الغارة على العالم الإسلامي - (1) المدارس الأجنبية

منذ 2014-09-20

ونقل عن المُنِّصرين مدى اهتمامهم بإنشاء مدارس أجنبية في العالم الإسلامي، ينشروا من خلالها عقائدهم وأفكارهم. في مقدمة الكتاب يدعو شاتيله بلده فرنسا أن تعمل على التأثير على عقول أبناء الشرق وقلوبهم.

منذ ثمانين سنة تقريباً صدر كتاب فرنسي نشره وأعده: أ. ل. شاتليه (A. Le Chatelier)، ترجم إلى اللغة العربية بعنوان: (الغارة على العالم الإسلامي)، أو (افتتاح العالم الإسلامي)؛ هو عبارة عن المحاضر الرسمية لأربعة مؤتمرات تبشيرية بروتستانتية، عقدت في سنوات 1906 و1910 و1911م؛ للعمل على محاولة القضاء على الإسلام، وذكرت هذه المؤتمرات ما تم عمله بالفعل، وما هو في طريق الإعداد للمستقبل، وجاءت فيه أمور غاية في الخطورة!

ومع ذلك لم ينتبه المسلمون  من غفلتهم، ولم يهبوا لمقاومة ذلك المخطط الخبيث المعلن على رؤوس الأشهاد! بل نفذت السياسة المرسومة كما وردت في ذلك الكتاب وغيره. وسنحاول خلال هذه المقالة استعراض أهم ما جاء في هذا الكتاب والخطط التي نفذت، حتى نعلم ما يكيده لنا هؤلاء، وما يُنصب لنا من شراك، وسنقسم هذه المخططات إلى حلقات سنتعرض في كل حلقة جانب من جوانب الغارة على العالم الإسلامي، وفي هذه الحلقة نتناول قضية التعليم الأجنبي في بلادنا.

دعوة شاتليه بلاده لاختراق العقول:
تناول كتاب (الغارة على العالم الإسلامي)، قضية التعليم في أكثر من موضع، ونقل عن المُنِّصرين مدى اهتمامهم بإنشاء مدارس أجنبية في العالم الإسلامي، ينشروا من خلالها عقائدهم وأفكارهم. في مقدمة الكتاب يدعو شاتيله بلده فرنسا أن تعمل على التأثير على عقول أبناء الشرق وقلوبهم، ولا يمكن الوصول إلي هذا الهدف إلاَّ بالتعليم، من خلال إنشاء الجامعات والمدارس الفرنسية في البلاد الإسلامية، حيث يقول: "ينبغي لفرنسا أنْ يكون عملها في الشرق مبنياً قبل كل شيء على قواعد التربية العقلية ليتسنى لها توسيع نطاق هذا العمل والتثبت من فائدته... وهو غرض لا يمكن الوصول إليه إلاَّ بالتعليم الذي يكون تحت الجامعات الفرنساوية، نظراً لما اختص به هذا التعليم من الوسائل العقلية والعلمية المبنية على قوة الإرادة".

ويستشهد شاتيليه بـ (كلية القديس يوسف اليسوعية)، حيث يؤكد أن: "التعاليم التي تنشرها وتبثها كان لها الحظ الأوفر في انتشار الأفكار الفرنساوية في سورية والقطر المصري".

مؤتمر القاهرة:
وفي مؤتمر التبشير المنعقد في القاهرة في 1906م، تحدث أحد أعضاء المؤتمر وأفاض في وصف ما للجامع الأزهر القديم من النفوذ، وإقبال الألوف عليه من الشبان المسلمين في كل أقطار العالم. وتساءل عن سر نفوذ هذا الجامع منذ ألف سنة إلى الآن ثم قال: "إن السنيين من المسلمين رسخ في أذهانهم أن تعليم العربية في الجامع الأزهر متقن ومتين أكثر منه في غيره، والمتخرجون من الأزهر معروفون بسعة اطلاعهم على علوم الدين، وباب التعليم مفتوح في الأزهر لكل مشايخ الدنيا، خصوصًا وأن أوقاف الأزهر الكثيرة تساعد على التعليم فيه مجانًا؛ لأن في استطاعته أن ينفق على 250 أستاذًا. ثم تساءل عما إذا كان الأزهر يتهدد كنيسة المسيح بالخطر، وعرض اقتراحاً يريد به إنشاء مدرسة جامعة نصرانية تقوم الكنيسة بنفقاتها وتكون مشتركة بين كل الكنائس المسيحية في الدنيا على اختلاف مذاهبها؛ لتتمكن من مزاحمة الأزهر بسهولة، وتتكفل هذه المدرسة الجامعة بإتقان تعليم اللغة العربية".

