القدس بين الوعد الحق والوعد المفترى
الكتاب ليس مجرد سرد تاريخي واستعراض للنصوص الشرعية المرتبطة بذلك، وليس انسياقاً وراء الأحداث المعاصرة تحليلاً وتفسيراً، بل هو ربط بين الماضي والحاضر في إطار شرعي مستوعب للأدلة الشرعية كمًا وكيفأ.
حقاً إن المرحلة التي نمر بها هذه الأيام مرحلة عصيبة، ليس لما يتعرض له إخواننا في فلسطين من قتل وتشريد فحسب، ولكن لغياب الصورة الشرعية للأحداث عند كثير من المسلمين، والنظر إليها على أنها أحداث مبتورة لا جذور لها في الماضي، ولا مساس لها بالخلفيات الدينية.
لذا رأيت أن هناك حاجة ماسة لبيان الموقف الشرعي الواعي للأحداث الراهنة، مع الأخذ بعين الاعتبار الجذور التاريخية للصراع، فكانت فكرة عرض هذا الكتاب، ولأن الكتاب نشر منذ زمن ومتداول بشكل كبير، فقد تعمدت أن يكون العرض سريعاً لكي ألفت النظر إلى قراءته وإحيائه في هذه المرحلة من تاريخ الأمة وهو حقيق بذلك.
الكتاب (قديم جديد)!
الكتاب ليس مجرد سرد تاريخي واستعراض للنصوص الشرعية المرتبطة بذلك، وليس انسياقاً وراء الأحداث المعاصرة تحليلاً وتفسيراً، بل هو ربط بين الماضي والحاضر في إطار شرعي مستوعب للأدلة الشرعية كمًا وكيفأ.
أصل هذا الكتاب محاضرة ألقيت في مرحلة خطيرة من مراحل الصراع بين العرب وإسرائيل، في الفترة التي انعقد فيها مؤتمر مدريد وما رافقه من إعلان (مشروع السلام بين العرب واليهود)؛ خصوصاً أن حيلة السلام قد انطلت على أكثر الناس، بسبب الاعتقاد أنه قد حان الوقت لوضع حد للصراع الذي استنزف من الأمة (خمسين عامًا)، ضحت فيه بأبنائها وأموالها وأراضيها، كما أنه يعد بتحقيق حلم الفلسطينيين بإقامة دولتهم وانتهاء مرحلة التشرد والضياع! وكم داعبت هذه الأحلام خيالات الكثيرين في ظل غياب النظرة الشرعية للأحداث، وخلفيات الصراع مع الجنس اليهودي الذي طبع على المكر والخداع، في تلك الظروف ألقيت هذه المحاضرة.
أعتقد أن قراءة هذا الكتاب، وتناوله بالدراسة في هذه الأيام أمر ملح، خاصة ممن أخذوا على عاتقهم توجيه الصحوة وإعادة الناس إلى حقائق الإيمان وأصول الدين، الكتاب في جملته يدور حول حقائق عدة من أهمها مايلي :
لماذا لجأت إسرائيل إلى خيار السلام؟
مشروع السلام العربي الإسرائيلي ما هو إلا مرحلة من مراحل الصراع، جاءت تتمة لما قبلها وتمهيداً لما بعدها، أما ما قبلها فهو أن إسرائيل وجدت نفسها غير واقعية أبداً في الأطماع التي كانت تحلم بها منذ أيام الأسر البابلي، إلى الاضطهاد الأوروبي والتي يبينها التلمود في هذا النص: "يجب على كل يهودي أن يسعى لأن تظل السلطة على الأرض لليهود دون سواهم، وقبل أن يحكم اليهود –نهائياً- باقي الأمم، يجب أن تقوم الحرب على قدم وساق ويهلك ثلثا العالم، وسيأتي المسيح الحقيقي ويحقق النصر القريب، وحينئذ تصبح الأمة اليهودية غاية في الثراء، لأنها تكون قد ملكت أموال العالم جميعاً، ويتحقق أمل الأمة اليهودية بمجيء إسرائيل وتكون هي الأمة المتسلطة على باقي الأمم عند مجيء المسيح"، ذلك أنها اصطدمت بالحقائق التالية:
1- المشكلة الأمنية، فإن إسرائيل لم تستطع إلى الآن السيطرة على ما ابتلعته من أرض فلسطين، فكيف تسعى لمزيد من الأراضي؟
2- المشكلة السكانية التي تقض مضاجع الإسرائيليين، فلم تفلح الوعود المعسولة بالجنة الموعودة في خداع اليهود في أنحاء كثيرة من العالم للهجرة إلى إسرائيل، ومن نجحت في خداعه فهو يعيش في مجتمع مقيت متناقض مليء بالتفرقة العنصرية والتناحر الحزبي، بل على العكس ارتفعت نسبة ما يسمى بالهجرة المضادة بسبب الرعب الذي يعيشه اليهود في الأراضي الفلسطينية، فهم مهددون في كل لحظة بهجوم استشهادي يجتثهم، زد على ذلك هذه الانتفاضة المباركة التي هشمت بحجارتها رؤوس الإسرائيليين.
