مسؤول كبير!

منذ 2014-12-13

من المفاهيم المغلوطة عند كثير من الناس، حتى المثقفين منهم، أنهم يقولون عن رئيس أو وزير أو مدير أو أي ذي منصب كبير أو مهم أنه مسؤول كبير! أو أن فلانا مسؤول أكبر من فلان! والحقيقة أن الحقيقة مقلوبة لغويًّا ومعنويًّا، فلم يدرِ هؤلاء أن مسؤول اسم مفعـــــول وليس اسم فاعـــــل!! 

من المفاهيم المغلوطة عند كثير من الناس، حتى المثقفين منهم، أنهم يقولون عن رئيس أو وزير أو مدير أو أي ذي منصب كبير أو مهم: إنه مسؤول كبير! أو أن فلانًا مسؤول أكبر من فلان!
ويقولهذا (المسؤول) لـ(لخدم والعُمَّال:) كيف تخالف أمري وأنا مسؤول (عليك)؟!
فهو يظن أن مقتضى كونه مسؤولاً أن يكون هو القائــل والفــاعل أو هو القئول الفعــول.
ويقول (حُـسَّادُهُ وخصومه!) فلان طالب مسؤولية، ويريد أن يكون مسؤولا! (أَدّ الدنيا) على لهجتنا المصرية.

والحقيقة أن الحقيقة مقلوبة لغويًّا ومعنويًّا، فلم يدرِ هؤلاء أن مسؤول اسم مفعـــــول وليس اسم فاعـــــل!! 
فهو مسؤول كثيرًا، وليس كبيرًا، وهو مسؤول (عـــن) وليس (عـــلى) العمال والخدم! والعمَّال والخدم أيضًا مسؤولون عنه لا عليه. فهو لا يرد أن يكون مسؤولاً محاسَباً، وإنما يريد أن يكون سائلاً محاسِباً.

وفي الحديث: «كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، والإمام راع وهو مسئول، والرجل راع على أهله وهو مسئول، والمرأة راعية على بيت زوجها وهى مسئولة، والعبد راع على مال سيده وهو مسئول عنه، ألا فكلكم راع وكلكم مسئول» (متفق على صحته).

قال ابن حجر: «وهو مسئول»: "لأن الظاهر أنه يسأل هل جاوز ما أمره به أو وقف عنده"، وقال ابن بطال في شرح البخاري:" كل من جعله الله أميناً على شيء، فواجب عليه أداء النصيحة فيه، وبذل الجهد في حفظه ورعايته؛ لأنه لا يسأل عن رعيته إلا من يلزمه القيام بالنظر لها وصلاح أمرها"، وقال أيضا:" فمن ضيع من استرعاه الله أمرهم أو خانهم أو ظلمهم؛ فقد توجه إليه الطلب بمظالم العباد يوم القيامة فكيف يقدر على التحلل من ظلم أمة عظيمة؟ وهذا الحديث بيان وعيد شديد على أئمة الجور.

«وكلكم مسؤول عن رعيته» أي: سوف يُسأل ويحاسب عن النقير والقطمير؛ عن القليل والكثير، وعن الصغير والكبير،"، وقال المناوي في فيض القدير:" (كل راع مسؤول عن رعيته) أي كل حافظ لشئ يسأله الله عنه يوم القيامة هل أصلح ما تحت نظره وقام بحقوقه أم لا. "[المناوي؛ فيض القدير، 5/ 20]، وقال أيضًا: "(وكل) راع (مسؤول عن رعيته) في الآخرة فكل من كان تحت نظره شيء فهو مطلوب بالعدل فيه والقيام بمصالحه في دينه ودنياه ومتعلقات ذلك؛ فإن وَفَّي ما عليه من الرعاية حصل له الحظ الأوفر والجزاء الأكبر، وإلا طالبه كل أحد من رعيته بحقه في الآخرة «فالإمام» أي الأعظم أو نائبه في رواية فالأمير «راع»  فيمن ولي عليهم يقيم الحدود والأحكام على سنن الشرع ويحفظ الشرائع ويحمي البيضة ويجاهد العدو «وهو مسؤول عن رعيته» هل راعى حقوقهم أو لا «والرجل راع في أهله» زوجة وغيرها «وهو مسؤول عن رعيته» هل وفاهم حقوقهم من نحو نفقة وكسوة وحسن عشرة «والمرأة راعية في بيت زوجها» بحسن تدبيرها في المعيشة والنصح له والشفقة عليه والأمانة في ماله وحفظ عياله وأضيافه ونفسها «وهي مسؤولة عن رعيتها» هل قامت بما يجب عليها ونصحت في التدبير أو لا فإذا أدخل الرجل قوته بيته فالمرأة أمينة عليه".

لو تدبرها قومٌ لتمنَّوا أنْ لو لم يكون رعاة حتى على أنفسهم، ولَوَدُّوا أنْ لو كانوا أمانة عند غيرهم كالصبيان، لأنهم عَرفوا أن المسؤول مفعول وليس فاعلاً... وعرفوا أنه مسؤول عن رعيته وليس مسؤولاً عليهم، وأنه مسؤول كثيرًا وليس كبيرًا.

والذي أردته التذكير بأن كلمة مسؤولية فُهِمت على غير وجهها، ولو علم أو تذكَّر طلاب الكراسي والتحكم في الرقاب أن مسؤول معناه محاسب وربما معاقب، إلا من رحم اللهُ، فلو علموا ذلك وتذكَّروه لتركوا طلبها، بل ولتدافعوها وفرُّوا منها كما كان العارفون بالله من السلف الصالح-رحمهم الله ورضي عنهم-. 

وهذا الأمر يتعلق بالرعاية والولاية والرئاسة والإمارة ... لا بالمسؤولية بمفهومها السُّلْطَوي.

ومجموعة السلطات من الرعاية والولاية ونحوها عامة كانت أو خاصة، هي من الأحكام التكليفية، وقد تنتابها الأحكام الخمسة، من إيجاب واستحباب وإباحة وتكريه وتحريم.. والممارسة في هذا النطاق هي التي يترتب عليها السؤال والجواب... وعندها يـُطلب من المسؤول أن يجيب عن السؤال..

وعليه، لا ينجو من السؤال أحدٌ إلا من لم يكن مكلفًا شرعًا، فأقل ما يُسأل عنه المرء نفسه التي بين جنبيه، فإنه مسؤول عنها، لأنه هو الراعي لها، كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} [التحريم:6]، وقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [المائدة: 105].

وعن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تزول قدم ابن آدم يوم القيامة من عند ربه حتى يسأل عن خمس عن عمره فيم أفناه وعن شبابه فيم أبلاه وماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه وماذا عمل فيما علم» (الترمذي؛ السنن، رقم:[2416]).

فحتى لو لم يكن أحد من الناس راعيًا ولا لأحد من البشر وليس متأمراً ولو على اثنين من الناس، -يعني ليس مسؤولا عن أحد على التعبير الشائع- فإنه عندئذ يُسأل عن نفسه هو وماله وجسده...
فضلاً عن أن يُسأل عن أسرته، ويُسأل عن جيرانه الذين لم يؤدِّ حقوقهم، وأعظمها إذا قصَّر في دلالتهم على الهدي والدين، أو قصَّر فيمن لقيهم من أهل الملل الأخرى، ولم يسْعَ في دعوتهم وهدايتهم إلى الإسلام، أو ضيَّع فرصة في سفر ولم يؤدَّ حق النصح والإرشاد أو العون والمساعدة لرفقائه أو لمن نزل بجوارهم.. وقد ورد عن بعض السلف رحمهم الله: "إن العبدَ لـيُسأَل عن صحبة ساعة" يا ألله! صحبة ساعة في حافلة أو قطار أو طابور!!
فكيف بصحبة الحياة مع الأزواج والأولاد والآباء والأمهات وجيران المقامة والظعينة؟!

 

أبو محمد بن عبد الله

باحث وكاتب شرعي ماجستير في الدراسات الإسلامية من كلية الإمام الأوزاعي/ بيروت يحضر الدكتوراه بها كذلك. أستاذ مدرس، ويتابع قضايا الأمة، ويعمل على تنوير المسيرة وتصحيح المفاهيم، على منهج وسطي غير متطرف ولا متميع.