اهدنا الصراط المستقيم: دعاء الكون لله

منذ 2014-09-06

الكون المادي يسير دائماً في صراطٍ مستقيمٍ رسمَهُ الله عز وجل له، إنها عقيدة طالما حدثت بها نفسي.. كنت أتأمل ذات مرة وأنا في غمرة القراءة والكتابة في منتدىً للنظرية النسبية العامة، كنت أتأمل في هذه العقيدة التي أؤمن بها، فوجدت أن ظاهر حركة الأجرام السماوية وفي الفضاء من حولنا ليس في خطوط مستقيمة فقلت في نفسي: لعل الصراط المستقيم للجماد يتمثل في عمل كل جماد لوظيفته كما أمره الله وحسب..

مقدمة:
ما أجمله من صراط، إنه صراط لا اعوجاج فيه، يستطيع المرء أن يرى آخره من أوله، ويتأكد أنه على الحق، أتأمل كثيرًا في التشابه والاختلاف بين كون الله المُكلف (الثقلين: الإنس، والجان) والذي حمل الأمانة باختياره وبين كون الله المقهور على طاعته طوعاً منه!ةإن الإنسان مُخيرٌ، إما أن يسير في صراطٍ مستقيمٍ مسترشدًا بأوامرِ ربِه وسنةِ نبيِه صلى الله عليه وسلم، وإما أن يحيد عن هذ الصراط فتتشعب به الطرق في متاهات ظلمة المعصية.

قال تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام:153].

ولكن الكون المادي يسير دائماً في صراطٍ مستقيمٍ رسمَهُ الله عز وجل له، إنها عقيدة طالما حدثت بها نفسي.. كنت أتأمل ذات مرة وأنا في غمرة القراءة والكتابة في منتدىً للنظرية النسبية العامة، كنت أتأمل في هذه العقيدة التي أؤمن بها، فوجدت أن ظاهر حركة الأجرام السماوية وفي الفضاء من حولنا ليس في خطوط مستقيمة فقلت في نفسي: لعل الصراط المستقيم للجماد يتمثل في عمل كل جماد لوظيفته كما أمره الله وحسب..

لبثت قليلًا ثم ما فتئت أن تذكرت أن أينشتين في نظريته النسبية، قد أعاد فيها صياغة الكون الثلاثي الأبعاد من حولنا في كون جديد ذي أربعة أبعاد، شريطة أن يكون البعد الرابع هذا هو متناسب مع الزمن، وفوجئت عندما تذكرت أن مسارات الأجرام في هذا الفضاء الرباعي الأبعاد يكون خطًا مستقيمًا، بينما يخرج عن استقامته فقط إذا نظرنا للعالم بمنظور منقوص على أنه ثلاثة أبعاد!

ولتبسيط أمر بعد الزمن أطرح على حضراتكم مثالين:
1- عندما تواعد صديقًا على لقاء، هل تستخدم لتحديد اللقاء ثلاث معلومات فقط وهم البعدان الأفقيان والبعد الرأسي؟ إنك لو اكتفيت بذلك لكان من المحتمل جدًا أن يذهب كل منكما إلى نفس المكان الثلاثي الأبعاد، ولكن يذهب أحدهما يوم الاثنين والآخر يوم الأربعاء فلا تلتقيان واللقاء هنا هو المحك، ويظهر لنا فيه أهمية تحديد رقم رابع بالإضافة إلى الطول والعرض والارتفاع، حتى يتم اللقاء بنجاح ألا وهو بعد الزمن.

2- نظرًا لمحدودية سرعة الضوء، فإن الضوء الآتي لنا من الشمس يحمل لنا معلومات عن شمسنا الحبيبة ولكن من ثمان دقائق وليس الآن! وذلك حيث أن نبضة الضوء النابعة من الشمسية إلينا لا تصلنا إلا بعد ثمان دقائقَ من خروجها من منبعها، ولا نستطيع بحال أن نكتشف ماذا حدث في الشمس منذ سبع دقائق لأنه يُعد مُستقبلًا بالنسبة إلينا!

المستفاد من هذا: أنك عندما تنظر لقرص الشمس لحظة الغروب الجميل من على شاطئ البحر فإنك لا تنظر إليه من خلال الــ150 مليون كيلو مترًا، الفاصلة بيننا وبين الشمس، فقط وإنما تنظر إليه من خلال 150 مليون كيلو مترًا مكانية وثمان دقائق زمنية.

نظرة.. نظرية النسبية العامة لمسارات الكواكب والأجرام:
إذًا فقد بسطنا -أرجو ذلك- فهم كيف أن نظرية النسبية حولت نظرة الإنسان إلى الكون من كون مُكون من ثلاثة أبعاد إلى كون مُكون من أربعة أبعاد، وجاءت النظرية النسبية العامة من بعد تلك الثورة فأدخلت مفهوماً ثوريًا آخر لا يقل إبداعًا عن مفهوم البعد الرابع، وهذا المفهوم هو أن الكتل الثقيلة تصيب الفضاء الرباعي الأبعاد (الزمكان: المكان + الزمان) من حولها بالإنحناء! بحيث أن قوانين الهندسة الإقليديسية التي درسناها صغاراً في المدارس لا يصح تطبيقها في هذه الحالة.

ولم تعتبر نظرية النسبية العامة قوة الجاذبية الكونية قوة كباقي القوى، بل اعتبرت أن دوران الأرض حول الشمس مثلًا ما هو إلا دورانها في طريقها الثلاثي الأبعاد -يوجد أصل له في الأبعاد الأربع- وقد انحنى بفعل وجود الشمس وإحنائها للفراغ الرباعي الأبعاد الموجود حولها، وانحناء تلك المركبة الثلاثية الأبعاد من الطريق كإسقاط لإنحناء الطريق الرباعي الأبعاد، وهذا يتم دون أن يشعر قاطنو الأرض بأدنى تغيير عن حالة عدم وجود الشمس بالكلية..

لا يشعرون مثلًا بأي دوران أو قوة طاردة مركزية في مركبتهم، إنما يشعرون أنهم يسبحون في فضاءٍ خال، وهذا في الواقع هو التفسير الحقيقي لحالة (انعدام الوزن) التي نراها لرواد مركبات الفضاء عندما تدور مركباتهم حول الأرض مثلًا، وليست تلك الحالة نتيجة أنهم خرجوا من مجال الجاذبية كما نُوهم من الإعلام! والأفلام! فمجال الجاذبية امتداده لا نهائي!

الاكتشاف المثير الآخر الذي وضحته النسبية هو: أن الجاذبية تحولت من قوة إلى تعبير عن مقدار انحناء (الزمكان)، فإن كل هذه الأجرام والكواكب السيارة ترسم خطًا مستقيمًا إذا نظرنا إليها من وجهة نظر زمكان رباعي الأبعاد منحني.

وتعريف الخط المستقيم في الفضاءات المنحنية يظل كما هو وهو: "أقصر مسافة بين نقطتين" في حدود ما يسمح لنا الفضاء المنحني! هل يذكركم ذاك بشيء؟ إن كل هذه الأجرام التي تبدو للناظر على أنها تسير في مسارات إهليجية هي في واقع الأمر تسير في مسارات مستقيمة" -بمعنى أقصر مسافة- في فضاء رباعي الأبعاد -العلم الحقيقي كما تقره النسبية- منحني، وما المسار الإهليجي الذي نراه في الثلاثة أبعاد المألوفة إلا مسقطًا للصراط المستقيم لهذا الكوكب في حالته الأصلية رباعية الأبعاد على الفضاء الثلاثي الأبعاد.

الخلاصة:
أننا كما أُمُرنا بالسير في صراط مستقيم لنصل بسلام إلى جنة الخلد، فإنه قد سبقنا إلى طاعة هذا الأمر هذا الكون الجميل، بأجرامه وذراته، بمجراته وإلكتروناته وذلك حتى يتم انسجام الكون الطائع مع العبد الطائع، ويصيران في حال محبة في الله، إنها محبة تبدو غريبة بين إنسان وجماد ولكنها موجودة كما وصف رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم جبل أحد، أنه جبل نحبه ويحبنا نحن المؤمنين بالله.

والله أعلم. 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

أحمد كمال قاسم

كاتب إسلامي