إبراهيم عليه السلام وسهم الزمن (1)
إن معظم الأحداث التي تحدث حولنا لو صوّرتها وعكستها لتعرّفت على أي الاتجاهين هو الحقيقة! فلا يُعقل -مثلًا- أن ترى كوبًا متكسِّرًا في الأرض ثم يتجمّع ويعود سليمًا ثم يصعد إلى يدِّ امرأة كانت تقف في المطبخ!
تمهيد: معنى سهم الزمن:
إذا عرض عليك صديق فيلم فيديو فيه كرة بلياردو تسير بسرعةٍ متجهةً نحو حائط الطاولة بزاويةٍ معينة، ثم اصطدمت به وانعكست بزاويةٍ مثل التي جاءت بها، ثم بعد رؤيتك الفيلم قام صديقك بعكس اتجاه الفيلم بحيث أن بدأ بآخره وانتهى بأوله، فوجدت أنه عبارة عن كرة تنعكس ايضًا على جدار طاولة البلياردو لكن بترتيب معكوس -السقوط محل الانعكاس والانعكاس محل السقوط- فقط! ثم سألك:
لقد قمت بعرض لك فيلمًا وعكسه، وبالطبع يوجد واحد فيهما فقط هو ما حدث فعلًا، فهل يمكنك إخباري أيهما حدث فعلًا؟! الفيلم أم عكسه؟
ستُفكِّر وتجد أن عكس الفيلم مثل الفيلم تمامًا فيهما حدثٌ طبيعي يحدث كثيرًا وبالتالي فإنك لن تستطيع معرفة أي اتجاه للفيلم يُعبِّر عما حدث فعلًا...!
ثم جاء الصديق بفيلمٍ آخر وقال لك: حسنًا سنُعيد نفس التجربة وعليك أن تُميِّز -أو لا تُميِّز- أيهما حدث حقيقةً الفيلم أم عكسه؟
وكان الفيلم عبارة عن كرة بلياردو أيضًا كانت متجهة إلى مجموعة كرات مُصطفّة على شكل دائرة ثم اصطدمت بهم فتفرّقوا كل في اتجاهٍ مختلف. ثم عرض عليك الصديق نفس هذا الفيلم لكن منعكسًا فرأيت ما يلي: مجموعة من الكرات تأتي من اتجاهاتٍ مختلفة ثم تصطف مع بعضها البعض على هيئة دائرة وتخرج من بينهم كرةٌ واحدة ثم تبتعِد عن مجموعة الكرات.
ثم كرَّر السؤال: أي الاتجاهين هو ما حدث فعلًا في الحقيقة وتم تصويره؟
لا شك أنك في هذه المرة سترد بأن الاتجاه الأول هو الذي حدث، ثم تقول: بالتأكيد ما رأيته في الاتجاه الثاني يستحيل أن يحدث في الواقع.
"سهم الزمن"؟
حسنًا، إن معظم الأحداث التي تحدث حولنا لو صوّرتها وعكستها لتعرّفت على أي الاتجاهين هو الحقيقة! فلا يُعقل -مثلًا- أن ترى كوبًا متكسِّرًا في الأرض ثم يتجمّع ويعود سليمًا ثم يصعد إلى يدِّ امرأة كانت تقف في المطبخ!
بالتأكيد لن ترى هذا المشهد في حياتك العادية.. وهذا هو مفهوم "سهم الزمن".
رأي الفيزياء:
السؤال هنا هو: هل فعلًا مشهد الكوب المكسور هو مستحيل من حيث المبدأ؟
والجواب: هو أنه بالنظر إلى الزمن كبُعدٍ رابع مثله مثل الثلاثة أبعاد الآخرين -من حيث المبدأ- وذلك ما استنتجته نظرية النسبية: وهو أنك إن وجدت أي قانون طبيعي فيه الزمن مرفوع (لأس 2 مثلًا) والإدحاثي الفضائي مرفوع (لأس 3 مثلًا) فاعلم أن هذا القانون لا يتفق مع النسبية؛ لأنها تساوي بين كل الأبعاد. وكمثالٍ لهذا فإن النسخة النسبوية من معادلة "شرودنجر" مختلفة عن النسبة غير النسبوية بصدد رتبة مشتقات الدالة الموجية بالنسبة للإحداثيات الفضائية والزمنية. ففي النسخة النسبوية كل المشتقات لها نفس رتبة الاشتقاق وهي الرتبة الثانية.
أيضًا.. فإن قوانين الطبيعة متماثلة بالنسبة لاتجاه الزمن، بمعنى أنه على مستوى القوانين الأولية فإن كل حدثٍ إذا انعكس فإنه يَنطبِق عليه نفس مجموعة القوانين.
لكن ما معنى هذا؟! هل معنى هذا أن مشهد الكوب المكسور الذي ينصلح ثم يصعد إلى يدِّ المرأة لا يناقض قوانين الفيزياء؟
والإجابة -على قدر معرفتي- هي:
نعم! أي أن هذا المشهد لا يُخالِف قوانين الطبيعة، فإن رد قائل وقال بل يخالف القانون الثاني للديناميكا الحرارية ردِّد قائلًا: إن القانون الثاني للديناميكا الحرارية هو قانون إحصائي يَنطبِق على الحالة الكلية للنظام المُغلَق وليس قانونًا صارِمًا يَنطبِق في كل مكانٍ وكل لحظة!
لكن.. إن كان مشهد الكوب المكسور لا يخالف قوانين الطبيعة، فلماذا لا نراه؟
والإجابة على هذا: أن احتمالية حدثٍ كهذا هو غاية في الضآلة لدرجةٍ تقترب من الصفر جدًا جدًا! لكن الحدث ممكن من حيث المبدأ، أي لو كرَّرت المشهد عددٍ هائلٍ من المرات فمن المحتمل أن تجد المشهد مُنعكسًا في مرةٍ منهم!
حسنًا.. وبعد أن صدّعت رءوسكم نُكمِل في الجزء الثاني إن شاء الله.
أحمد كمال قاسم
كاتب إسلامي
- التصنيف: