الهمّ في الإسلام - الشهوات
الدنيا والشهوات هي أشياء تافه القيمة غير مؤثرة لا قيمة لها لأنها ضئيلة وزائلة، وعندما يفكر الإنسان في حقيقة قيمة الدنيا والشهوات فإنه لا ينشغل بها ذهنه وهمه وينساها ولا تتأثر بها مشاعره فلا يحبها ولا يكرهها ولا يخافها ولا يخضع لها.
الهم والمشاعر يكشفان حقيقة ما في العقل، أي يكشفان هل العلم واليقين والاعتقادات والنية والإخلاص والهدف هي أمور كاذبة أم أنها حقيقية؟
ـ فإذا كان الهم والمشاعر متعلقتان بشهوات الدنيا ومشاغلها بعيدتان عن الله والآخرة فهذا يدل على أن ما في العقل هي أمور نظرية فقط، والعكس صحيح، ونوضح ذلك كالتالي:
ـ الشيء العظيم القيمة هو شيء مؤثر، فالطبيعي أن يتأثر به الهم وتتأثر به المشاعر، أما الشيء التافه القيمة هو شيء غير مؤثر فالطبيعي أن لا يتأثر به الهم ولا تتأثر به المشاعر.
ـ قدرة الله سبحانه وصفاته هي أمور عظيمة القيمة وخطيرة جدا ومؤثرة، وعندما يفكر الإنسان في عظمة الخالق فإنه ينشغل به ذهنه وهمه ويعجب بمدى قدرته فيحبه إعجابا به ويهابه ويخاف من مدى عظمته وخطورة صفاته وينكسر له فيخضع له.
ـ الدنيا والشهوات هي أشياء تافه القيمة غير مؤثرة لا قيمة لها لأنها ضئيلة وزائلة، وعندما يفكر الإنسان في حقيقة قيمة الدنيا والشهوات فإنه لا ينشغل بها ذهنه وهمه وينساها ولا تتأثر بها مشاعره فلا يحبها ولا يكرهها ولا يخافها ولا يخضع لها.
ـ قد يحدث العكس، فالإنسان يعلم حقيقة عظمة الخالق، لكنه قد يتناسى ذلك فلا يفكر في مدى قيمة صفاته وعظمته، وبالتالي لا ينشغل بذلك همه ولا تتأثر مشاعره فلا يشعر بحبه ولا الخوف منه ولا رجاءه ولا الخضوع له.
ـ وكذلك يتناسى حقيقة ضآلة الدنيا والشهوات فلا يفكر في ذلك، وينخدع بزينتها الخادعة فيراها عظيمة القيمة فيحب الشهوات ويهابها ويخضع لها.
ـ الذي يقول بأنه يريد الآخرة ويعيش لها ثم لا ينشغل همه بغير الدنيا فهو كذاب رغم أنه يوقن فعلا من داخله بأنه يريد الآخرة ويعيش لها ولكنه يقين نظري فقط وليس يقينا حقيقيا، كذلك الذي يقول بأنه يعمل من أجل الله ولا ينشغل همه بغير نفسه وتحصيل الدنيا لنفسه فهو كذاب.
ـ ذهن الإنسان ينشغل بالأمر الخطير الهام ولا ينشغل بما بالأمر التافه الذي لا قيمة له، ورغم أن الإنسان يوقن بأن الدنيا عابرة وأن الآخرة هي الخطر الهائل إلا أنه لا ينشغل همه بغير الدنيا، فهذا يدل على أن يقينه بخطورة الآخرة وضآلة الدنيا هو يقين نظري فقط وحقيقة أمره أنه يرى أمور الدنيا هي الخطيرة والهامة بينما الآخرة وأهوالها وخطورتها لا قيمة لها في نظره.
ـ إن الذي يريد المال ويحبه ويسعى إليه فإن صورة المال تكاد لا تفارق ذهنه، فذهنه منشغل بقيمة المال الهائلة في نظره، والذي ينتظر الحكم عليه في قضية أمام قاضي لا تكاد صورة هذا الخطر تفارق ذهنه، كذلك الذي يعيش للآخرة ويوقن بأنه مسافر إليها لا تكاد صورة الآخرة تفارق ذهنه.
ـ أخبرني فيما ينشغل همك أخبرك من أنت، فإذا كنت لا تفكر إلا في أمور الدنيا ولا هم لك إلا الدنيا فأنت تعيش من أجل الدنيا وهي غايتك وهدفك بدليل أنك منشغل بها، وإذا كان همك لقاء الله والآخرة فأنت تعيش من أجل الله والآخرة والله غايتك وهدفك بدليل أن بالك منشغل بذلك، فالذي ينشغل همه بالشهوات هو رجل شهواني والذي ينشغل همه بالآخرة هو رجل أخروي، وهكذا.
ـ فحقيقة هدف الإنسان ليس ما هو مقتنع به نظريا من أنه يرجو الله والآخرة، ولكن حقيقة هدفه هو ما ينشغل به باله، فإذا كان تفكيره لا ينشغل إلا بالدنيا فهي هدفه ومراده وهي ما يرجوه، وإذا انشغل بقدرة الله عليه ووقوعه تحت سيطرته وعلمه وانشغل باله بمصيره المحتوم وكيف يكون حاله في الآخرة فالله والآخرة هو هدفه ومراده وهو ما يرجوه.
ـ الذي لا ينشغل همه بغير أخبار الدنيا وأحوالها ومشاكلها فهذا يدل على أن الآخرة في نظره ليس فيها ما يستحق أن يشغل الهم وأن الدنيا عظيمة القيمة في نظره، أما العاقل فيرى خسارة الدنيا والحصول عليها سواء لأنها ضئيلة وإلى زوال فلا ينشغل بها همه إلا بما ينشغل عابر السبيل أثناء سفره بالطعام والشراب ليسد جوعته.
ـ طالما أن هم الإنسان لا ينشغل بغير الشهوات أو الأموال أو المظاهر والمناصب ولا يزال ينشغل بذلك في حين لا يزال غير منشغل بمعرفة الله وعظمته وخطورة الآخرة فهذا معناه أن الإنسان لا يزال يرى قيمة الشهوات والأموال والدنيا أعظم من الجنة ومن الله ومن الآخرة، وهذا معناه أن يقين الإنسان بعظمة الله وخطورة الآخرة وضآلة الدنيا هو مجرد يقين نظري ووهم يخدع به الإنسان نفسه.
حسني البشبيشي
باحث إسلامي
- المصدر: