الجبر والاختيار، عقيدة وعمل
إن قضية الجبر والاختيار يجب أن ينظر لها بمنظار أشمل لا سيما إذا بحثناها بالنسبة للإنسان المسلم.
تقدمة:
إن قضية الجبر والاختيار يجب أن ينظر لها بمنظار أشمل لا سيما إذا بحثناها بالنسبة للإنسان المسلم.
إن التقسيم الأشهر والذي أعتبره غير دقيق إلى حدٍ ما هو:
أ- الإنسان مخير.
ب- الإنسان مسير.
وغالبًا ما يلجأ الجبرية إلى الحل الثاني، وهذا خطأ محض في نظري، ويلجأ ما عداهم إلى الحل الأول بشكل من الأشكال أو قد يجمعون الحلين الأول والثاني بشكل آخر. ونحن في بحثنا المختصر هنا نميل إلى الجمع بين الحلين معًا مع التشديد بأنه ليس معنى ذلك هو التسيير بأي شكل من الأشكال في الإرادة، فالإنسان مخير 100% في إرادته الحرة وإنما يأتي تأويل مقصدي فيما يلي:
صور الجبر في حياة الإنسان:
إن مكان الجبر في حياة الإنسان هو بمنأى تمامًا عن إرادته الحرة، ولكن قد يكون في أشياء لن يُحاسب عليها كخضوع حياته بشكل عام للقوانين الفيزيائية على سبيل المثال، وكخضوعه لجهازه اللاإرادي كمثال آخر.
1- دور قوانين الفيزياء الكلاسيكية في الحياة:
إننا نعلم أن الأجسام ككل تخضع لقوانين الفيزياء كما هو في حالة إلقاء شخص حيٍ من مكان عالٍ، نجد أنه مهما حرك هذا الشخص أعضاءه تبعًا لإرادته الحرة أثناء سقوطه، إلا أن مسار مركز ثقله لا يحيد أبدًا عما نصه نيوتن في القوانين المنسوبة إليه، وهذا المسار يحدث سواء رضي هذا الشخص أم أبى.
الأمر الثاني أن أبعاض الجسد البشري يخضع كل منها على انفراد لقوانين الفيزياء إذا أن الساعد مثلًا لو أثرت عليه قوة سارية في الذراع، بغض الطرف عن مصدر هذه القوة الآن، لتحرك حسب قوانين الديناميكا التي اكتشفها الإنسان.
2- دور الجهاز اللاإرادي في الجسم البشري:
من رحمة الله بنا أنه لم يترك للإنسان على اختلاف علمه وثقافته ووعيه وصحته ومرضه، أن يترك له أمر تشغيل القلب والتنفس والهضم وحرق السكريات وتحويلها من طاقة حبيسة إلى طاقة حرة يمكن الاستفادة منها.
والمتأمل في البندين 1، 2 يجد أن هذه كلها أنواع من الجبر ولكن يجب أن نلاحظ نقطة هامة:
- أن أية إجبار أو تسيير في حياة الإنسان لا يكون الإنسان مُحَاسب عليه لا بالثواب ولا بالعقاب.
3- التأثير الجيني في ردود الأفعال الفكرية للشخص على ما يتعرض له من ظروف:
إن الحيوان يمكن القول بأن تصرفاته (رد فعله على فعل معين أو حدث معين) لها علاقة مباشرة بأشياء وهي:
أ- الوراثة عن طريق الجينات.
ب- التاريخ الحيوي للحيوان من لحظة تكون النطفة إلى لحظة الحدث الذي هو بصدد إبداء رد الفعل تجاهه.
ج- الفعل أو الحدث الذي تعرض له الحيوان.
أما الإنسان فله ثلاثة عوامل تتحكم في مشاعره حيال الفعل أو الحدث وهم كما في حالة الحيوان:
أ- الوراثة عن طريق الجينات.
ب- التاريخ الحيوي للإنسان من لحظة تكون النطفة إلى لحظة الحدث الذي هو بصدد إبداء رد الفعل تجاهه.
ج- الفعل أو الحدث الذي تعرض له الإنسان.
وعامل آخر هو الذي يحدد التصرف الذي سيرد به على الحدث أو الفعل:
د- العقل، واختياره بحرية إرادته، الفريدة عن الحيوان، تصرفًا من التصرفات المتاحة.
وبالتالي فالإنسان، إذا انتكس لدرجة الحيوان استوفى الثلاثة شروط الأولى فقط وأهمل مزية العقل، وبالتالي الشرط الأخير، أصبح مُسيرًا وسيحاسبه الله على هذا (التسيير المُختار) لأنه هو من ارتضى أن يعطلَ عقلَه ويصبحَ كالحيوان.
الاختيار في إرادة الإنسان:
أما إذا قدر نعمة العقل التي وهبها الله له، فإنه في هذه الحال يصبح مخيرًا.
التخيير في حياة المسلم:
إن التخيير في حياة المسلم ينقسم لثلاثة أنواع:
1- التخيير المنضبط، وفيه يكون الإنسان المسلم قادرًا على الخروج عن إطار الشريعة الإسلامية فهو مخير، ولكنه في الآن ذاته منضبط بحرية إرادته على تعاليم الشريعة، ويكون في هذه الحالة مطيعًا، ويلقى حسابه ثوابًا في الدنيا و الآخرة.
2- التخيير الغير المنضبط، وفيه يخرج الإنسان المسلم عن إطار الشريعة الإسلامية بإرادته الحرة، ويكون في هذه الحالة آثمًا، ويلقى حسابه عذابًا في الدنيا أو الآخرة أو كليهما إن لم يتب قبل غرغرته.
3- التخيير المطلق المباح، وهو يقع في دائرة الإباحة، وفيه يكون الإنسان المسلم حرًا تمامًا حريةً غير آثم فيها بل مثابٌ فيها على الراجح إن كان يضع في ذهنه نية إباحة ما يريده بإرادته الحرة في ظل الشريعة الإسلامية.
الخلاصة:
1- الإنسان له إرادةُ حرة تمامًا.
2- الإنسان مجبرٌ فقط في بعض الأشياء البعيدة عن الإرادة، والتي لا يمكن أن يتركها الله لحرية إرادته وإلا فسد حاله، كنظام جسمه الداخلى وكخضوع جسده بالكلية لقوانين الطبيعة وهذا من رحمة الله بنا.
3- ولكن الإنسان المستمسك بإنسانيته هو مخيرٌ تمامًا ولا شك في قدرته على اتخاذ قراره، وهذا هو قوام التكليف والاختبار الذي يخضع الإنسان له في الدنيا بشأن ما كلفه الله به من عمل.
والله أعلم.
أحمد كمال قاسم
كاتب إسلامي
- التصنيف: