ولكني لم أفقه يومًا معنى كلمة (فلاح)!

منذ 2014-09-30

جلست مع مجموعة من رفقاء الدرب على الشاطئ.. وهم كالعادة مجموعة من القلوب الغافلة.. سمعت النداء (حي على الصلاة.. حي على الفلاح).. أُقسِم أني سمعت الأذان طوال حياتي؛ ولكني لم أفقه يومًا معنى كلمة فلاح..! طبع الشيطان على قلبي.. حتى صارت كلمات الأذان كأنها تُقال بلغةٍ لا أفهمها..! كان الناس حولنا يفرشون سجاداتهم.. ويجتمعون للصلاة.. ونحن كنا نُجهِّز عدة الغوص وأنابيب الهواء..! استعدادًا لرحلة تحت الماء..

يقول:

كنت شابًا أظن أن الحياة.. مالٌ وفير.. وفراشٌ وثير.. ومركِبٌ وطيء..! وكان يوم جمعة.. جلست مع مجموعة من رفقاء الدرب على الشاطئ.. وهم كالعادة مجموعة من القلوب الغافلة.. سمعت النداء (حي على الصلاة.. حي على الفلاح)..

أُقسِم أني سمعت الأذان طوال حياتي؛ ولكني لم أفقه يومًا معنى كلمة فلاح..! طبع الشيطان على قلبي.. حتى صارت كلمات الأذان كأنها تُقال بلغةٍ لا أفهمها..! كان الناس حولنا يفرشون سجاداتهم.. ويجتمعون للصلاة..
ونحن كنا نُجهِّز عدة الغوص وأنابيب الهواء..! استعدادًا لرحلة تحت الماء..!

لبسنا عِدَّة الغوص، ودخلنا البحر.. بعدنا عن الشاطئ.. حتى صرنا في بطن البحر.. كان كل شيء على ما يرام.. الرحلة جميلة.. وفي غمرة المتعة..

فجأة تمزَّقت القطعة المطاطية التي يُطبِق عليها الغواص بأسنانه وشفتيه لتحول دون دخول الماء إلى الفم.. ولتمده بالهواء من الأنبوب.. وتمزَّقت أثناء دخول الهواء إلى رئتي.. وفجأة أغلقت قطرات الماء المالح المجرى التنفسي... وبدأت أموت..!

بدأت رئتي تستغيث وتنتفض.. تريد هواءً.. أي هواء..! أخذت اضطرب.. البحر مُظلِم.. رفاقي بعيدون عني..
بدأت أدرك خطورة الموقف.. إنني أموت..!

بدأت أشهق.. وأشرق بالماء المالح.. بدأ شريط حياتي بالمرور أمام عيني.. مع أول شهقة.. عرفت كم أنا ضعيف..

بضع قطرات مالحة سلَّطها الله عليَّ ليُريني أنه هو القويُّ الجبار..

آمنت أنه لا ملجأ من الله إلا إليه... حاولت التحرُّك بسرعة للخروج من الماء.. إلا أني كنت على عمقٍ كبير..
ليست المشكلة أن أموت.. المشكلة كيف سألقى الله؟!

إذا سألني عن عملي.. ماذا سأقول؟!

أمَّا ما أُحاسَب عنه.. الصلاة.. وقد ضيَّعتها.. تذكرت الشهادتين.. فأردت أن يُختَم لي بهما..

فقلت أشهـ.. فغصَّ حلقي.. وكأن يدًا خفية تطبق على رقبتي لتمنعني من نطقها..!

حاولت جاهدًا.. أشهـ.. أشهـ.. بدأ قلبي يصرخ: ربي ارجعون.. ربي ارجعون.. ساعة.. دقيقة.. لحظة.. ولكن هيهات..

بدأت أفقد الشعور بكل شيء.. أحاطت بي ظلمة غريبة.. هذا آخر ما أتذكَّر..!

لكن رحمة ربي كانت أوسع.. فجأة بدأ الهواء يتسرَّب إلى صدري مرةً أخرى.. انقشعت الظلمة.. فتحت عيني.. فإذا أحد الأصحاب.. يُثبِّت خرطوم الهواء في فمي.. ويحاول إنعاشي.. ونحن ما زِلنا في بطن البحر.. رأيت ابتسامة على مُحيَّاه.. فهمت منها أنني بخير..

عندها صاح قلبي.. ولساني.. وكل خلية في جسدي.. أشهد أن لا إله إلا الله.. وأشهد أن محمد رسول الله.. الحمد لله.. خرجت من الماء.. وأنا شخصٌ آخر..!

تغيَّرت نظرتي للحياة.. أصبحت الأيام تزيدني من الله قُربًا.. أدركت سِرَّ وجودي في الحياة.. تذكَّرت قول الله: {إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}[1]..

صحيح.. ما خُلِقنا عبثًا..

مرَّت أيام.. فتذكَّرت تلك الحادثة.. فذهبت إلى البحر.. ولبست لباس الغوص.. ثم أقبلت إلى الماء.. وحدي وتوجهت إلى المكان نفسه في بطن البحر.. وسجدت لله تعالى سجدةً ما أذكر أني سجدت مثلها في حياتي..! في مكان لا أظن أن إنسانًا قبلي قد سجد فيه لله تعالى.. عسى أن يشهد عليَّ هذا المكان يوم القيامة فيرحمني الله بسجدتي في بطن البحر ويُدخلني جنته.. اللهم آمين".

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

[1]- [الذاريات من الآية:56].

 

المصدر: الصفحة الرسمية للقارئ الشيخ عبد الرحمن بن جمال العوسي على الفيسبوك

عبد الرحمن العوسي

معلم وإمام لمسجد الإخلاص بمدينة الخبر بحي الكورنيش.