3- أن المقاطعة العربية -مهما بدت شكلية- فهي تظل تشكل حاجزاً نفسياً بينها وبين الشعوب العربية في المنطقة.
هذه الأسباب وغيرها جعلت إسرائيل تغير من خططها التوسعية، وإقامة ما يسمى بإسرائيل الكبرى، حتى وإن كــان ذلك تنازلاً عن الحدود التوراتية فلا غرابة في ذلك على عقيدة اليهود، التي تؤمن بالبداء وأن الأحبار يصححون (أخطاء الرب) تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا.
وأما ما بعد مرحلة السلام فهو تحقيق الجزء الآخر من النص التلمودي، الذي ذكرناه آنفا فيما يتعلق بالسيطرة على ثروات العالم، وذلك بالتغلغل السياسي والاقتصادي والثقافي في دول المنطقة.
الوعد الحق والوعد المفترى..
الصراع العربي الإسرائيلي ليس صراعاً بين دولتين، بل هو في حقيقته صراع بين عقيدتين، وبين وعدين، الوعد الحق والوعد المفترى، ويعود هذا الوعد الذي التقت عنده (الأديان الثلاثة الإسلام، واليهودية، والنصرانية)، إلى خمسة آلاف سنة، حينما أمر الله خليله إبراهيم عليه السلام بأن يأتي الأرض المباركة، وأن يجدد بناء البيت العتيق.
فأما المسلمون فلديهم وعد صادق من الله جل جلاله بأن يباركهم الله ويورثهم الأرض، وأن يظهرهم على أعدائهم.
وأما اليهود فيزعمون أن الله قد منح الأرض ليعقوب بن إسحاق بن إبراهيم وذريته من بعده، وهو المقصود بوعد الله لإبراهيم عليه السلام، ويستندون في ذلك إلى نصوص من التوراة المحرفة، من أهمها ما جاء في سفر التكوين وهو أول أسفار التوارة وردت فيه قصة عجيبة يقشعر منها البدن عن نوح عليه السلام: "وابتدأ نوح يكون فلاحاً، وغرس محرماً، وشرب من الخمر وسكر، وتعرى داخل خبائه، فأبصر حام أبو كنعان عورة أبيه، وأخبر أخويه خارجاً، فأخذ سام ويافث الرداء ووضعاه على أكتافها ومشيًا إلى الوراء فلم يبصرا عورة أبيهما، فلما استيقظ نوح من خمره علم ما فعل ابنه الصغير فقال: ملعون كنعان، عبد العبيد يكون لأخويه، وقال مبارك الرب إله سام وقال: وليكن كنعان عبداً لهم، يفتح الله ليافث فيسكن مساكن سام وليكن كنعان عبداً لهم".
وفي نصوص عدة في التوراة من هذا السفر -سفر التكوين- تتحدد معالم كنعان التي سيرثها أبناء سام، ففي الإصحاح العاشر: "كانت تخوم الكنعاني من صيدون (صيدا اليوم) حينما تجيء نحو الجرار إلى غزة وحينما تجيء نحو السدوم وعمورة إلى لاشع".
وفي الإصحاح (12): "قال الرب لإبرام ـ-أي ابراهيم- اذهب من أرضك، ومن عشيرتك ومن بيت أبيك إلى الأرض التي أربك، فأجعلك أمة عظيمة، وأباركك وأعظم اسمك، وتكون بركة وأبارك مباركيك ولاعنك ألعنه، وتتبارك فيك جميع القبائل، واجتاز إبراهيم في الأرض إلى مكان شكيمي إلى بلوطة مورة، وكان الكنعانيون حينئذ في الأرض وظهر الرب لإبراهيم وقال لنسلك أعطي هذه الأرض".
وفي الإصحاح (15): "لنسلك أعطي هذه الأرض من نهر مصر إلى النهر الكبير نهر الفرات"، وهذه هي حدود ما يسمى اليوم بإسرائيل الكبرى، ويتحدد المقصود من ذرية إبراهيم عليه الصلاة والسلام عندهم في الإصحاح (27) في يعقوب عليه السلام: "يستعبد لك شعوباً، وتسجد لك قبائل، كن سيداً لإخوتك، ويسجد لك بنو أمك، ليكن لاعنوك ملعونين، ومباركوك مباركين"، ويذكرون بعد ذلك في الإصحاح (28)، أن يعقوب نام بين بئر سبع وحران في أرض فلسطين فرأى الله تعالى فقال: "أنا الرب إله إبراهيم أبيك وإله إسحاق، والأرض التي أنت مضطجع عليها أعطيها لك ولنسلك، ويكون نسلك كتراب الأرض، وتمتد غرباً وشرقاً، وشمالاً وجنوبًا، ويتبارك فيك وفي نسلك جميع قبائل الأرض".
ومهما يكن شأن هذه النصوص من ركاكة في الأسلوب ومغالطات في الحقائق، وتناقض مع الواقع، إلا أنها منطلقات راسخة للمواقف الإسرائيلية وإن تعجب فاعجب من أصحاب الدين الحق والمبدأ السوي، يدخلون مع إسرائيل بشعارات مختلفة جاهلية، قومية ووطنية وعرقية، وها هم بعد كل سنين الحرب يخضعون لإرادة إسرائيل.
لماذا الانحياز الغربي لليهود؟
هناك جملة مشتركة من العقائد بين اليهود والنصارى تفسر المواقف المنحازة لإسرائيل من أمريكا وحلفائها من أهمها ما يلي:
1- الإيمان بالوعد المفترى الذي يأفكه يهود، وسبب إيمان النصارى بذلك أن الكتاب المقدس ينقسم إلى قسمين، القسم الأول وهو ما يسمى: "العهد القديم" وهو التوراة، والثاني وهو ما يسمى: "العهد الجديد" وهو الإنجيل والرسائل، أول ما يقرأ النصراني في كتابه المقدس تلك الوعود المفتريات التي ذكرناها أنفاً، ولا عجب بعد هذا إذا علمنا أن أول نص ذكرناه في افترائهم على نوح عليه السلام هو مفتاح الدراسة في عدد هائل بين المدارس الإنجيلية، في الولايات المتحدة الأمريكية وعدد هذه المدارس لا يقل عن (20000) مدرسة يدرس فيها ملايين التلاميذ تنفتح عليه مداركهم.
2- إن قيام دولة إسرائيل هو في الحقيقة تمهيد لنزول المسيح -الذي يؤمن به كلا الفريقين حسب عقيدته-، وقيام المعركة الفاصلة تحت قيادته، إلا أن هناك تفصيلات في هذه العقيدة تجعل الأمر يبدو متناقضاً تناقضاً كبيراً، يجعل العقيدتين تصطدمان في عدة نقاط، فمع نهاية الألفية الثانية يلتقي حلما اليهود والنصارى، فأما اليهود فيحلمون بخروج الملك من نسل داود الذي يقتل النصارى والمسلمين، ويخضع الناس أجمع وهو المسيخ الدجال، وأما النصارى فيحلمون بعودة المسيح ونزوله إلى الأرض ليقتل اليهود والمسلمين، وكل من لا يدين بدينهم في معركة هرمجدون..!
