الإسلام وصلاة الكون.

منذ 2014-12-08

فإنها تكون حصنًا، وتقوية لروحه؛ ضد العدوى بأي من أمراض الدنيا، والهوى والنفس والشيطان، فيحسُن إسلامه دائمًا، ويكون في أبهى حُلة

إن أيسر التعريفات وأبلغها لدين الإسلام هو الاستسلام التام لله رب العالمين، وذلك بطاعة أوامره، واجتناب

نواهيه، وقد استسلم الكون كله لله سبحانه طوعًا عندما خيره أن ينفذ ما هو مطلوب منه طوعًا أم كرهًا، قال تعالى:

{ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} [فصلت: ١١].

فإن السماوات والأرض اختارتا أن يعبدا ربهما طوعًا، والتزمتا بذلك مع ربهما، فهما إذًا في طاعةٍ منذ تخييرهما حتى الآن، هم في صلاةٍ خاشعةٍ مستمرةٍ لا تنقطع.

الإسلام وصلاة الإنسان:

ولكن الأمر مختلف إلى حد بعيد مع الإنسان، فهو لم يلتزم بدايةً بالطاعة التامة كالسماوات والأرض، وحمل أمانةً ثقيلة، وهي أمانة عبادة الله في حرية كاملة، وسط شهوات الدنيا، وغواية النفس، فليس دور الإنسان إذًا هو الصلاة الدائمة كالكون الذي يضمه، ولكن دوره العبادة الدائمة بمفهوم العبادة الشامل، وذلك مع حريته الكاملة في القيام أو عدم القيام بهذه العبادة، إلا أن عدم القيام بها هو على مسئوليته الكاملة، يتحمل تبعاته يوم البعث.

قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ. مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ. إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ، فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوبًا مِّثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ فَلَا يَسْتَعْجِلُونِ. فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِن يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ} [الذاريات: 56-60]

الصلاة غذاء استسلام المسلم:

إلا أنه بالتأمل في دين الإسلام، نجد أن فريضة الصلاة هي أكثر الفرائض التي لا تصح إلا بالتزام هيئات معينة؛يكون فيها الإنسان خاشعًا لله، وكأنه قطعة متجانسة متناغمة مع الكون، حتى أنك تجد منظرًا مُبهجًا في صلاة الجماعة، وهو الطاعة الجماعية لهؤلاء المسلمين لله ربهم، بل واشتراكهم مع جماعة أخرى أعظم وأكبر، وهي جماعة ذرات الكون في صلاتهم لله بكامل الاستسلام والخشوع.

فمن يتأمل في الصلاة يجدها كالغذاء؛ الذي لا بد من تناوله خمس مرات في اليوم، وإلا ضعفت روح الاستسلام في قلب المسلم، وهزلت، هذا الغذاء اسميه (غذاء الاستسلام لله)، من يحافظ عليه في موعده يأخذ جرعة استسلامية مكثفة في كل مرة يصلي فيها بخشوع، هذه الجرعة تحافظ على روح الاستسلام لله في دمه، وروحه، إلى أن تأتي الصلاة التالية، فيأخذ الإنسان جرعة أخرى في موعدها {كِتَابًا مَّوْقُوتًا} [النساء: 103] ليواصل استسلامه في الحياة لله رب العالمين، الاستسلام الذي هو روح الإسلام وقلبه النابض، ولذلك جُعلت الصلاة عماد الدين، وأساسه، لأنها هي الغذاء، بل الدواء، الذي يحافظ على إسلام الإنسان من المرض والوهن.

 

والدليل أن الصلاة تقي الإنسان من الخروج عن الاستسلام لله قوله تعالى؛ {اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّـهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} [العنكبوت: ٤٥].

فإنها تكون حصنًا، وتقوية لروحه؛ ضد العدوى بأي من أمراض الدنيا، والهوى والنفس والشيطان، فيحسُن إسلامه دائمًا، ويكون في أبهى حُلة.

- الخلاصة:

لنحافظ على الصلاة بخشوع كامل، حتى نتناغم مع ما في الكون جميعًا؛ من ذرات ومجرات في صلاتنا جماعةً لله عزو وجل، وحتى تظل الصلاة سياجًا قويًا يحمي إسلامنا واستسلامنا لله من أي ضعف نتيجة فتن الدنيا.

والله أعلم.

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

أحمد كمال قاسم

كاتب إسلامي