غزة تحت النار - (39) معركة غزة حرب الاستقلال
يشهد العالم كله على جرائم العدو النَّكراء دون أن تكون له كلمة واضحة وصريحة باستنكار ما يقوم به جيش العدو الإسرائيلي، ضد السكان المدنيين العُزَّل، الذين يستهدفهم في بيوتهم والشوارع، وفي المساجد والمدارس، فيقتلهم شرّ قتلة، ويُمزِّق أجسادهم، ويُبعثِر أشلاءهم، ويُدمِّر بيوتهم، بينما يتفرَّج قادة العالم الحُرّ على الصور! ويتابعون الأحداث، ويُعقِّبون عليها بأن على الفلسطينيين أن يوقفوا قصف المدن الإسرائيلية بالصواريخ، وأن يكفوا عن ترويع سكانها وأطفالها، وإلا فإن من حق الكيان الإسرائيلي أن يدافع عن نفسه، ويصد الهجوم عن بلداته، ويُدمِّر مِنصَّات الصواريخ التي تُهدِّده، ويستهدف العناصر الخطرة التي تُطلِق الصواريخ أو تصنعها..!
إنها حرب الاستقلال، ومعركة التحرير، الاستقلال الكلي، والتحرير التام، والتخلُّص الحقيقي من كل بقايا الاحتلال وأتباعه، ورموزه وأشكاله، فلا سيادة إسرائيلية على أي شأنٍ فلسطيني، ولا سلطة له على الأرض ولا في السماء، ولا في البحر ولا بين البشر، ولا تدخُّل من طرفه في شؤوننا السياسية، وأحوالنا المعيشية، وعلاقاتنا البينية، ومعابرنا الحدودية، ولا وجود مسلح له في مناطقنا، ولا معسكراتٍ لجيشه في أرضنا، ولا شوارع يقتطعها من أرضنا، ولا طرق أمنية والتفافية على حساب شعبنا وممتلكاته.
ينبغي بعد كل هذه التضحيات العظيمة التي قدَّمها الفلسطينيون في قطاع غزة، والتي شارفت خلال أيامٍ معدوداتٍ على الألف شهيد، والستة آلاف جريحٍ ومصابٍ، ومئات البيوت المهدمة، وعشرات المساجد المُدمَّرة، والخراب الشديد الذي طال كل أرجاء القطاع، ولم يستثنِ مؤسسة ولا هيئة، ولا محلًا ولا دكانًا، ولا سوقًا ولا مدرسة، ولا حديقةً ولا فناء، في حربٍ دمويةٍ وحشيةٍ، يشهد العالم كله على ضراوتها، ويُقِرّ بعنف العدو المُفرَط في تسعيرها، وإضرام نارها، وتوسيع دائرتها.
يشهد العالم كله على جرائم العدو النَّكراء دون أن تكون له كلمة واضحة وصريحة باستنكار ما يقوم به جيش العدو الإسرائيلي، ضد السكان المدنيين العُزَّل، الذين يستهدفهم في بيوتهم والشوارع، وفي المساجد والمدارس، فيقتلهم شرّ قتلة، ويُمزِّق أجسادهم، ويُبعثِر أشلاءهم، ويُدمِّر بيوتهم، بينما يتفرَّج قادة العالم الحُرّ على الصور! ويتابعون الأحداث، ويُعقِّبون عليها بأن على الفلسطينيين أن يوقفوا قصف المدن الإسرائيلية بالصواريخ، وأن يكفوا عن ترويع سكانها وأطفالها، وإلا فإن من حق الكيان الإسرائيلي أن يدافع عن نفسه، ويصد الهجوم عن بلداته، ويُدمِّر مِنصَّات الصواريخ التي تُهدِّده، ويستهدف العناصر الخطرة التي تُطلِق الصواريخ أو تصنعها..!
إنها فرصة الفلسطينيين اليوم، فلا يتأخروا عنها، ولا يمتنعوا عن خوضها، ولا يدَّخروا جُهدًا من أجلها، ولا يُقصِّروا في استمرارها، ولا يسمحوا لأحدٍ أن يُجهِضها أو يُفشِلها، إذ لا يجود الزمان دومًا علينا بظروفٍ مناسبة، وشروطٍ مواتية، ومزاجٍ شعبي متفق، وإرادة موحَّدة.
فما يقوم به الفلسطينيون اليوم إنما هو ثورةٌ حقيقية، ومعركةٌ شاملة، وانتفاضةٌ عظيمة، قدَّمنا فيها الكثير، وضحينا بالعزيز الغالي، فما مِنَّا إلا وأصابته الأحداث بشظيةٍ، أو ترك عليه القصف أثرًا، وكلنا مكلومٌ وجريح، ومصابٌ وحزين، ولكننا قد اخترنا الطريق، ومشينا على الدرب، وقطعنا شوطًا كبيرًا، فلا نتراجع ولا ننكفئ، ولا نستجيب لدعوات الهزيمة والانكسار، ولا للداعين إلى الهدوء والدعة، والسكينة والهدنة، بحجة أن الشعب تعب، وأن الضحايا كُثر، وأن العدو ماضٍ في سياسته، ومُصِرٌ في عدوانه، وأنه لن يتراجع عن غيِّه، بل سيُوسِّع دائرة العدوان، وسيزيد من قطاع عملياته العسكرية، فإذا كان العدو وهو الغاصب المحتل، القاتل الظالم، مصرٌ على خطيئته، ومتمسكٌ بجريمته، فهل يضعف أصحاب الحق ويتنازلون، وهل يشعرون بالتعب ويتراجعون.
لا أُنكِر أن المُصاب جلل، وأن الخسائر عظيمة، وأن الجرح غائر، وأن الكل صامت، وأن من الأنظمة العربية من يتآمر، ولكننا أصبحنا نقترب من أهدافنا، فليس بعد القتل قتلٌ آخر، وليس بعد الدمار دمارٌ آخر، إنما بعده نصرٌ وحرية، وتحقيق أهداف، وتسجيل انتصارات.
كلنا موجوع ومتألِّم، وكلنا حزينٌ وبائس، نترقب ونتوجس، ونُتابع ونقلق، ونحسب الدقائق والساعات، وننتظر متى يتوقف القصف، ويغيب شبح الموت، ويرحل غُراب الخراب، ولكن التراجع الآن مصيبةٌ كبيرة، وخسارة عظيمة، وإذا كان النصر صبر ساعة، فإن تحقيق أهدافنا يلزمه صبر ساعةٍ أخرى، إذ أن عدونا يتألَّم ويتوجَّع، ويشكو ويئِن، ويخسِر ويفقِد، ويتضرَّر ويخسر، وقد فقد حياته الطبيعية، ولم يعد يستطيع ممارسة ما اعتاد عليه بسهولة، إذ مهما كانت صواريخ المقاومة ضعيفة أو لا تقتُل، فإنها تُخيف وتُرعب، وتُسبب أضرارًا وتُلحِق في صفوف العدو على كل مستوياته خسائر حقيقية ملموسة ومؤذية.
حتى تكون هذه المعركة حرب استقلالٍ حقيقية، تؤدي الغرض، وتحقق النتائج، وتصل إلى المراد والمطلوب، ولا تنتكس ولا تخسر، ولا تعود إلى نقطة الصفر التي منها بدأنا، ولا نرجع بعدها إلى الواقع البئيس الذي كان يحاصرنا، فلا ينوبنا من غزوتنا سوى الخسارة والضحايا.
لذا ينبغي إلى جانب استمرار المعركة، التي تمضي بصبر الشعب وتحمله، وتقوى بتشجيعه وتحريضه، وتتواصل بتصميمه وإرادته، أن تقف معنا أمتنا العربية والإسلامية، وأن تناصرنا وتؤيدنا، وأن تساندنا في مطالبنا وشروطنا، فإننا وإن كُنَّا صامدين في الميدان، وأشداء في القتال، وصُبُرٌ في الحرب، وثابتين عند اللقاء؛ فإننا في حاجةٍ إلى محركاتٍ سياسية، وأدواتٍ فاعلة، تُحسِن الاستفادة من الصمود والصبر، وتُوظِّف الفوز والظفر، لتُحيله إلى نصرٍ سياسي، إذ لا قيمة لغلبةٍ عسكرية، دون أن يكون لها على الأرض وبين الناس ترجمانٌ سياسي، يُقطَف ويُوظَّف، وشعبنا يتوق من مقاومته، ويتطلَّع من انتفاضته، إلى حريةٍ واستقلال، وكرامةٍ وعِزَّة، ولن يرضَ عن أهدافه بديلًا، ولن يُقدِّم للعدو دونها تنازلًا وتفريطًا.
مصطفى يوسف اللداوي
كاتب و باحث فلسطيني
- التصنيف: