رفقًا بعقيدتي يا أمي - (3) العامين الأولين
ما أجملَ أن تكونَ أول كلمات يتكلَّمُ بها طفلك هي كلمة التوحيد؛ حتى لو كانت ألفاظُه ركيكةً وغيرَ واضحةٍ بعدُ، فعن إبراهيمَ التيميِّ رحمه الله أنه قال: "كانوا يستحبُّون أولَ ما يُفصح -يعني الصبيَّ- أن يعلِّموه: لا إله إلا الله سبع مرات، فيكون ذلك أولَ ما يتكلَّمُ به" (رواه ابن أبي شيبة).
يعتبر أول عامين من عمر الطفل هما أهمَّ عامين في تنشئته وغرس القِيَم والأخلاق بداخله؛ ففي هذه المرحلة يقوم الطفل بمراقبة كل سكناتك وحركاتك، وتتخزن في عقله الباطن لاإراديًّا، ثم ما يلبس أن تظهر في أقواله وأفعاله فيما بعد.
لذلك من المهم وضعُ روتين يومي لذكر الله يعتاد عليه، ويصبح جزءًا لا يتجزَّأُ من حياته اليومية؛ لينشأ مُعتادًا على ذِكر الله، وكذلك من المهم الاهتمام بـ:
الدعاء لهم:
للدعاء أهميةٌ كبيرة في تنشئة الأولاد وتربيتِهم التربية الصالحة، وتذكَّري أن التربية طريقُها طويل يمتد لسنوات وسنوات، فلا تمَلَّي ولا تستعجلي، وعليكِ بالإلحاح في الدعاء، خاصة في أوقات الإجابة؛ فقد قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: « » (رواه الترمذي).
وكان مِن هَدْي النبيِّ صلى الله عليه وسلم كثرةُ الدعاء للأطفال؛ فقد رُوِي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: "دعا لي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن يؤتيَني الله الحكمة مرتين" (رواه الترمذي).
والأدعية للأطفال كثيرة ومتنوعة، منها على سبيل المثال لا الحصر:
"اللهم أعنِّي على تربية أولادي وتأديبهم؛ فإني لا أحسن التأديب".
"اللهم اجعَلْهم من عبادك الصالحين".
"اللهم استخدمهم ولا تستبدلهم".
"اللهم اجعَلْهم من أهل القرآنِ الذين هم أهلُك وخاصتك، واجعل خُلُقَهم القرآن".
القدوة الصالحة:
للقدوة الصالحة عاملٌ كبير في صلاح الأولاد، وأعْني بالقدوة هنا: الوالدين. فعن الفضيل بن عياض رحمه الله أنه قال: "رأى مالكُ بن دينار رجلاً يُسيء صلاتَه، فقال: "ما أرحَمَني بعياله!"، فقيل له: "يا أبا يحيى، يُسيء هذا صلاتَه وترحَمُ عياله؟"، قال: "إنه كبيرُهم، ومنه يتعلَّمون"" (رواه أبو نعيمٍ في الحلية)
تلاوة القرآن:
بعد أن تعوِّدي طفلكِ على الاستماع لكتاب الله وهو جنين في أحشائكِ، حان الوقت أن يستمعَ إليه بأصواتٍ متعددة - كصوتِ والده أو أحد المُقرِئين المتقنين ليزداد ألفة مع كلماتِ كتاب الله عز وجل، فينشأ متعلِّقًا بكتابِ الله؛ مما يُسَهِّل عليه حفظ القرآن فيما بعد بعونِ الله.
تعويذُه من الشيطان صباحًا ومساءً:
فعن ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما قال: كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يُعوِّذ الحسَنَ والحُسَين: « » (رواه البخاري).
الأذكار:
في تلك المرحلة من العمر، يفضِّل الطفلُ وجود روتين يومي يعتادُه ويتعرَّف عليه، بحيث يكون هناك وقتٌ محدَّد لكل ذِكر؛ حتى يسهُلَ عليه حِفظُه، ومن أمثلة ذلك: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا استيقَظ مِن النوم: « » (رواه مسلم)، وإذا ذهب للنوم قال: « » (رواه مسلم).
وكذلك في وقتِ الأكل والشُّرب (أو الرضاعة): فقد قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: « » رواه الترمذي)، وكان يقولُ بعد الأكل: « » (رواه الترمذي).
وقد قال في العُطاس: « » رواه البخاري).
وعند المرض يحبَّذُ أن تضعي يديكِ على موضع الألم؛ ليشعُرَ طفلُك بقُربك منه، فيستشعر الأمان، مع الدعاءِ له بالشفاء، فعن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: « » رواه الترمذي).
وكذلك ترديد الأذان؛ لقولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: « » رواه البخاري ومسلم)، وبعد الأذان تدعين بدعاءِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: « » رواه البخاري)، ثم الدعاء بما يفتح اللهُ عليكِ لنفسك وأهلك؛ فقد رُوِي عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: « » رواه الترمذي).
ثم المسارعة إلى الصلاةِ في أول وقتها.
تلقينه التوحيدَ:
ما أجملَ أن تكونَ أول كلمات يتكلَّمُ بها طفلك هي كلمة التوحيد؛ حتى لو كانت ألفاظُه ركيكةً وغيرَ واضحةٍ بعدُ، فعن إبراهيمَ التيميِّ رحمه الله أنه قال: "كانوا يستحبُّون أولَ ما يُفصح -يعني الصبيَّ- أن يعلِّموه: لا إله إلا الله سبع مرات، فيكون ذلك أولَ ما يتكلَّمُ به" (رواه ابن أبي شيبة).
وعن إسحاقَ بن عبدِالله عن جدَّتِه أمِّ سُلَيم أنها آمنَتْ برسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: "فجاء أبو أنس -وكان غائبًا- فقال: "أصبَوْتِ؟"، قالت: "ما صبوتُ، ولكني آمنتُ بهذا الرجل"، قالت: "فجعلَتْ تلقِّنُ أنَسًا، وتشيرُ إليه: قُل: لا إله إلا اللهُ، قل: أشهد أن محمَّدًا رسولُ الله"، قال: "ففعَل"، قال: "فيقول لها أبوه: لا تُفسِدي علَيَّ ابني"، فتقول: "إني لا أُفسِده"، قال: "فخرَج مالك أبو أنس فلقيه عدوٌّ فقتَله، فلما بلغها قتلُه"، قالت: "لا جرَمَ، لا أفطِمُ أنَسًا حتى يدَعَ الثدي حيًّا" (لطبقات الكبرى لابن سعد).
حبُّ الله ورسوله:
ردِّدي على مسامعه دائمًا مدَى حبِّك لله ولرسولِه؛ فالله: الرازق، الجبار، السميع، البصير، الغفور، الشكور.
وأَثْنِي على الله دائمًا واشكُريه أمام طفلِك قائلةً: "الحمد لله الذي رزَقنا الطعامَ والشراب"، "الحمد لله الذي كسانا ورزَقنا المسكَنَ"، "الحمد لله الذي حفِظ صحتَنا". فقد قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: « » (رواه مسلم).
وسيكون أجمل لو تعوَّد على رؤيتك تسجُدينَ شكرًا لله كلما رُزقتِ نعمةً؛ فعن النبيِّ صلى الله عليه وسلم: « » رواه أبو داود)، وأبسطُ مثال يفهمه طفلُك هو حينما يُحضِر والده قطعةَ حَلوى، أو لعبة جميلة، فتُصفِّقين وتُظهرين فرَحَك، وتقولين: "الحمد لله، الحمد لله"، ثم تخرِّين للأرض ساجدةً سجدةً تشكرين فيها الله، فينشأ طفلك متعلقًا بالله، وحامدًا له على جميع نعمه.
يتبع بعون الله.
سوزان بنت مصطفى بخيت
كاتبة مصرية