرآننا بحجاب بناتنا مُعلنين للقريب والبعيد عن حُسن نيتنا بإبداء سوءات نساءنا..!

سنبيع العشق والهيام، وسنُتاجِر في الحلال والحرام سيان، سنُعطي الغاز والبترول تضييقًا على المحتل الغاشم..!

سنقتل الكرامة والعِزَّة، لنربي النشء على الانتماء.. وبذلك نُعيد القدس المحتل، ولن نرضى أبدًا بالذل.."!

تلك هي خطابات التهدئة الموجهة للمسلمين، المنادين بالعمل من أجل إرجاع المسجد الأقصى إلى بوتقة الإسلام، مسكنات إلى حين، ومُنوِّمات من كثرة تناولها صارت الشعوب العربية والإسلامية تُعاني من هلوساتٍ ونوبات صرع، وأصبح الفرد يعيش في أحداث بعيدة عن الواقع، يبحث عن القتال والنصر، عن النزال والظفر، ويرى كل من ردَّد ولو تدليسًا "الموت لأمريكا.. الموت لإسرائيل" بأنه البطل المغوار وصلاح الدين العصر الحديث، ينظر باحترام لمن يرفع عقيرته مُهدِّدًا بني صهيون، ولو كان من بني قينقاع بيولوجيا وسوسيولوجيا، لا يبالي بالانتماء ولا العقيدة، كَفر بالحوار والمفاوضات وأصبح يعتز بمن يُعلِن الحرب ولو هزلًا وضحكًا على الذقون، يُكِن الود والولاء لمن رفع بوجه المحتل سِلاحًا، ولو كان السلاح لعبة من ألعاب عاشوراء، من صنع صيني رديء..!

غير أن المسلم ومن كثرة صدمات الواقع ونطحاته، ومما أسفرت عنه الأيام بعد انقشاع الغبار وانجلاء السراب، صار يعلم يقينًا، بان استعادة القدس لن تأتي عن طريق الجيوش العربية الحالية، فكيف سترجع الجيوش العربية القدس؟ وهي المستأسدة على شعوبها المقهورة فقرًا وضنكًا، وفي ميدان الوغى لا ترى إلا نعامات تنشد الاختباء وفئران تجارب تروم النجاة..

كيف سيُعيد القدس جيش يرفع يداه استسلامًا قبل وصول العدو؟ ويضرب بعد الهزيمة طوقًا أمنيًا حول المنتصر، فيرد جحافل المقاومة ويُعدِم كل من هدَّد سلامة المحتل؟

وكيف سينتصر من يرى الجهاد بقتل شعبه ممانعة ومقاومة، بكل الأسلحة التي ظلت كامنة لتُجرّب أول ما تُجرَّب في شعب بسيط يسعى للكرامة، يرمى بالفسفوري والعنقودي والكيماوي، فيقتل المواطن الكادح وراء لقمة العيش المغمسة في ماء الحياء ودماء الحياة..

فعجبي لمقاومة وممانعة تقومان على ذبح الأطفال والنساء والشيوخ ذوي الشيبة، الدفن حيًا لكل من يشهد بأن لا إله إلا الله ويكفر بغيره، ضرب وتعذيب المستضعفين من الرجال والولدان الذين لا يستطيعون ضربًا في الأرض، إصدار قانون يحمي المتظاهرين السلميين بإطلاق الرصاص الحي على الرأس والعين تحذيرًا وتنبيهًا، والأغرب هو التنادي بأحقية المسلمين بالقدس، وممارسة الصفة الإسلامية عبر قصف المساجد العامرة، نتف لحى الأئمة والخطباء، دخول جحافل الجيش إلى المساجد بأحذيتها الغارقة في الدماء، وسجائرها تلاك في الأفواه استهزاءً واستخفافًا، فيُحرِّف الأذان ويسخر من الآيات، يسبّ الخلفاء الراشدون، الصحابة الأطهار وأمهات المؤمنين..

كيف سيُعيد القدس من يتغنّى بالقضية نهارًا، ويقتل بلا رحمة، الفلسطينيين النازحين ليلًا؟

كيف يستقيم جهاد من يرمي العدو بصاروخ منتهي الصلاحية، يُسفِر عن جرح عدد لا يزيد على أصابع اليد الواحدة، ليرد عليه بقنابل وهجمات تسقط الآلاف من الضحايا والملايير من الخسائر، ثم يُصفِّق الكل ويزغرد جذلًا حينما يخرج العدو تارِكًا بحرًا من الدماء، وجبال من الأشلاء؟

بل كيف يفرح العالم الإسلامي بحصول فلسطين على صفة مراقب.. مجرد مراقب قاصر "ما يحني ولا يدني" فتسير المواكب بالشموع وتصطف مواقع المجازر بالورود، أين عِزَّة القوم وأنفتهم؟ وهم أحفاد من قالها لمن عدى وتجبر: "الجواب ما ترى لا ما تسمع"، وهم من نسل الذي أراده ملك مُتجبِّر أن يدخل راكعًا، فعمد إلى تقصير طول المدخل، غير أنه رحمه الله أبىَ إلا أن يبقى عزيزًا فدخل موليًا ظهره للباب وراجِعًا القهقري.. إن الأمم لا تعترف إلا بالأقوياء.. أقوياء في الدين وبالدين، متشبثين بالأصل والهوية، فلم يسلم من أسلم ممن اهتدى لدين الله بسبب ما رأى من انسلاخ وتزلف، بل لِما لمسه من تمسك بالعقيدة، تصريح بالانتماء وقوة في العقل والنقل..!

ذلك وان ما يشهده العالم الإسلامي والعربي اليوم، من مِحن وهرج، ليُنبئ بقرب انكشاف الأقنعة، وكشف الأوراق المخفية، ليَميز الله الخبيث من الطيب، وليستبين الصادق من الكاذب، بعد طول خداع وتعمية، ولتُسفِر عن الحقائق عوامل التعرية..

تعرية من تسربل بدثار الإسلام طويلًا ليُكرِّر سيناريوهات ابن العلقمي ونصير الدين الطوسي خيانةً ومكرًا، وفضح من تغنَّى بقضية أهل القدس مُُعمِلًا القتل فيهم وتهجيرهم تنكيلًا وتعذيبًا..

فصبرًا يا قدس.. عسى أن يخرج الله من بين المِحن: المنح، وإنهم يمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين..
 

أيا قدس.. دمعاتكِ تنهمر علينا جمر *** إن مات عمر فكل المسلمين عمر
لئن أسكتت أفواه جمع فهناك زُمر *** تُردِّد بلا توقف عمر.. عمر.. عمر!

فامسحي الدمع وابتسمي أيا.. قمر *** لا تبكي نقصان الأنفس، العِدّة والتمر
لا تأسي على خذلان الجرذان والحمر *** إلى ربك من قبل ومن بعد يرجع الأمر

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام