ما وراء الدعوة إلى حوار الأديان

منذ 2008-07-26

فهي دعوات هدفها التمهيد لهذا كلِّه، ولفتح الطريـق أمـام مشاريع التنصيـر، الذي يمـرّ عـبر ما يسـمّى التوفيق بين الأديان، أو الدعوة إلى وحـدة الأديان، وهذه الدعوة هي أخـطر ما يراد من شعار حوار الأديان.


لو قيل لهؤلاء الداعين، أو المدَّعيـن، لما يسمى حوار الأديـان: تعالوا نفتح حـوارا بينكم وبين شعوبكـم، إذ هذه الشعـوب المسحوقة تعاني من شتّى أصنـاف الظلم، والقهر، والفقر، وتُعامـل كقطعـان الغنـم، فلا يُؤخذ رأيها حتى في قضاياها المصـيريّة، إلاّ في شكليات مثيرة للسخرية تُسمّى مجالس الشورى، أو الشعب، أو الأمّة.. الخ، ويُعبث بثرواتـها، بل بكرامتـها، ولا يُسمـح لأحـد أن يتدخـل في مساءلة السلطة، ولا يتجرأ أن ينتقدها، كأنَّ القائمين عليها ملائكة نزلوا من السماء! ولا يجرؤ مفكـّر أن يطالب بحقوق المسحوقيـن، أو إصلاح النظام السياسي، أو الأمني أو القضائي ـ وقد امتلأت السجون بسبب فساد النظـام بالمظلومين حتى خيار الناس من علماء، ومجاهدين ـ ولا يُقـبل إخضاع السلطة لنظام يجعلها محاسبة أمام شعبها في مؤسسات قوتها مستمدة من نظام الدولة، أو مساءلة القائمين على الحكم عما يفعلوه من نهب وسلب، وظلم، وكنز أموال يحسدهم عليها قارون.. الخ.

فستكون المطالبة بهذا الحوار، من أعظم الإجرام في الأرض، لا يُقبل من المطالب به صرف، ولا عدل!

فليت شعري، ما معنى أن يُمنع الحــوار عن هذه القضايا المصيرية داخل بلادنا، ويحُظـر طـرح هذه القضايا للنقاش لإنقاذ شعوبنا من بؤسـها ويأسها، ويُجعـل هذا كلُّه حرماً حراماً، وحجراً محجوراَ...

بينما فجأة يصحو الضمير لتخليص الإنسانية، خارج أوطاننا، بحوار مع الأديان الأخرى! ثـمّ تنطلق في حالة من التجلّي الإنساني المفاجىء، تلك الدعوة إلى حوار الأديان!

لاسيما هنـا جزيرة العرب، والنفـط!!

فوالله ما تذكرنـا هذه الصحوة إلاّ بصحوة ضميـر البابا بعد ألف عام!!
حينـما أصدر البابا السابق، وثيقة تبرئة اليهود من "دم المسيح"، متجاهلا النص الإنجيلي، الذي أعلن فيه اليهود منذ حوالي ألفي عام أن دم المسيح "دمه علينا وعلى أولادنا" (متى 27-25).

كما تذكرنـا بصحوة الكنيسة الكاثوليكية عندما عاقبت ـ ولم تقبل حوارا هنا ـ المطران "كابة تشي" الفلسطيني وجمدت نشاطه الكنسي، والوطني، نتيجة لطلب "إسرائيل"، بعد اتهامه بالتعاون مع المقاومة الفلسطينية!

والعجيب من تناقضات هذه القضية أمران:

أحدهـما: أنَّ الداعين يزعمون الحاجة إلى هذا الحوار لتخفيف وطأت الحروب، بينما المتحاورون من هؤلاء الباباوات يزعمون أنهم لا يُسمح لهم ـ وفق النظام العلماني ـ بالتدخل بالسياسة! ثـمَّ هذه الحروب التي طــمَّ الغـرب علينا دمارها ـ نحن المسلمين، كلُّها أصـلا من سياسة الغرب...

فلعمري.. ما فائدة حوارنا مع هؤلاء الباباوات إذاً؟!

والأعجب من هذا، أنَّ هذه الجيوش الغربية عندما تحتل بلادنا، تأتي حملات التنصيـر مع الغزاة، فهؤلاء يقتلون، وهؤلاء يشربون من دماءنـا، ثم يقولون لنـا إنه "حوار الأديان"!!

والأمر الثاني: أنَّ أمريكا، والكيان الصهيوني ـ وهما الراعيان الخبيثان لهذه الدعوة المشبوهـة ـ نراهما يقاطعان أيَّ مؤتمر يُخشى فيه التطرق لعنصرية اليهود، وإجرامهم، كما أعلن مؤخـرا عن مقاطعة أمريكا والصهاينة، مؤتمر ديربان في جنوب أفريقيا أول عام 2009م!

فهنـا لا يقبلان الحوار، كما لا يقبل الصهاينة بحوار عن خرافة الهولوكست!!

بينما نطالب نحن بفتح بلادنا لمؤتمرات ظاهرها حوار ثقافي، وحقيقتها قبول إهانة مذلِّـة من جهات دينيـّة تشتمنا، وتمعن في تشويه ديننا، وتحتل دولهُــا بلادَنـا، وتقتل أبناءنا، وتنهب ثرواتنا، بتحريض ودعم لا محدود من الذين يحضرون تلك المؤتمرات المشبوهـة، من قساوسة، وحاخامات، أو من بعضهـم!!

هذا.. وإنَّ أمــر هذه المؤتمرات لـم يعد يخفـى على أحـد، فهـو كما قال أحد المفكرين: "تختفي وراء مظاهر التسامح والرحابة الفكرية البرّاقة، دعوة عنصرية لفرض ثقافات، و قيم، و توجهات الغرب، على الثقافات الأخرى، و بالذات على الإسلام بوصفه دينا، و عقيدة، و ثقافة.. فإن دعوة التعددية تسوي بين جميع الأطراف الداخلة فيها فلا يصبح هناك حق أو باطل، أو جيد أو رديء.. بل الكل سواء طالما أنه دخل في سياق التعددية... والمحصلة النهائية مرة أخرى هي علمنة الإسلام أي نزع القداسة والمنزلة الإلهية عنه..." (مجلــة البيان الأعــداد 100 و134).

فهي دعوات هدفها التمهيد لهذا كلِّه، ولفتح الطريـق أمـام مشاريع التنصيـر، الذي يمـرّ عـبر ما يسـمّى التوفيق بين الأديان، أو الدعوة إلى وحـدة الأديان، وهذه الدعوة هي أخـطر ما يراد من شعار حوار الأديان.

وهـي دعوة تنشط وراءها الحركة الصهيونية، وما يدور في فلكها من الدوائر الماسونية.

وهي دعوة شيطانية يقصد بها: وضـع معان جديدة مناقضة لمعاني القرآن: للكفر، والإلحاد، والشرك، والإيمان، والإسلام، والاعتدال.. الخ، وذلك بحجة منع هذه الأسماء الشرعية، والأحكام المرعية، من التفريق بين أصحاب الديانات! ولئلا يوصف اليهود، والنصارى، بما وصفهم الله به في القرآن، بل ليوصفوا بالإيمـان فيؤدي ذلك إلى إزالة العداوة، فنسخ الجهاد!

كما يقصد بها إيجاد معاني واحـدة بين الأديان، للسلام، وحقوق الإنسان، والمرأة، والديمقراطية والتعددية، والحرية، والسلام العالمي.. الخ، تناقض أحكام القرآن، وتخالف ما فيه من البيان.

يقول الدكتور المصلح محمد محمد حسين رحمه الله: "أما التوفيق بين الأديان -بين المسيحية والإسلام على وجه الخصوص- فقد بدأ في العصر الحديث، باتفاق قسيس إنجليزي اسمه (إسحاق تيلور ) مع الشيخ محمد عبده، وبعض صحبه في أثناء نفيه بدمشق 1883م على التوحيد بين الدِّينيْن.

ثم ظهرت الدعوة من جديد في السنوات الأخيرة، حين قام جماعة من المعروفين بميولهم الصهيونية، بعقد مؤتمر للتأليف بين الإسلام والنصرانية في بيروت 1953م، ثم في الإسكندرية 1954م، وقد كثرت الأقاويل في أهداف هذه الجماعة، وفي مصادر تمويلها، وأصدر الحاج أمين الحسيني بياناً أثبت فيه صلة القائمين على هذه الدعوة بالصهيونية العالمية" (الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصـر: 2/319-320).

ولا ريب... لن نجـد مهما وصفنا حقيقة مؤتمرات حوار الأديان المشبوهة، أبلــغ مما ذكره الدكتور محمد عماره الذي خَبـَر حقيقتها، بعدما انخـدع بها برهة من الزمـن، حتـى تبين له بعد ذلك، كم فيهـا من سموم تختفي وراء شعاراتها الخدّاعة.

قال الدكتور محمد عمارة في مقدمة مؤلفـه (مأزق المسيحيـة والعلمانية فـي أوربا ص 5-14): "مع كل ذلك، فتجربتي مع الحوارات الدينية -وخاصة مع ممثلي النصرانية الغربية- تجربة سلبية، لا تبعث علي رجاء آمال تُذكر من وراء هذه الحوارات التي تُقام لها الكثير من اللجان والمؤسسات، وتُعقد لها الكثير من المؤتمرات والندوات واللقاءات، ويُنفق عليها الكثير من الأموال.

وذلك أن كل هذه الحوارات التي دارت وتدور بين علماء الإسلام ومفكريه وبين ممثلي كنائس النصرانية الغربية، قد افتقدت ولا تزال مفتقدة لأول وأبسط وأهم شرط من شروط أي حوار من الحوارات؛ وهو شرط الاعتراف المتبادل والقبول المشترك بين أطراف الحوار، فالحوار إنما يدور بين "الذات" وبين "الآخر"؛ ومن ثم بين "الآخر" وبين "الذات"، ففيه إرسال وفيه استقبال، على أمل التفاعل بين الطرفين، فإذا دار الحوار -كما هو حاله الآن- بين طرف يعترف بالآخر، وآخر لا يعترف بمن "يحاوره"، كان حواراً مع "الذات"، وليس مع "الآخر"، ووقف عند "الإرسال" دون"الاستقبال"، ومن ثم يكون شبيهاً -في النتائج- بحوار الطرشان..!!

موقف الآخرين من الإسلام والمسلمين، هو موقف الإنكار وعدم الاعتراف، أو القبول، فلا الإسلام في عرفهم دين سماوي، ولا رسوله صادق في رسالته، ولا كتابه وحي من السماء، حتى لتصل المفارقة في عالم الإسلام إلى حيث تعترف الأكثرية المسلمة بالأقليات غير المسلمة، على حين لا تعترف الأقليات بالأغلبية!

فكيف يكون، وكيف يثمر حوار ديني بين طرفين أحدهما يعترف بالآخر، ويقبل به طرفاً في إطار الدين السماوي، بينما الطرف الآخر يصنفنا كمجرد "واقع"، وليس كدين، بالمعنى السماوي لمصطلح الدين؟!

ذلك هو الشرط الأول، والضروري المفقود، وذلك هو السر في عقم كل الحوارات الدينية التي تمت وتتم رغم ما بُذل ويُبذل فيها من جهود، وأنفق ويُنفق عليها من أموال، ورُصد ويُرصد لها من إمكانات!

أما السبب الثاني لعزوفي عن المشاركة في الحوارات الدينية -التي أُدعى إليها- فهو معرفتي بالمقاصد الحقيقية للآخرين من وراء الحوار الديني مع المسلمين، فهم يريدون التعرّف على الإسلام، وهذا حقهم إن لم يكن واجبهم، لكن لا ليتعايشوا معه وفقاً لسنة التعددية في الملل والشرائع، وإنما ليحذفوه ويطووا صفحته بتنصير المسلمين!

وهم لا يريدون الحوار مع المسلمين، بحثاً عن القواسم المشتركة حول القضايا الحياتية التي يمكن الاتفاق على حلول إيمانية لمشكلاتها، وإنما ليكرسوا -أو على الأقل يصمتوا- عن المظالم التي يكتوي المسلمون بنارها، والتي صنعتها وتصنعها الدوائر الاستعمارية التي كثيراً ما استخدمت هذا الآخر الديني في فرض هذه المظالم وتكريسها في عالم الإسلام.

فحرمان كثير من الشعوب الإسلامية من حقها الفطري والطبيعي في تقرير المصير واغتصاب الأرض، والسيادة في القدس، وفلسطين، والبوسنة والهرسك، وكوسوفا والسنجق، وكشمير، والفلبين.. الخ.. الخ.. كلها أمور مسكوت عنها في مؤتمرات الحوار الديني.

بل إن وثائق مؤتمرات التدبير لتنصير المسلمين التي تتسابق في ميادينها كلّ الكنائس الغربية، تعترف -هذه الوثائق- بأنَّ الحوار الديني -بالنسبة لهم- لا يعني التخلي عن "الجهود القسرية، والواعية، والمتعمدة، والتكتيكية لجذب الناس من مجتمع ديني ما إلى آخر" بل ربما كان الحوار مرحلة من مراحل التنصير!

وإذا كانت النصرانية الغربية تتوزعها كنيستان كبريان، الكاثوليكية، والبروتستانتية الإنجيلية، فإن فاتيكان الكاثوليكية -الذي أقام مؤسسات للحوار مع المسلمين، ودعا إلى كثير من مؤتمرات هذا الحوار- هو الذي رفع شعار: "إفريقيا نصرانية سنة 2000م"، فلما أزف الموعد، ولم يتحقق الوعد، مد أجل هذا الطمع إلى 2025م!!

وهو الذي عقد مع الكيان الصهيوني المغتصب للقدس وفلسطين معاهدة في 30-12-1993م تحدثت عن العلاقة الفريدة بين الكاثوليكية وبين الشعب اليهودي، واعترفت بالأمر الواقع للاغتصاب، وأخذت كنائسها في القدس المحتلة تسجل نفسها وفقاً للقانون الإسرائيلي الذي ضم المدينة إلى إسرائيل سنة 1967م!!

بل لقد ألزمت هذه المعاهدة كل الكنائس الكاثوليكية بما جاء فيها، أي أنها دعت وتدعو كل الملتزمين بسلطة الفاتيكان الدينية -حتى ولو كانوا مواطنين في وطن العروبة وعالم الإسلام- إلى خيانة قضاياهم الوطنية والقومية!

وباسم هذه الكاثوليكية أعلن بابا الفاتيكان أن القدس هي الوطن الروحي لليهودية، وشعار الدولة اليهودية، بل وطلب الغفران من اليهود، وذلك بعد أن ظلت كنيسته قروناً متطاولة تبيع صكوك الغفران!

أما الكنيسة البروتستانتية الإنجيلية الغربية، فإنها هي التي فكرت ودبرت وقررت في وثائق مؤتمر كولورادو سنة 1978م:

"إن الإسلام هو الدين الوحيد، الذي تناقض مصادره الأصلية أسس النصرانية، وإن النظام الإسلامي هو أكثر النظم الدينية المتناسقة اجتماعياً، وسياسياً، إنه حركة دينية معادية للنصرانية، مخططة تخطيطاً يفوق قدرة البشر، ونحن بحاجة إلى مئات المراكز تؤسس حول العالم بواسطة النصارى، للتركيز على الإسلام ليس فقط لخلق فهم أفضل للإسلام وللتعامل النصراني مع الإسلام، وإنما لتوصيل ذلك الفهم إلى المنصِّرين من أجل اختراق الإسلام في صدق ودها!!"

ولقد سلك هذا المخطط ـ في سبيل تحقيق الاختراق للإسلام، وتنصير المسلمين ـ كل السبل اللا أخلاقية- التي لا تليق بأهل أي دين من الأديان- فتحدثت مقررات هذا المؤتمر عن العمل على اجتذاب الكنائس الشرقية الوطنية إلى خيانة شعوبها، والضلوع في مخطط اختراق الإسلام والثقافة الإسلامية للشعوب التي هي جزء وطني أصيل فيها.

فقالت وثائق هذه المقررات:
"لقد وطّدنا العزم على العمل بالاعتماد المتبادل مع كل النصارى، والكنائس الموجودة في العالم الإسلامي، إنّ النصارى البروتستانت في الشرق الأوسط، وإفريقيا وآسيا، منهمكون بصورة عميقة، ومؤثرة في عملية تنصير المسلمين، ويجب أن تخرج الكنائس القومية من عزلتها، وتقتحم بعزم جديد ثقافات، ومجتمعات المسلمين الذين تسعى إلى تنصيرهم، وعلى المواطنين النصارى في البلدان الإسلامية وإرساليات التنصير الأجنبية العمل معاً، بروح تامة من أجل الاعتماد المتبادل والتعاون المشترك لتنصير المسلمين".

فهم يريدون تحويل الأقليات الدينية في بلادنا إلى شركاء في هذا النشاط التنصيري، المعادي لشعوبهم، وأمتهم!

كذلك قررت "بروتوكولات" هذا المؤتمر تدريب وتوظيف العمالة المدنية الأجنبية التي تعمل في البلاد الإسلامية لمحاربة الإسلام وتنصير المسلمين، وفي ذلك قالوا: "إنه على الرغم من وجود منصرين بروتستانت من أمريكا الشمالية في الخارج أكثر من أي وقت مضى، فإن عدد الأمريكيين الفنيين الذين يعيشون فيما وراء البحار يفوق عدد المنصرين بأكثر من 100إلى 1، وهؤلاء يمكنهم أيضاً أن يعملوا مع المنصرين جنباً إلى جنب لتنصير العالم الإسلامي، وخاصة في البلاد التي تمنع حكوماتها التنصير العلني!".

كذلك دعت قرارات مؤتمر كولورادو إلى التركيز على أبناء المسلمين الذين يدرسون أو يعملون في البلاد الغربية، مستغلين عزلتهم عن المناخ الإسلامي لتحويلهم إلى "مزارع ومشاتل للنصرانية"، وذلك لإعادة غرسهم وغرس النصرانية في بلادهم عندما يعودون إليها، وعن ذلك قالوا: "يتزايد باطراد عدد المسلمين الذين يسافرون إلى الغرب؛ ولأنهم يفتقرون إلى الدعم التقليدي الذي توفره المجتمعات الإسلامية، ويعيشون نمطاً من الحياة مختلفاً -في ظل الثقافة العلمانية والمادية- فإن عقيدة الغالبية العظمى منهم تتعرض للتأثر".

وإذا كانت "تربة" المسلمين في بلادهم هي بالنسبة للتنصير" أرض صلبة، ووعرة" فإن بالإمكان إيجاد مزارع خصبة بين المسلمين المشتتين خارج بلادهم، حيث يتم الزرع والسقي لعمل فعال عندما يعاد زرعهم ثانية في تربة أوطانهم كمنصّريـن!"

بل إنّ بروتوكولات هذا المؤتمر التنصيري لتبلغ قمة اللا أخلاقية عندما تقرر أن صناعة الكوارث في العالم الإسلامي هي السبيل لإفقاد المسلمين توازنهم الذي يسهل عملية تحولهم عن الإسلام إلى النصرانية! فتقول هذه البروتوكولات: "لكي يكون هناك تحول إلى النصرانية، فلابد من وجود أزمات ومشاكل وعوامل تدفع الناس، أفراداً وجماعات، خارج حالة التوازن التي اعتادوها. وقد تأتي هذه الأمور على شكل عوامل طبيعية، كالفقر والمرض والكوارث والحروب، وقد تكون معنوية، كالتفرقة العنصرية، أو الوضع الاجتماعي المتدني. وفي غياب مثل هذه الأوضاع المهيئة، فلن تكون هناك تحولات كبيرة إلى النصرانية..

إن تقديم العون لذوي الحاجة قد أصبح عملاً مهماً في عملية التنصير! وإن إحدى معجزات عصرنا أن احتياجات كثير من المجتمعات الإسلامية قد بدلت موقف حكوماتها التي كانت تناهض العمل التنصيري؛ فأصبحت أكثر تقبلا للنصارى!!"

فهم -رغم مسوح رجال الدين- يسعون إلى صنع الكوارث في بلادنا، ليختل توازن المسلمين، وذلك حتى يبيعوا إسلامهم لقاء مأوى أو كسرة خبز أو جرعة دواء! وفيما حدث ويحدث لضحايا المجاعات والحروب الأهلية والتطهير العرقي -في البلاد الإسلامية- التطبيق العملي لهذا الذي قررته البروتوكولات، فهل يمكن أن يكون هناك حوار حقيقي ومثمر مع هؤلاء؟!

تلك بعض من الأسباب التي جعلتني متحفظاً على دعوات، ومؤتمرات، وندوات الحوار بين الإسلام، والنصرانية الغربية، وهي أسباب دعمتها وأكدتها "تجارب حوارية" مارستها في لقاء تـم في "قبرص" أواخر سبعينيات القرن العشرين، ووجدت يومها أن الكنيسة الأمريكية -التي ترعى هذا الحوار وتنفق عليه- قد اتخذت من إحدى القلاع التي بناها الصليبيون إبان حروبهم ضد المسلمين، "قاعدة" ومقراً لإدارة هذا الحوار؟!

ومؤتمر آخر للحوار حضرته في عمّان -بإطار المجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية- مع الكنيسة الكاثوليكية في الثمانينيات وفيه حاولنا -عبثاً- انتزاع كلمة منهم تناصر قضايانا العادلة في القدس وفلسطين، فذهبت جهودنا أدراج الرياح! على حين كانوا يدعوننا إلى "علمنة" العالم الإسلامي لطي صفحة الإسلام كمنهاج للحياة الدنيا، تمهيداً لطي صفحته -بالتنصير- كمنهاج للحياة الآخرة!

ومنذ ذلك التاريخ عزمت على الإعراض عن حضور "مسارح"هذا "الحوار!". انتهى ما قالـه الدكتور عمارة.

وبعد هذا كله، تبين أن الدعوة إلى حوار الأديان، لو كان الدافع لها نية صالحة، لجعـلت في إطار دعوتهم إلى الهدى، وجدالهم بالتي هي أحسن، لإدخالهم في الإسلام، فإنَّ هذا هو الحوار الذي دعا إليه القرآن، وفعله نبينا صلى الله عليه وسلم.

أما أن يُرفع شعارا، تحت وطأة الضغط السياسي الغربي، وعلى بلادنا جيوش احتلاله، ليغطي تحتــه مشاريع هدم الإسلام، وهضم حقوق المسلمين، وإزالة معالم الدين، فهذه والله الطامة الكبرى، والمصيبة العظمى.

ولا ريب أنَّ من أوجب الواجبات على علماء الإسلام، فضح هذه المؤامرات، وكشف هذه المخططات، والعمل على توعية الأمّـة من خطرها، واستبدالها بمؤتمرات تحضُّ المسلمين على التمسك بدينهم، والاعتزاز بهويتهم، وجهاد عدوهم، وطرد المحتلين من بلادهم، ورد هذه الهجمـة الشرسة على مقدسات الإسلام.

هذه الهجمـة التي دخنهـا من تحت قدمي بابا النصارى الدجّال نفسه، الذي يدعي الحوار، وهو لا يدع مناسبة إلاّ ويطعن في الإسلام، كما تنطلق من حاخامات الصهيونية الذين يفتون بأنَّ الفلسطينيين أفاعي يجب قتلها، ثم يمدّون أيديهم بالملطّخة بدماءنا، يطلبون حوارا زائفا، لـه مقاصد أخبث من خَبَـث ضمائرهم المتعفّنة.

وختاما ننقل هنا كلاما مهما يبين إجماع علماء المسلمين، على أنَّ من كذب برسالة محمد صلى الله عليه وسلم الشاملة للثقلين، الناسخة لكل الأديان السابقة، فهو كافر ودينه باطل، ومن يشكّ في كفـره فهو مثله، هــذا مع أنَّ كفرة بني إسرائيل، قـد كفروا بربهم، وحرفوا دينهم، ثم زادوا على ذلك تكذيبهم بمحمد صلى الله عليه وسلم عندما بعثه الله رحمة للعالمين، فازدادوا كفرا إلى كفرهم.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "أن الذي يدين به المسلمون، من أن محمداً صلى الله عليه وسلم بُعث إلى الثقلين: الإنس والجن، أهل الكتاب وغيرهم، وأن من لم يؤمن به فهو كافر، مستحق لعذاب الله مستحق للجهاد، وهو مما أجمع عليه أهل الإيمان بالله ورسوله، لأنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي جاء بذلك، وذكره الله في كتابه وبينه الرسول صلى الله عليه وسلم أيضا في الحكمة المنزلة عليه، من غير الكتاب، فإنه تعالى أنزل عليه الكتاب، والحكمة، ولم يبتدع المسلمون شيئاً من ذلك من تلقاء أنفسهم، كما ابتدعت النصارى كثيراً من دينهم، بل أكثر دينهم، وبدلوا دين المسيح وغيّروه، ولهذا كان كفر النصارى لما بعث محمد صلى الله عليه وسلم مثل كفر اليهود لما بعث المسيح عليه السلام".

فتوى اللجنة الدائمة للإفتاء حول الدعوة إلى وحدة الأديان:
"إن الدعوة إلى وحدة الأديان إن صدرت من مسلم، فهي تعتبر ردة صريحة عن دين الإسلام؛ لأنها تصطدم مع أصول الاعتقاد فترضى بالكفر بالله عز وجل، وتبطل صدق القرآن ونسخه لجميع ما قبله من الكتب، وتبطل نسخ الإسلام لجميع ما قبله من الشرائع والأديان؛ وبناء على ذلك فهي فكرة مرفوضة شرعًا، محرمة قطعًا، بجميع أدلة التشريع في الإسلام، من قرآن وسنة وإجماع"..

"ومما يجب أن يعلم أن دعوة الكفار بعامة وأهل الكتاب بخاصة إلى الإسلام، واجبة على المسلمين بالنصوص الصريحة من الكتاب والسنة، ولكن ذلك لا يكون إلاّ بطريق البيان والمجادلة بالتي هي أحسن، وعدم التنازل عن شيء من شرائع الإسلام، وذلك للوصول إلى قناعته بالإسلام ودخولهم فيه، أو إقامة الحجة عليهم ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة، قال الله تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [سورة آل عمران: 64].

أما مجادلتهم واللقاء معهم ومحاورتهم لأجل النزول عند رغباتهم، وتحقيق أهدافهم، ونقض عرى الإسلام، ومعاقد الإيمان، فهذا باطل يأباه الله ورسوله والمؤمنون، والله المستعان على ما يصفون، قال تعالى: {وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ} [سورة المائدة: 49].. (فتاوى وبيانات مهمة للجنة الدائمة للفتوى بالسعودية ـ دار عالم الفوائد الطبعة الأولى 1421هـ).

قال الشيخ ابن العثيمين ـ رحمه الله ـ: "قد يُسمع ما بين حين وآخر كلمة "الأديان الثلاثة"، حتى يظن السامع أنه لا فرق بين هذه الأديان الثلاثة؛ كما أنه لا فرق بين المذاهب الأربعة! ولكن هذا خطأ عظيم، إنه لا يمكن أن يحاول التقارب بين اليهود والنصارى والمسلمين إلاّ كمن يحاول أن يجمع بين الماء والنار". (خطبة يوم الجمعة، 15/1/1420هـ. نقلاً عن رسالة "دعوة التقريب بين الأديان" 1/32 ).

والله أعلم وهو حسبنا ونعم الوكيل نعم المولى ونعم النصيـر.








المصدر: موقع الشيخ حامد العلي

حامد بن عبد الله العلي

أستاذ للثقافة الإسلامية في كلية التربية الأساسية في الكويت،وخطيب مسجد ضاحية الصباحية