ثم قال: "إن في الإمكان مباشرة هذا العمل في دائرة صغيرة، وهي أن تخص أولاً بتعليم المسلمين المُتَنَصِّرِينَ وتربيتهم تربية إسلامية ليتمكن هؤلاء من القيام بخدمات جليلة في تنصير المسلمين الآخرين".
وختم كلامه قائلاً: "ربما كانت العزة الإلهية قد دعتنا إلى اختيار مصر كمركز عمل لنا لنسرع بإنشاء هذا المعهد المسيحي لتنصير الممالك الإسلامية".

مؤتمر إدنبرج
وفي مؤتمر إدنبرج الذي عقد  في شهر سبتمبر سنة 1910م، والذي حضره أكثر من 1200 مندوب بينهم 502 من الإنجليز و505 من الأمريكان وممن دُعي إلى المؤتمر (المستر روزفلت)، رئيس الولايات المتحدة السابق، لكنه أرسل رسالة اعتذار عن عدم تمكنه من الحضور، كان لقضايا التعليم الأجنبي حضور واهتمام.

ومما جاء في مؤتمر إدنبرج إحصاءات عن عدد المدارس والمعاهد التابعة للإرساليات البروتستانتية فقط، وهي كما يلي: "عدد المعاهد الكنسية [16.671]، وعدد الأساتذة والتلاميذ الذين هم تحت إشراف المُبَشِّرِينَ [1.190.602]، وتوجد تحت سلطتهم [81]، مدرسة دينية لتعليم لاهوت النصرانية وتخريج المعلمين والمُبَشِّرِينَ وفيها [12.543]، طَالِبًا وهي تهيمن أيضاً على [1.594]، مدرسة ثانوية فيها [155.420]، طَالِبًا [28.901]، مدرسة ابتدائية، يبلغ عدد تلاميذها [1.165.212]، وعدا ذلك فالمُبَشِّرُونَ يديرون [113]، مدرسة من النوع الذي يُسَمَّى روضة الأطفال وفيها [4.703]، أطفال و [25]، مدرسة للعميان.

وأثناء الحديث عن الإسلام في إفريقيا حضت جمعيات التبشير على توسيع نطاق التعليم الذي يشرف المُبَشِّرُونَ عليه.

كما تناولت إحدى الأعمال المدرسية التي يقوم بها المُبَشِّرُونَ ، فقالت في تقريرها: "اتفقت آراء سفراء الدول الكبرى في عاصمة السلطنة العثمانية على أن معاهد التعليم الثانوية التي أسسها الأوربيون كان لها تأثير على حل المسألة الشرقية يرجح على تأثير العمل المشترك الذي قامت به دول أوروبا كلها".

انبثق عن هذا المؤتمر عدد من التوصيات ولجان المتابعة ففي مايو سنة 1911م اجتمعت لجنة مواصلة أعمال المؤتمر وبحثت في طرائق التربية والتعليم التي ينبغي لِمُبَشِّرِي المسلمين اتباعها، وكان أول ما نفذ من قرارات مؤتمر إدنبرج إنشاء مدرسة تبشير مشتركة بين كل الفرق البروتستانتية، وتكون خاصة بتعليم مبشري الأقطار الإسلامية. وهذه المدرسة يحتفل بافتتاحها في خريف سنة 1911م وتقبل النساء والرجال وتعلم فيها اللغة العربية والعلوم الإسلامية وتاريخ الأوضاع الإسلامية والأمور الاجتماعية التي اقتبسها المُبَشِّرُونَ من بلاد الإسلام، وسيكون لهذه المدرسة مكتبة تحوي أمهات الكتب العربية وغير العربية المتعلقة بالإسلام.

مؤتمر لكنو:
وفي مدينة لكنو الهندية  يوم 21 يناير سنة 1911م عقد مبشرو البلاد الإسلامية من البروتستانت مؤتمرهم الثاني العام، وتناولوا أيضاً باهتمام قضايا المدارس الأجنبية في البلدان الإسلامية، حيث تحدث القسيس (إِسْلِسْتِينْ)، الذي مضي عليه 23 سنة في بلاد فارس، فوصف الحالة الحاضرة السياسية والحركة الاجتماعية في فارس، ومما جاء في حديثه: "موقف الفارسيين تجاه المُبَشِّرِينَ هو موقف حسن في الغالب، إذ كثيرون منهم يرغبون في تربية أولادهم في مدارس المُبَشِّرِينَ، مع علمهم أنهم يتعلمون الإنجيل، لكن هذه الرغبة لا تدل على أنهم يودون اعتناق المسيحية، بل إن تشوقهم إلى التعليم صادر عن علمهم أنه هو الدواء الناجع لاتقاء الصعاب التي تتخبط فيها فارس الآن، فهم لا يرغبون في المسيحية، بل جل ما يتوخونه هو اقتباس مبادئ الحضارة العصرية".

وفي تقرير للقسيس (ويلسون)، عن الإسلام في الهند أكد أن: "انتشار التعليم يساعد على تبديد الخرافات القديمة بخصوص المسيحية".

واقع العالم الإسلامي:
هذه التوصيات والخطط تحولت إلى واقع مشاهد في العالم الإسلامي، ونفذت السياسة المرسومة ضد الإسلام بحذافيرها وآتت ثمارها النكدة كاملة التي نعاني منها الآن. في مصر عام 1840م من خلال البعثات التنصيرية قام الآباء بتأسيس الكلية الفرنسية بالإسكندرية، والجمعية الإنجيلية البروتستانتية، وجمعية راهبات القلب المقدس عام 1845م، ثم تلتها الإخوة المسيحيون والفرير عام 1847م، ثم الآباء اليسوعيون والجزويت، ثم الفرنسيسكان 1859م والمير دي ديو (وتعني أم الله! تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً)، 1877م. ثم تبعتها مدارس الآباء اليسوعيين عام 1880م، وقد بلغ عدد مجموع الطلاب من المسلمين [7117]، طالباً مسلماً حتى عام 1891م، وهو رقم مذهل بمقاييس تلك الأيام وظروفها، ومعظم هؤلاء تولوا مناصب قيادية في البلاد فيما بعد.

كان انتشار المدارس الأجنبية في مصر مكثفاً ومقصوداً، حتى إنها الآن تبلغ عشرات الآلاف من المدارس، وتبلغ نسبة الدارسين فيها من المسلمين 52% من الطلاب بمصر، ويشير مؤرخو المدارس الأجنبية أن الجالية اليونانية كانوا كلما حلوا في بلد أنشأوا فيه كنيسة ومدرسة، كما فعلوا في الإسكندرية عام 1843م، ثم في المنصورة، وطنطا، وبور سعيد، والسويس، والقاهرة وغيرها، وهكذا الجالية الإيطالية منذ عام 1862م، والجالية الألمانية عام 1866م، واليهود منذ عام 1872م، والمارونيون السوريون، وكانت أولى الجاليات الجالية الأرمنية عام 1828م في بولاق.

أما عن تعليم البنات فقد كان هناك مدرستان في أواخر العقد السادس من القرن التاسع عشر للتعليم العام بحي الأزبكية: واحدة تابعة للكنيسة الأرثوذكسية، والأخرى تابعة لكنيسة الأقباط الإنجيليين. وفي عام 1904م أنشأت الكنيسة القبطية أول مدرسة صناعية ببولاق.  

وهكذا الجالية الإيطالية منذ عام 1862م، والجالية الألمانية عام 1866م، واليهود منذ عام 1872م، والمارونيين السوريين، وكانت أولى الجاليات الجالية الأرمنية عام 1828م في بولاق.

ونشرت مجلة: (المجتمع عددها -350 في 29/5/1397م)، موافقة السادات لكارتر على إنشاء جامعة في مصر للتبشير بالدين المسيحي في الوطن العربي، بشرط قيام الحكومة الأمريكية بتمويلها.

وفي سورية في نحو هذا التاريخ جهود موسعة لفتح المدارس الإرسالية حتى كان نصيب سورية وحدها من المدارس الأمريكية عام 1909م: [174]، مدرسة في المدن والقرى.

ثم تطورت بهم الحال إلى إنشاء الكليات للتعليم العالي، وكان أولاها في بيروت سنة 1862م التي تحولت فيما بعد باسم: (الكلية السورية الإنجيلية)، ثم هي اليوم: (الجامعة الأمريكية في بيروت).

وفي السودان: أسس الإنجليز كلية في الخرطوم عام 1903م باسم: (كلية غوردن)، باسم ضابط إنجليزي. وفي السودان من أنواع المدارس والبعثات التنصيرية الشيء الكثير.

وأما في جبال النوبة: فقد استولت على التعليم فيها الإرساليات البريطانية منذ عام 1919م وحاصرت توسع الإسلام واللغة العربية، وأقفلت ما يٌفتح من المدارس الإسلامية عام 1931م.

وفي العراق: في أوائل القرن العشرين الميلادي كانت أول مدرسة تبشيرية في البصرة: (مدرسة للبنات)، ومكتبة في العشائر، ثم انتشرت مدارسهم في أنحاء العراق[1].

مخاطر التعليم الغربي:
أثر النشاط التعليمي الغربي في بلادنا لم يعد يمس زاوية دون أخرى، أو يكتفي بجانب دون سواه. بل أصبح يمثل شبكة من المخاطر، كل خطر يوطئ لما بعده، ويخدم جوانب أخرى غيره، ومن أخطر ما أفرزته هذه المدارس:

- تنصير المسلمين: وهذا الهدف كان وضحاً في أحاديث القساوسة وتوصياتهم، وقد فعلت هذه المدارس فعلها خاصة في المناطق التي يسود فيها الجهل كمنطقة وسط وغرب إفريقيا، حتى تغيرت خريطة إفريقيا العقدية خلال قرنين من الزمان.

- التشكيك بالعقيدة الإسلامية والقرآن والسنة والتاريخ الإسلامي: إذ تحولت المدارس لعامل هدم، وليس عامل بناء، وأصبحت العقيدة والتاريخ الإسلامي تدرسان من وجهة نظر المستشرقين، مما خرج أجيال لا تعرف من الإسلام إلا اسمه، ولا من الدين إلا رسمه.

- الانحلال الخلقي للجيل المسلم: وذلك من خلال الاختلاط بين الفتيان والفتيات منذ الصغر, وكذلك بين الشباب والبنات في الجامعات, مع التشجيع على اللباس الفاضح بالنسبة للبنات, مما يجعل هذا الأمر مألوفاً ومعتاداً مع مرور الوقت بالنسبة للمسلم والمسلمة, أضف إلى ذلك الحفلات الموسيقية المستمرة التي تقيمها هذه المدارس والجامعات للطلاب؛ وذلك بهدف صبغ سلوكياتهم بالصبغة الغربية الغير أخلاقية, وإشباع غرائزهم وشهواتهم الجنسية, وإطلاقها من كل قيد أو ضابط إسلامي أو أخلاقي[2].

- تكوين طليعة أو نخبة من أبناء المسلمين ليكونوا قادة المستقبل: يقول الأستاذ أبو الحسن الندوي رحمه الله تعالى في كتابه: (الصراع بين الفكرة الإسلامية والفكرة الغربية - ص [182]): "إن القادة وولاة الحكم في البلاد المسلمة كلهم إنتاج نظام التعليم الغربي ووليد حضارته. أما الذين لم يتح لهم أن يتثقفوا في بلد أوروبي وينشأوا في بيئته، فإنهم تعلموا في مراكز هذا التعليم في بلادهم، وتثقفوا بها تحت إشراف ممثلية الكبار ورقابتهم، إن بعضهم تخرجوا في الكليات الحربية التي يعنى فيها بالتعليم والتربية الغربية عناية فائقة. وذلك هو السر في أن العالم الإسلامي يتأرجح بين عقليتين وفلسفتين ووجهتين مختلفتين تتصارعان دائماً..." انتهى[3].

 

طارق السيد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] هذه الإحصاءات مستفادة من كتاب (المدارس العالمية الأجنبية -الاستعمارية تاريخها ومخاطرها)، للدكتور بكر أبو زيد، رحمه الله.
[2] (أثر المدارس الأجنبية في البلاد الإسلامية مصر والشام أنموذجا)، د. عامر الهوشان ، موقع مركز التأصيل للدراسات والبحوث.
[3] نقلاً عن كتاب (المدارس العالمية الأجنبية - الاستعمارية تاريخها ومخاطرها)"، للدكتور بكر أبو زيد ، رحمه الله.

المصدر: موقع لها أون لاين
 
المقال التالي
(2) إفساد المرأة