لقاء أسري لحل المشكلات

منذ 2014-11-18

وجود مشكلات داخل الأسرة أمر تحتمه طبيعة تداخل العلاقة وديمومتها واختلاف السمات الشخصية لأطرافها، وكما تؤثر هذه المشكلات في أطراف العلاقة بشكلٍ مباشر وغير مباشر؛ فإن حلها ومعالجتها قد يتطلب مشاركة أطراف العلاقة، كما قد يتطلب أن يحصل هؤلاء على مهاراتٍ تمكنهم من حل المشكلات المختلفة والمشكلات الأسرية على وجه الخصوص.

قال تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ} [البلد:4]، يقول الطبري في تفسير الآية الكريمة: "لقد خلقنا ابن آدم في شدة وعناء ونصب"، فهذه هي سنة الله في الحياة الدنيا أنها دار عناء وابتلاء واصطفاء لرفع الدرجات، ولما كانت الأسرة هي أول جماعة يتفاعل معها الفرد، وتتميز الروابط داخلها بخصوصيتها وديمومتها وملازمتها لجوانب شخصية الفرد وتأثيرها عليه، كان لها نصيب من هذا العناء والكبد.

فوجود مشكلات داخل الأسرة أمر تحتمه طبيعة تداخل العلاقة وديمومتها واختلاف السمات الشخصية لأطرافها، وكما تؤثر هذه المشكلات في أطراف العلاقة بشكلٍ مباشر وغير مباشر؛ فإن حلها ومعالجتها قد يتطلب مشاركة أطراف العلاقة، كما قد يتطلب أن يحصل هؤلاء على مهاراتٍ تمكنهم من حل المشكلات المختلفة والمشكلات الأسرية على وجه الخصوص.

وحتى يتم ذلك لا بد أن يسعى الوالدين لتعلم وممارسة مهارات حل المشكلات وتعليمها للأبناء.

ويمكن لذلك أن يتم من خلال لقاء تعقده الأسرة بهدف مناقشة مشكلة مشتركة، وحتى يحقق هذا اللقاء النتائج المرجوة منه؛ فإنه بحاجةٍ لبعض الخطوات والترتيبات التي يمكن أن تسهم في نجاحه، ومن ذلك:

1- الهدف من اللقاء:

إذا كان الهدف المُعلَن من اللقاء هو طرح مشكلة تتطلب مناقشة جماعية فإن للقاء أهداف وغايات أخرى تتمثل في تدعيم التماسك الأسري من خلال زيادة التواصل اللفظي والعقلي والعاطفي بين أفراد الأسرة، والمشاركة الفكرية في عرض المشكلات واكتساب مهارات التفكير السليم والتخطيط لحل هذه المشكلات، ومن ثم زيادة ثقة أفراد الأسرة في ذاتهم وفي قدرتهم على اتخاذ القرارات بصورة جماعية، مما يجعل هذه القرارات أكثر منطقية وقبولًا، كما يمكن أن تُعتبر هذه اللقاءات وسيلة للتربية والإرشاد وإكساب القيم والمبادئ من خلال الحوار والموعظة والقصة، والتربية بالأحداث.

2- تهيئة الجو المناسب:

حتى تنجح الأسرة في حل مشكلاتها لا بد من توافر جو مناسب لمناقشة المشكلة، ويقصد بالجو المناسب أن تتوافر العوامل المادية والمعنوية التي تسهم في الاستقرار والراحة النفسية، فيتم اختيار وقت مناسب لجميع أفراد الأسرة ومكان يتصف بالهدوء والراحة، ولا يشترط أن يكون المكان داخل المنزل، فقد يكون من المناسب مناقشة مشكلة تمر بها الأسرة في أحد المنتزهات الهادئة. وهذا وحده قد يقطع نصف الطريق إلى حل المشكلة، حين تخرج الأسرة من جو التوتر إلى جو به نوع من الترفيه.

3- التمهيد:

يتم التمهيد للحوار بالحديث عن أهمية التماسك الأسري وحاجة  أفراد الأسرة لبعضهم البعض، وأن المشكلات تظل أمور اعتيادية وعابرة ويجب تجاوزها، وربما يكون من المناسب عمل عرض سريع لأحد المشكلات السابقة التي مرت بها الأسرة وكيف تم التغلب عليها والاستفادة من نتائجها، والحرص على إيراد الآيات والأحاديث التي تحث على التشاور والترابط، نحو قوله تعالى: {وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} [الشورى:38].

وحديث الرسول صلى الله عليه وسلم: «‏‏مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا ‏ ‏اشتكى ‏ ‏منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى» (رواه مسلم).

4- ما هي المشكلة؟!

يتم تحديد المشكلة من خلال إتاحة الفرصة لجميع الأطراف للحديث بحُريةٍ عن المشكلة وسماع وجهات النظر المختلفة وحث الآخرين على الاستماع، ثم إعطاء ملخص لكل فكرة تم عرضها وتوضيح اختلاف وجهات النظر؛ حتى يعتاد أفراد الأسرة على الاستماع لوجهات النظر المختلفة ويدركون أن المشكلة غالبًا ما تحمل أكثر من وجه.
ولا بد هنا من الحرص على عدم توجيه اللوم لأي طرف من الأطراف، والتأكيد على أهمية الحديث عن المواقف ووصفها وليس وجهة النظر حول الأشخاص. ثم يتم الاتفاق على تحديد للمشكلة يتفق عليه معظم الأطراف.

5- كيف يمكن أن تحل هذه المشكلة؟

وكما تم السماح بعرض التصور حول المشكلة يتم إتاحة الفرصة لعرض الآراء حول كيفية حل المشكلة، والخطط المقترحة، ولا يتم مناقشة أي خطة أو نقدها إلا بعد الانتهاء من عرض الآراء والخطط المختلفة.

6- ماذا يمكن أن نختار؟

بعد مناقشة الخطط والاستماع للآراء المختلفة، يتم تحديد نسبة نجاح كل خطة، وما إذا كان من الممكن إتباع أكثر من خطة، أو دمج الخطط والخروج بخطةٍ متكاملة، ومن المهم هنا أن يشعر كل فرد أنه قد ساهم في وضع خطة حل المشكلة، حتى وإن تم تعديل الفكرة الرئيسية لصاحب الخطة، مع الحرص على وجود خطوات بديلة.
ويتم في النهاية ترتيب الخطوات والخروج بخطة يمكن أن ترضي معظم الأطراف.

7- التنفيذ:

يتم العمل على تنفيذ الخطة بعد شرح وتوضيح دور كل طرف في المعالجة، والتأكيد على أن نجاح الخطة مرتبط بمدى الالتزام بتنفيذ الخطوات المرسومة.

8- التقييم:

يتم تقييم خطوات تنفيذ الخطة، ونتائجها ومدى رضا الأطراف عن هذه النتائج.

9- تكرار الخطوات:

إذا اتضح أن النتائج لم ترضي معظم الأطراف؛ فمن المناسب تكرار الخطوات السابقة، والوصول لخطة أخرى وتنفيذها.

تحتاج الأسرة أن تبدأ في تعلُّم وتنفيذ مهارات حل المشكلات ولا تنتظر حدوث مشكلة، فيتم عرض مشكلة بسيطة أو تناول اقتراح مثل: أن يختار أفراد الأسرة بين الذهاب للأقارب أو الخروج للنزهة، عمل حفلة للنجاح أو الاكتفاء بشراء الهدايا.. وهكذا، ويبدؤوا في تنفيذ الخطوات السابقة.

وفي النهاية.. فليتذكر أفراد الأسرة أن المشكلة الأسرية يمكن أن تُمثِّل أزمةً وبؤرةً للنزاع والتشاحن، كما يمكن أن تُمثِّل فرصة للتواصل وزيادة الشعور بالحب والتماسك الأسري.
 


أميرة أحمد عبيد