غزة.. شروط ومعوقات إعادة الإعمار

منذ 2014-10-15

نعم.. لقد تعهدت دول عربية ودولية بالمساهمة بنحو 5.4 مليارات دولار لإعادة إعمار القطاع، ولكن بشروط تبدو واضحة المعالم في معاقبة المقاومة الفلسطينية

 

غريب وعجيب أمر حكومات الدول العربية، فعلى الرغم من تصريحاتها العلنية المساندة والمؤيدة للشعب الفلسطيني باستعادة أرضه المغتصبة وحقوقه المسلوبة، إلا أن الحقيقة والواقع تشير بكل وضوح إلى معاقبة من يحاول استعادة ما تم اغتصابه بالطريقة التي يفهمها العدو ويرضخ لها، بينما يكافئ من يسلك الطريق المستحيل في استعادة ذرة من الأرض أو حق من الحقوق.

إن المنطق والعقل السليم يستبعد بل يحيل تخلي عدو غاشم وكاره للإسلام والمسلمين (كاليهود) عن أرضٍ احتلوها بقوة النار والسلاح بالمفاوضات، خاصة إذا كان الطرف العربي والفلسطيني لا يملك أي أدوات للضغط على هذا العدو للرضوخ لمطالبه، فكيف إذا كانت التجربة العملية تثبت عبثية المفاوضات المستمرة منذ سنوات بين الاحتلال والسلطة الفلسيطينية في رام الله دون أي نتيجة!!

لقد كانت المقاومة عبر التاريخ وما زالت الطريقة الأنجع لاسترداد الأرض المغتصبة من المحتل واستعادة الحقوق المسلوبة منه، وقد أثبتت وقائع التاريخ العربي مع المحتل الفرنسي والإنكليزي والإيطالي ذلك، فلماذا تحاول حكومات الدول العربية الآن مغالطة هذه المسلمات من خلال محاصرة ومعاقبة المقاومة الفلسطينية، رغم الإنجازات التي حققتها والتضحيات التي قدمتها، ومكافأة المفاوض الفلسطيني الذي لم يقدم سوى التنازلات تلو التنازلات!!

لقد حققت المقاومة الفلسطينة في غزة انتصارًا تاريخيًا واضحًا على المحتل الإسرائيلي رغم إمكانياتها الضعيفة الناجم عن حصار مرهق لسنوات طوال، ومع ذلك لم تسمع هذه المقاومة كلمة ثناء من الحكومات العربية، فضلًا عن أن تتلقى أي دعم أو مساندة منها لمواصلة المقاومة.

بل إن الأنكى من ذلك والأشد هو تحامل بعض تلك الحكومات على إنجازات المقاومة على الأرض، ومحاولة الالتفاف عليها من خلال نسبتها إلى المفاوض الذي لم يتجاوز دوره حصد غراس البندقية التي كان يحملها أبطال المقاومة، بل وجعل جميع نتائج ذلك النصر بيد المفاوض لا المقاوم، وهو ما تم في مؤتمر إعادة إعمار غزة الذي عقد بالعاصمة المصرية القاهرة.

نعم.. لقد تعهدت دول عربية ودولية بالمساهمة بنحو 5.4 مليارات دولار لإعادة إعمار القطاع، ولكن بشروط تبدو واضحة المعالم في معاقبة المقاومة الفلسطينية التي أرغمت أنف العدو الصهيوني، ناهيك عما تحمله من مكافأة للمفاوض الذي وضع السلاح عن كاهله واستسلم للمفاوضات العبثية.

لقد كانت أولى هذه الشروط هي: أن تختص حكومة الوفاق الفلسطينية وحدها بإدارة وإنفاق الأموال والمساعدات التي سيقدمها المانحون، في مسعى منها لحرمان فصائل المقاومة الفلسطينية من جني ثمار انتصارهم الكبير على العدو الصهيوني في العدوان الأخير على غزة.

وعلى الرغم من موافقة فصائل المقاومة الفلسطينية على ذلك ومشاركتها في حكومة الوفاق الوطني، إلا أنها موافقة المضطر تحت وطأة الظروف الإقليمية والدولية السيئة التي تحيط بالمقاومة الفلسطينية وتتربص بها الدوائر، وتحاول شيطنتها والتشويش على إنجازاتها وانتصاراتها.

ويأتي الشرط الثاني لإعادة الإعمار أشد وطأة على المقاومة من الشرط الأول، والذي يتمثل بالموافقة على المبادرة المصرية لوقف إطلاق النار في القطاع، والتي كان للمقاومة الكثير من الملاحظات والتحفظات عليها، بل تم رفضها من قبل فصائل المقاومة في بداية العدوان على غزة، نظرًا لعدم اشتمالها على أبسط حقوق الشعب الفلسطيني المقاوم في غزة بعد كل التضحيات التي قدمها.

وبعيدًا عن الشرط الأول والثاني فإن عملية إعادة الإعمار متوقفة على استعداد الاحتلال الإسرائيلي لفتح جميع المعابر مع قطاع غزة، وإزالة جميع القيود المفروضة بما يسمح للفلسطينيين بالتجارة بين غزة والضفة الغربية، فمن سيضمن تنفيذ اليهود لذلك؟!!

وإذا ما افترضنا تحقق جميع هذه الشروط، فإن الأهم من كل ما سبق هو ضمان عدم تكرار العدوان الاسرائيلي على القطاع، والذي وللأسف الشديد لم يكن له أي بند على جدول أعمال المؤتمر، ولم تتم مناقشته من قريب أو بعيد، الأمر الذي يجعل الباب مفتوحًا أمام اليهود لتكرار العدوان تلو العدوان على القطاع المنكوب، والذي تعرض لثلاثة اعتداءات عسكرية خلال أقل من ست سنوات.

وإذا ما افترضنا أيضًا عدم تكرار اليهود للعدوان فإن عملية الإعمار قد تستغرق زمنًا طويلا يقدره البعض بخمس سنوات -إذا لم تكن هناك معوقات يهودية كإغلاق المعابر مثلا- وهو ما يعني استمرار معاناة آلاف الفلسطينيين، ناهيك عن مشكلة الوفاء بوعود الدول المانحة، فلطالما قطعت جهات عربية ودولية عديدة الوعود على مدار السنوات الماضية، دون أن يتم تنفيذها على أرض الواقع.

إنه الضعف والوهن والتشتت العربي الذي يزيد من صعوبة حصول الشعوب العربية المقاومة على نتائج انتصارها المحدود على عدوها الأول إسرائيل، ذلك العدو الذي يبدو أنه قد بات في آخر قائمة أعداء بعض الحكومات العربية، بل ربما قد حذف من قائمة الأعداء أصلا!!