فبناء على العقيدتين يفترض أن تقوم مع الألفية حرب لاهوادة فيها بين الفريقين، تبعًا للحرب التي ستقوم بين المسيحين ابن مريم عليه السلام والدجال.
لكن هنا يظهر المكر اليهودي والحقد النصراني، فقد ابتدع حاخامات صهيون حيلة غريبة وهي تأجيل الخوض في التفاصيل، والاهتمام بالمبدأ الذي هو نزول المسيح، وذلك بالتخطيط والتعاون تهيئة لنزوله، ولكي يعملا سوياً للقضاء على العدو المشترك (المسلمين).
وبسبب الحقد الصليبي انساق العالم الغربي النصراني وراء اليهود في هذه القضية الكبرى.
أما العجب العجاب فهو انسياق المسلمين وراء الطائفتين مغمضي الأعين في مهاترات السلام.
وقد ذكر المؤلف في الكتاب شواهد كثيرة لشخصيات نصرانية بارزة تدعو لإقامة دولة إسرائيل، بل وتعتبر المساهمة في ذلك من سبل مرضاة الرب ومباركته لدولهم، وعلى رأس هذه الشخصيات بعض من رأسوا الدولة العظمى أمريكا..
فعلى سبيل المثال يقول (ريجان): "إنني دائما أتطلع إلى الصهيونية كطموح جوهري لليهود.. وبإقامة دولة إسرائيل تمكن اليهود من إعادة حكم أنفسهم بأنفسهم في وطنهم التاريخي، ليحققوا بذلك حلماً عمره ألفا عام"، وبلفور صاحب الوعد المشؤوم، تقول ابنة أخته -وهي مؤلفة كتاب عن حياته-: "إنه كان يؤمن إيماناً عميقاً بالتوراة ويقرؤها ويصدق بها حرفياً، وإنه نتيجة لإيمانه بالتوراة أصدر هذا الوعد"، وكان رئيس وزراء بريطانيا في ذلك الوقت (هو لويد جورج) الذي قال عن نفسه: "إنه صهيوني، وإنه يؤمن بما جاء في التوارة من ضرورة عودة اليهود، وأن عودة اليهود مقدمة لعودة المسيح".
الخلاص الوحيد من الأزمة:
الخلاص الوحيد من هذه الأزمة هو الجهاد في سبيل الله تعالى، وهو وإن لم يكن ممكنًا في هذه الأيام إلا أننا يجب أن نعد الأمة للمعركة الفاصلة مع بني إسرائيل، وبما أن فكرة السلام هي فكرة نشاز عن عقيدة يهود وعما طبعوا عليه من الحقد والبغضاء، ففي أي وقت يمكن أن يتخلوا عنها ليعودوا إلى حلمهم الأول ببناء إسرائيل الكبرى!
وصدقت توقعات فضيلة الشيخ (سفر) فما كان يتوقعه بالأمس نرى بوادره في هذه الأيام.
بقي أن نقول إن إسرائيل تتحدث بلغة لا تستغلق إلا على الحمقى أو الخونة، فهي تريد الحرب ولا شيء غير الحرب، فلن تظل حبيسة للأرض التي تقول عنها التوراة إنها تفيض لبنًا وعسلاً بينما تفيض دول المنطقة نفطاً وذهباً.
إن أمامنا معركة فاصلة جاء بيانها في الكتاب والسنة: {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا . عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا...} [الإسراء:7-8]، ففي أي مرحلة يعودون سيعود عقاب الله تعالى.
وفي الحديث الصحيح: « » (رواه البخاري، ومسلم عن أبي هريرة).
وهذه المعركة لا يخوضها إلا من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، وسيتحقق على يديه النصر بإذن الله تعالى.
وفي نهاية الكتاب ذكر الشيخ مجموعة من الحلول العملية المهمة التي ينبغي على رجالات الصحوة أن يعوها ويعملوا بها وعليها أحيلكم.
قراءة سريعة في كتاب: (القدس بين الوعد الحق والوعد المفترى).
تأليف الشيخ الدكتور: سفر بن عبد الرحمن الحوالي
- التصنيف:
- المصدر: