عبد العظيم المطعني في رحاب الله

منذ 2008-08-06

فقدت الأمة منذ أيام قلائل عالما جليلا من أخلص رجالها وأكثرهم بلاءا في الدفاع عن حرماتها، وأيضا أكثرهم تواضعا وتعففا عن الكثير مما يشتهيه آخرون ويلهثون خلفه.

رحل عنا العالم الجليل الدكتور عبد العظيم المطعني، بقية الخير في علماء الأزهر، وأستاذ البلاغة، والعالم الموسوعي، والكاتب الصحفي أيضا، الذي بدأ رحلته في الشأن العام بالكتابة الصحفية، بدءا من الأهرام ومرورا بالنور وآفاق عربية وانتهاءا بصحيفة المساء حيث كان يكتب في رمضان من كل عام مقالا يوميا.

كما وهب المكتبة العربية العديد من الكتب التي تمثل مرجعا في بابها مثل كتابه (الجامع) في دفع الشبهات المثارة حول السنة النبوية، وكتابه (الإسلام في مواجهة الايديولوجيات المعاصرة)، إضافة إلى كتبه عن بلاغة القرآن والمجاز في القرآن.

المطعني من ذلك الجيل الذي كان موسوعيا بمعنى الكلمة في معرفته بتراث الإسلام واللغة والأدب والفقه والتفسير والتاريخ، ولذلك أتت كتاباته شديدة التنوع، كما أن خبرته في الكتابة الصحفية والاشتغال بقضايا الشأن العام مبكرا جعل له حضورا كبيرا في الفكر الإسلامي المعاصر بذكاء من يعرف خلفيات الصورة والأحداث و"الخنادق" الفكرية، حيث اشتبك في معارك فكرية كبيرة مع الأفكار "المستوردة" كان فيها قوي الحجة نافذ النظرة، يعرف خلفيات من ينتقده وتاريخه ومراوغاته.

لم يكن أزهريا تقليديا، بل كان شديد الانفتاح، كذلك كان الرجل جريئا في تصديه للأفكار والمشروعات والقوانين التي يرى أنها تمثل خطورة على مستقبل الأمة، أو أنها تمثل طعنا في ثوابت الدين، مهما كانت العواقب، ومهما كان أصحاب المشروع المقدم نفوذا وهيمنة، وقد تصدى ـ في هذا المجال ـ لقوانين المرأة وقوانين الطفل التي تقدمت بها السيدة سوزان حرم رئيس الجمهورية خلال السنوات الأخيرة، وفندها بقوة وهاجمها بضراوة في أكثر من صحيفة وأكثر من موقع، وكان نقده لهذه المشروعات يمثل النقد الأكثر شمولا وأهمية وتأثيرا، لأنه لا يدخل من الباب الشرعي وحده، بل يمزجه بخبرة التاريخ وتطورات رحلة التآمر على الأسرة المسلمة من قوى أجنبية عديدة.

ولذلك عاش الرجل ومات وهو بعيد تماما عن أي مغانم سلطوية، أبعدوه عن أي منصب أو مركز رغم أن بعض من تولى المناصب الكبيرة كان لا يرقى لمرتبة تلميذه، غير أن حضوره وقوة حجته وسلاسة بيانه وبلاغته وجاذبية منطقه جعلته مقصدا للعديد من الصحف والمجلات لاستكتابه في مصر والعالم العربي، وكذلك لإذاعة القرآن الكريم، حيث كانت له أحاديث غاية في الروعة واليسر والعمق معا.

وكان الرجل زاهدا في تلكم المناصب بالفعل، ولم أشعر يوما التقيته فيه أن بداخله غصة من هذا الإبعاد، كان مشغولا بالانتاج الفكري، والكتابة، والعطاء، والاشتباك مع قضايا الواقع بهمة وحماسة من يرى أنه في ميدان، وأنه يجاهد بالفعل.

شرفنا بالكتابة في مجلة المنار الجديد في أكثر من مقال ودراسة رصينة، كما تشرفت بالحوار معه في حلقة أو اثنتين على ما أذكر من برنامج (قضية وكتاب) الذي كنت أقدمه في قناة اقرأ الفضائية قبل حوالي عشر سنوات، كما تعلمت واستفدت من كتاباته ومقالاته.

وكان الرجل شديد التواضع، لا يحاول أن يبدو معك كعالم كبير أو شخصية ذات هيبة، إلا هيبة العلم والفكر و صفاء القلب، وكان من النوع الذي يخجلك بالفعل في تواضعه، كما كان هذا التواضع سمته في بيته ومسكنه وفي ملبسه وشأنه كله، رحمه الله.

جمال سلطان
gamal@almesryoon.com
المصريون








المصدر: جريدة المصريون