الثوار الليبيون يستعيدون ثورتهم
نجح ثوار ليبيا في دحر انقلاب خليفة حفتر، ويخوضون الآن المعارك الأخيرة للقضاء على بقايا الميليشيات التي سيطرت على ليبيا في ظل وضع ميليشياوي انقلب على ثورة 17 فبراير وفرض الرعب والإرهاب على العاصمة.
نجح ثوار ليبيا في دحر انقلاب خليفة حفتر، ويخوضون الآن المعارك الأخيرة للقضاء على بقايا الميليشيات التي سيطرت على ليبيا في ظل وضع ميليشياوي انقلب على ثورة 17 فبراير وفرض الرعب والإرهاب على العاصمة.
عاد الثوار الذين خرجوا لإسقاط القذافي بأسلحتهم لاستكمال ثورتهم، وخوض معركة كانت مؤجلة ضد قوات القذافي، التي تمركزت في العاصمة بأسماء جديدة، وأفسدت العملية السياسية واختطفت الثورة ثم انقضت عليها بالتحالف مع حفتر في انقلابه الأخير.
تحرك الثوار الليبيون مؤخرًا؛ جاء لتصحيح الخطأ الذي وقع فيه الثوار وهو ترك العملية السياسية لمجموعة من السياسيين الموالين للغرب وأركان النظام السابق، فأفسدوا النظام السياسي ولم يبنوه، وأعادوا بناء جيش من كتائب القذافي وكتائب الزنتان والميليشيات، سيطروا به على العاصمة، فكادوا أن يدمروا ليبيا لولا تحرك الثوار وإنقاذ البلاد.
بدأت اللعبة السياسية لتشكيل الحكم الجديد الموالي للغرب عقب سيطرة الثوار على طرابلس منذ 3 سنوات وبعد سقوط معمر القذافي وتفكيك جيشه، وهنا ظهر الدور المحوري للسياسي الليبي محمود جبريل الذي يمثل المصالح الغربية في البلد النفطي المترامي الأطراف.
بينما كان الثوار مشغولين بمطاردة بقايا القذافي ومواصلة الحملات العسكرية لتفكيك الكتائب الهاربة داخل بعض المدن الموالية للعهد البائد؛ كان محمود جبريل يعقد لقاءات مع قادة القبائل لتشكيل التحالف الوطني للقوى الوطنية الذي أعلن في 21 فبراير 2012، وحقق نجاحًا لافتًا في انتخابات المؤتمر الوطني العام التي نظمت بعد خمسة أشهر من تأسيس التحالف، وتحرك جبريل بدعم غربي كبير لشراء الولاءات وتوسيع دائرة النفوذ في السلطة الجديدة من خلال المؤتمر الوطني وخارجه.
ركز جبريل مع بعض الدوائر الأخرى الموالية للنظام القديم؛ على إعادة بناء الجيش الليبي للتخلص من كتائب الثوار المسلحة ولتحجيم دورها في بناء النظام الجديد، وهنا كانت الثغرة التي لم ينتبه لها الثوار، فتم دمج كتائب الثوار في بعض الألوية غير المؤثرة ومعظمها خارج العاصمة، وكانت الخطوة الأخطر هي السيطرة العسكرية على العاصمة، فتم ضم كتائب القذافي التي كانت تقاتل حتى آخر لحظة ضد الثوار، مثل كتيبة خميس واللواء 32 معزز إلى المعسكرات الكبرى المتواجدة داخل طرابلس مثل القعقاع والصواعق، وتم الاعتماد على قبيلة الزنتان كمكون رئيسي ومحوري في قيادة الجيش الجديد.تم إسناد قيادة معسكرات العاصمة لقادة من قبيلة الزنتان، وتم تشكيل نظام عسكري ميليشياوي للسيطرة على أحياء العاصمة منطلقًا من سيطرة كتيبة الزنتان التي شاركت في الثورة على مطار طرابلس؛ فانتشرت مجموعات مسلحة على امتداد شارع المطار الذي تنتشر به المعسكرات التي تسيطر عليها الميليشيا القبلية المرتبطة بمحمود جبريل.
لقد شاركت الزنتان (30 ألف نسمة) في الثورة وقدمت شهداء، ولكن لعبة محمود جبريل ولوبي الثورة المضادة بتمكينهم والاعتماد عليهم كقوة رئيسية حققت لهم سلطة ونفوذًا أحيت لديهم النزعة القبلية والشعور بالسيادة الزنتانية والتعصب القبلي، وكانت سيطرتهم على المطار تحقق لهم مكاسب مادية لا حصر لها ووسعت من نفوذهم.
وبدأت مشكلة ليبيا تزداد تعقيدًا مع إعادة بناء الجيش الليبي على أساس قبلي ميليشياوي قبل بناء النظام السياسي، فتلاشت الدولة وسقطت العاصمة في يد الميليشيات فتعثر النظام السياسي، وفرضت الميليشيات وصايتها على الحكومة الضعيفة وسخرتها لخدمة القابضين على العاصمة.
اعتمد محمود جبريل واللوبي الموالي للغرب على الإعلام كوسيلة لتضليل الشعب وغسل الأدمغة، فأنشأوا عددًا من الفضائيات بتمويل سخي جدًا للسيطرة على الرأي العام، وكجناح مكمل للنظام العسكري الميليشياوي الذي تم تأسيسه.
وكانت خطة الثورة المضادة للسيطرة على حكم ليبيا هي إقناع الشعب الليبي أن المجلس الوطني فشل في الخروج بالبلاد من أزمتها، فتمت تغذية النزعات الانفصالية ودعاوى تقسيم ليبيا إلى 3 ولايات: فزان، طرابلس، وبرقة، وبدأ الإعلام يحرض على الفوضى لإشاعة حالة من الفشل العام لتمهيد الأجواء للانقلاب القادم.
اعتمد التخطيط المعادي على إثارة الفوضى في ليبيا؛ فسيطر لواء من حرس الحدود من الجيش الذي أعادوا تأسيسه على موانيء الشرق الليبي ومنع تصدير النفط، وزادت حدة الأزمات المفتعلة مثل نقص البنزين وقطع الكهرباء في طرابلس لتشويه صورة المجلس الوطني ولتحريض الشعب على النظام السياسي الموجود وغير القادر على حل مشاكل المواطنين.
هنا جاء دور اللواء خليفة حفتر القائد العسكري في عهد القذافي، صاحب التاريخ الدموي في حرب تشاد، وأظهروه كقائد ينهي حالة الفوضى. أعلن حفتر الانقلاب على شاشة قناة العربية في فبراير 2014، لكن يبدو أن الترتيبات لم تكن قد اكتملت ولم يتفق مع قادة الزنتان بما يرضيهم ففشل الانقلاب، وبعد أن اتفقوا وأعادوا الكرة مرة أخرى أعلن حفتر الانقلاب في مايو 2014 وانضم له محمود جبريل والقادة العسكريون للزنتان وكل مكونات الثورة المضادة في العاصمة، فقامت معسكرات الصواعق والقعقاع والميليشيات بشل العاصمة، وسيطروا على مقار الحكومة، مثل وزارة الدفاع ووزارة الداخلية وتمت السيطرة على باقي معسكرات الجيش وتمشيطها ومصادرة أسلحتها وتصفية القادة العسكريين الذين رفضوا الانضمام للانقلاب، وانحاز عدد كبير من قادة المعسكرات في الشرق الليبي للانقلاب، وأطلقوا على الانقلاب اسم "عملية الكرامة" لتطهير ليبيا من الإرهاب، واستدعوا الإعلام ليقوم بدوره في شيطنة الإسلاميين وإظهارهم على أنهم العدو الذي يهدد الوطن.
تحرك الإسلاميين:
وجد الإسلاميون أنفسهم في مواجهة فرضت عليهم فرضًا، فهم لم يحكموا ليبيا ولم يمكنوا من ذلك، وحرصوا على مشاركة الآخرين دون التفكير في استخدام القوة، ولكنهم لم ينتبهوا لحجم المكر المعادي، والتدبير الذي يجري.
فبعد سقوط القذافي لم يتوحد الإسلاميون، ودخلوا الانتخابات مفككين أمام تكتل محمود جبريل، فحصلوا مجتمعين على نصف المجلس تقريبًا، وبعد الانتخابات تحرك الإخوان الذين لم يكونوا أغلبية منفردين وبحثوا عن تحالفات مع العلمانيين، ولم يتحالفوا مع الأحزاب السلفية الأخرى التي لها مقاعد قليلة في المجلس الوطني، وتم اختيار رئيس وزراء علماني ساهم في تمكين الحكم الميليشياوي الذي أشرنا إليه واستمرت الحكومة التي أسست بشكل خاطئ حتى اليوم.
مع التطورات الانقلابية الأخيرة لم يكن أمام الإسلاميين في ليبيا وقت للتفكير، فقد أعلن حفتر الحرب عليهم باسم "عملية الكرامة" لمحاربتهم والقضاء عليهم باسم مكافحة الإرهاب، بدعم دولي، غربي وعربي، فقرر الإسلاميون في شهر يوليو 2014 تصحيح الخطأ الذي وقعوا فيه بالاتحاد ولم شمل الليبيين المخلصين لاستعادة الثورة مرة أخرى وتصحيح ثورة 17 فبراير، فأعلن الثوار بدء عملية "فجر ليبيا" لدحر انقلاب حفتر ولتطهير العاصمة من العصابات الميليشياوية.
بدأت عملية تجميع كتائب الثوار الليبيين في كل المدن بغرب ليبيا لاستعادة الثورة، وانضوت كتائب الثوار في "درع ليبيا" الذي جمع مقاتلين من مصراتة والزاوية وزليتن وغريان وباقي مدن الغرب الليبي، وقاموا بتطويق المعسكرات التابعة لحفتر والثورة المضادة وميلشيا الزنتان، وركزوا على المطار الذي يعد النقطة الأهم التي تدور حولها المعارك حيث تعتبرها ميليشيا الزنتان أفضل من ألف وزارة.
كانت الضربة الأهم لحفتر في شرق ليبيا، عندما سيطر ثوار بنغازي على معظم المعسكرات خلال أيام قليلة، وسيطروا على مخازن الأسلحة التي كان حفتر يكدسها لعملية عسكرية كبرى لفرض السيطرة على أنحاء ليبيا، أي أن الثوار تغدوا به قبل أن يتعشى بهم.
أمام السيطرة العسكرية للثوار على الأرض لم يجد البرلمان الجديد الذي انتُخِب في ظل الانقلاب غير الهروب إلى طبرق على الحدود المصرية، ومع أول جلسة أظهر البرلمان انضمامه إلى حفتر والنظام القديم وتم اختيار رئيس له من رجال القذافي، ومما زاد البرلمان عزلة انطلاق طائرات حربية من القاعدة الجوية في طبرق لقصف المدنيين في شرق ليبيا ثم دعوة البرلمان للغرب للتدخل.
والغرب كما هو معلن يرفض التدخل ويقف على الحياد الظاهري، فهو لا يريد التورط العسكري في الشأن الليبي الذي سيكون محرقة لأي قوة عسكرية خارجية.
الثوار من جهتهم وبعد سيطرتهم على الأرض قرروا إظهار التأييد الشعبي؛ فأخرجوا المظاهرات الحاشدة في معظم مدن ليبيا لأول مرة منذ سقوط القذافي، لاستعراض قوتهم وقوة التأييد الشعبي لهم، وشكلوا المجلس الأعلى للثوار كرأس لعملية استعادة الثورة والقضاء على الثورة المضادة، ولإدارة شئون البلاد.
مجريات الأوضاع على الأرض تشير إلى أن الثوار يمسكون بزمام الأمور، وأنهم حسموا معظم المعارك ولم يبق إلا القليل، وهذه المرة يؤكدون أنهم سائرون حتى القضاء التام على الثورة المضادة وبناء النظام السياسي بشكل صحيح وعدم إتاحة الفرصة للنظام السابق والطابور الخامس لإفساد ما ضحوا وقدموا آلاف الشهداء من أجله.
عامر عبد المنعم
كاتب صحفي
- التصنيف: