ضوابط تربوية في أعمال الدعوة العامة

منذ 2014-08-11

إن من مقاصد الدعوة إلى الله: إشاعة الخير بين الناس، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وحث الناس على الفضائل والطيبات وتحذيرهم من الرذائل والمنكرات..

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن والاه وبعد:
إن من مقاصد الدعوة إلى الله: إشاعة الخير بين الناس، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وحث الناس على الفضائل والطيبات وتحذيرهم من الرذائل والمنكرات، ونحن على طريق الدعوة نمارس نوعين من أعمال الدعوة أحدهما يتعلق بالبناء والتكوين والآخر يتعلق بالدعاية والتعريف، والجهود المبذولة في الخطين -التكوين، التعريف- ليست منفصلة بل يكمل كل منها الآخر.

والتبشير بالدعوة وحركة الدعاة بها في المجتمع من الجوانب الهامة في سير الدعوة، بل وتحريك المجتمع (أفرادا ومؤسسات) معنا في نشر الخير أمسى من المبادئ والتوجهات الأساسية في العمل الدعوي العام، وشاع بيننا شعار (العمل مع المجتمع) ليحل محل (العمل في المجتمع)؛ ليؤكد هذا التوجه الذي يعتبر المجتمع كيان مشارك وفاعل في نشر الخير والتحرك به، وهو ما تؤكده أحد سياسات الدعوة في الآونة الأخيرة وهي: "أننا كأصحاب دعوة نقود الأمة في الإصلاح والتغيير ولا ننوب عنها".

إرشاد المجتمع.
يتعرض الإمام البنا لهذا المفهوم وهو يستعرض مراتب العمل المطلوبة من الأخ الصادق فيذكر -بعد أن ذكر مرتبي إصلاح النفس وتكوين البيت-: "..وإرشاد المجتمع بنشر دعوة الخير فيه، ومحاربة الرذائل والمنكرات، وتشجيع الفضائل، والأمر بالمعروف، والمبادرة إلى فعل الخير، وكسب الرأي العام إلى جانب الفكرة الإسلامية، وصبغ مظاهر الحياة العامة بها دائماً..." (رسالة التعاليم).

ومما لا شك فيه أن الدعوة في مرحلة الانفتاح على المجتمع تنطلق من كونها دعوة تربوية عملية، يتحرك أفرادها بالخير في المجتمع بالأخلاق التي تربوا عليها والقيم التي غرستها فيهم دعوتهم وفق منهج الإسلام، فلا ينفصل زاد الأخ عن حركته، ولا تنفصل تربيته عن دعوته وعطاءه، وبالتالي بقدر قوة الدعوة في تربية وتكوين أفرادها، يكون فعلها وأثرها في المجتمع الذي تتحرك فيه.

ومن القضايا الهامة وقت الانفتاح على المجتمع قضية: (الدعاية والإعلان عن أعمال الدعوة العامة والتوظيف التربوي لبرامجنا العامة)، ونقصد بذلك الأعمال ذات الطابع العام التي تقوم بها الدعوة في مجال الإصلاح وفي خدمة المجتمع والنهوض به: كـ(خدمة المجتمع رعاية الأيتام، إغاثة الملهوف، علاج المرضى، مساعدة المساكين معاونة المتضررين من الكوارث، قوافل التوعية الدعوية، ونصرة المسلمين المستضعفين في الأرض ومساعدتهم، التوعية السياسية والمطالبة بالحقوق، وتعليم الكبار ومحو الأمية). 
وأنشطة المناسبات الإسلامية المختلفة: كـ(الأضاحي، وزكاة الفطر، ودخول المدارس... وغيرها)، الأنشطة الانتخابية: (سواء النقابية أو الطلابية أو البرلمانية... وغيرها).

ونحن في هذا المقام لسنا بصدد الحديث عن فوائد العمل العام مع المجتمع ودوافعه فهي كثيرة، ولكن كما أن للعمل مع المجتمع منافع وفوائد كثيرة، فإن له في ذات الوقت محددات وضوابط يجب مراعاتها والوقوف عندها.

من ضوابط العمل الدعوي العام، والدعاية والإعلان له:
تتنوع الضوابط التربوية التي يجب أن نأخذ بها ونراعيها ونحن نمارس برامجنا العامة بمختلف ميادينها ومجالاتها مع المجتمع، ضوابط في كيف نعلن عن برامجنا وأنشطتنا، ونسوق لمشاريعنا وفعالياتنا الدعوية؟ وكيف نظهرها للناس؟ وكلها ضوابط تتعلق بدوافع هذه الأعمال، ومقاصد الإعلان للناس عنها، وعلاقة أنشطتنا بأعمال غيرنا ممن يعملون في الساحة بالعمل العام..

1- ضرورة استحضار النية وإخلاصها لله تبارك وتعالى، وحسن القصد في الأعمال، بأن نتوجه بها إلى الله وحده، قاصدين وجهه سبحانه، راغبين في عفوه ورضاه، ولا نبغي من وراءها إلا طلب الأجر والمثوبة من الله عز وجل.

2- أن حقيقة الحركة العامة بالدعوة بين الناس أنها عبادة لله - سبحانه وتعالى-، فنحن نتعبد الله بكل حركة أو سكنة، أيًا كان مجال هذه الحركة (اقتصادية، اجتماعية، سياسية، دعوية، تعليمية، صحية... الخ) من هذا المنطق لا بد أن نستشعر معنى التعبد والعبودية ونحن في أعمالنا الدعوية العامة مع المجتمع.

3- الحذر كل الحذر أن تشوب هذه الأعمال التي نظهرها للناس شوائب الرياء أو السمعة، فيصيبها العطب، فتفسد فيضيع الجهد ونحرم الأجر.

4- أن من يتصدر العمل العام من أفرادنا لا بد أن يكون ممن يتمتعون بالسمعة الطيبة وحسن السيرة والمسيرة، ممن يتميزون بتقواهم، ويتحلون بأخلاقهم، يؤثرون في المجتمع العام ولا يتأثرون بأمراضه وسلوكياته، وممن يحسنون تمثيل دعوتهم أمام الناس.

5- الحرص ونحن نمارس هذه الأعمال وندعو الناس لها على الأدب الكامل والخلق الفاضل، والإمام البنا في هذا الباب يذكر: "..واحرصوا على أن تكونوا صادقين لا تتجاوزن الحقيقة، وأن تكون دعايتكم في حدود الأدب الكامل والخلق الفاضل، والحرص التام على جمع القلوب وتأليف الأرواح، واستشعروا كلما ظهرت دعوتكم أن الفضل في ذلك كله لله: {..بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} [الحجرات: 17]، رسالة المؤتمر الخامس.

6- أن لا تؤدي هذه الأعمال الدعوية والاجتماعية والدعاية لها إلى خصومة حادة أو صداقة ضارة، فينتج عن كليهما تعويق السير أو تعطيل وتأخير الوصول للغاية.

7- الانتباه الشديد لأفرادنا الذين يقومون بهذه الأدوار ويتصدرون المشهد في هذه الأعمال، ورعايتهم تربوياً وإيمانياً، فهم على جهدهم وبذلهم المشكور أحوج إلى التفقد التربوي المستمر، لما في هذه الأعمال من تصدر للمجالس، واعتلاء للمنابر، والبروز أمام أضواء الكاميرات، والظهور في الصفحات والشاشات.. 

ودافع الرعاية هنا بقصد وقايتهم من فتن هذه الأعمال، والخوف من تغير النفس إذا غابت رعايتها، فتتعلق القلوب بأعراض الدنيا الزائلة، ويدفع الهوى إلى الجنوح عن الطريق والانحراف عن الجادة، والبعد عن المقصود والغاية، وهنا تكون الهلكة والعياذ بالله -حفظنا الله وإخواننا منها- فعَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ثَلاثٌ «مُهْلِكَاتٌ: شُحٌّ مُطَاعٌ، وَهَوًى مُتَّبَعٌ، وَإِعْجَابُ الْمَرْءِ بِنَفْسِهِ» (أخرجه البيهقي وحسنه الألباني).

8- التجرد التام في أعمالنا العامة والدعاية لمناشطنا الدعوية، فلا تكون برامجنا ودعايتنا رداً على دعاية اتجاه آخر، أو فيها تقليل من شأن غيرنا -هيئات أو أشخاص- أو تظهر فيها رغبتنا فقط في البروز بأننا الأحسن والأقوى والأفضل وغيرنا غير ذلك، ولكن يكون قصدنا منها دائما نشر الدعوة، وإشاعة الخير في الأمة، والخدمة والإصلاح، وبعد هذا كله نقصد من وراءها تحقيق العبودية الحقة لله تبارك وتعالى.

9- أن نلتزم الحكمة في دعوتنا ودعايتنا، والحسنى في طريقتنا وتعاملنا؛ لأننا مأمورين من الله بذلك، حيث يقول سبحانه: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ..} [النحل: 125]، وقوله عز من قائل: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنا} [البقرة: 83]. 

ومن الحكمة أن نحسن عرض دعوتنا على الناس، وأن نتقن فنون التواصل بهم، ومن الحكمة أن نكون قدوة فيما ندعوا الناس إليه، فلا ندعوهم لشيء حسن ولا يرونه فينا واقعاً حياً، ومن الحكمة أن نتقدم الناس فيما ندعوهم إليه -إذا كنت إمامي فكن أمامي- ومن الحسنى أن نشعر أننا حملة خير ورسل هداية لأمتنا وللناس أجمعين، فلا تعالي ولا غلظة، ولا شعور بالفوقية، مع الحرص على الناس: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} [التوبة: 128]. والرفق بهم واللين وسعة الصدر معهم، ورحم الله من قال: "من آثر الصدر، فلا بد أن يكون واسع الصدر"، أي من قبل أن يتصدر دعوة الناس والعمل العام بالمجتمع، فلا بد من أن يكون أوسعهم صدراً وأكثرهم تحملاً.

10- أن نقف مع أنفسنا دائماً عقب هذه البرامج والأعمال العامة لنحاسبها فنقول: ما العائد على دعوتنا من هذا العمل؟ وما الذي عاد علينا نحن كأفراد من هذا العمل؟ هل اقتربنا من ربنا بعد هذا العمل؟ هل قدمنا شيئا مفيدا لمجتمعنا وأمتنا؟ ما أثر هذه الأعمال في تكويننا وتربيتنا؟ هل أضافت لنا شيئا من مهارة أو خبرة نستفيدها في أعمالنا القادمة؟ وغيرها كثير من الأسئلة التي تبرز أهمية البحث عن: (المردود الدعوي والتربوي لأعمالنا العامة).

اللهم ارزقنا الإخلاص في القول والعمل، والسر والعلن، وكلمة الحق في الرضا والغضب، واجعلنا من عبادك الصالحين، ومن جند دعوتك العاملين المخلصين.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 

محمد حامد عليوة