الرحلات ... وسيلة دعوية .. فكيف نستفيد منها !

منذ 2014-12-22

والرحلات كأسلوب من أساليب الدعوة وسيلة ناجحة، فهي طريق للقلب المعنّى ليبث فيها الراحل أشجانه وهمومه ويفتح فيها قلبه ومكتوم أسراره، فجدير بالمربين المخلصين أن لا يفوّتوا مثل هذه السانحة، لذلك يجدر أن نذكر ببعض المهام والأمور التي تخدم هذه الوسيلة الدعوية الناجحة فنكون أقرب للاستفادة منها.

الرحلات شيء محبب للنفوس، ففي الرحلات أُنسٌ بالصديق، وتفريج للضيق، وكسب للمهارات والخبرات، وفوز بالسبق إلى الخيرات.

والرحلات كأسلوب من أساليب الدعوة وسيلة ناجحة، فهي طريق للقلب المعنّى ليبث فيها الراحل أشجانه وهمومه ويفتح فيها قلبه ومكتوم أسراره، فجدير بالمربين المخلصين أن لا يفوّتوا مثل هذه السانحة، لذلك يجدر أن نذكر ببعض المهام والأمور التي تخدم هذه الوسيلة الدعوية الناجحة فنكون أقرب للاستفادة منها.

 

أهمية الرحلات.

السفر والترحال يكسب الإنسان تجربة وخبرة.

فالرحلات (القصيرة والطويلة) من أهم وسائل الترفيه عن النفس، والإعداد الذهني والجسمي للطلاب (المتربين)، وقد كان - صلى الله عليه وسلم - يحب إدخال السرور على صحابته، وعلى الشباب والفتيان منهم بالممازحة والترويح وغير ذلك مما كان متاحاً لهم في وقتهم.

ومن قبل قال الإمام الشافعي - رحمه الله -:

تغرّب عن الأوطان في طلب العلى *** وسافر ففي الأسفار خمس فوائد

تفرّج همّ واكتساب معيشة  *** وعلم وآداب وصحبة ماجد!

فمن فوائدها:

- توسيع المدارك عند الطلاب (المتربين).

- الترفيه المباح (كبديل فعّال للبرامج الترفيهية المباحة).

- تعويد المشتركين على مبادئ هامة، وتحقيق معاني قد لا تتحقق إلا بالأسفار والترحال من مثل: (معاني الأخوة، والإيثار، والانضباط، والترتيب، والسمع والطاعة.. )

- فيها تلبية لرغبات فطرية في الإنسان من حب المخالطة والمرح والترفيه.

- سهولة إيصال الأفكار وترسيخها في أذهان المشتركين، إذ أن التربية والتوجيه مع الحدث من أشد ما يساعد على رسوخ المبادئ والمفاهيم.

- ".. ثبت من خلال التجارب العديدة أن طلاب الحلقات يرتفع مستوى أدائهم وعطائهم بعد الرحلات والنشاطات بشكل ملحوظ؛ ويلتهب الحماس لديهم لتقديم أفضل ما عندهم، من الحفظ والأخلاق في التعامل.

- وإن النشاطات والرحلات الهادفة تفتح آفاق أذهانهم على الأفكار الابتكارية والإبداعية في الإسهام في إعداد برامج الرحلة والترفيه، وتقديم ما ينفع إخوانهم في تلك المناسبات "

إلى غير ذلك من الفوائد النفسية والتربوية الدعوية والعبادية التي يخرج بها المشارك في رحلة هادفة.

توجيهات هامة.

* إخلاص العمل لله: لقد أصبح من الضروري ـ جداً ـ عند بداية كل عمل التذكير بإخلاص العمل لله واحتساب الأجر والثواب من الله جل وعز، لأنه صار من المشاهد المألوفة ـ المزرية ـ أن ترى الرجل العامل المجتهد ثم هو في منتصف الطريق تموت همته أو تكاد، أو تجده يمنّ بما عمل وأنه فعل وفعل، أو ينتظر مدحاً وثناءً من أحد.. وهكذا من الصور المؤسفة والتي أصبحت من قواصم الأعمال ومهلكاتها، قال الله - تعالى -: " قل هل أنبئكم بالأخسرين أعمالا. الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً " لذلك كان من أهم المهمات قبل بداية العمل أن يخلص العبد عمله لله وأن لا ينتظر جزاءً ولا شكوراً من أي أحد كان.

* وراء كل عمل ناجح.. تضحية مجزية: فالأعمال الدعوية ـ خصوصاً ـ تحتاج من الداعية أن يضحي بشيء ـ أو بأشياء ـ من أجل إتمام العمل أو البرنامج المعدّ لعمل دعوي أياً كان وحين توجد التضحية يكون الداعية قد قطع نصف طريق النجاح، وبقدر ما تقل التضحية يجد الداعية عنتاً ومشقة في إكمال السير وعائقاً عن الانطلاق. والمقصود أن الداعية في أحوال بحاجة إلى أن يضحي بوقته أو ماله أو جهده أو حتى بنفسه التي بين جنبيه كل ذلك لينصر دين الله ولينشر الحق في الأرض، وما قصة غلام الأخدود عنّا ببعيد!!!

* المسئولية الفاعلة: إن الداعية إلى الله بحاجة إلى أن يكون عنده قدر كبير من تحمّل المسئولية وما يتبعها من تبعات، وحين تكون الأعمال تحت مسئولية صورية أو مسئولية المنصب فحسب، فإنها سرعان ما تفقد ثمرتها، لذا كان من المهم التنبيه على الداعية أن يكون على قدر كبير من تحمل المسئوليات، وأن يتحلّى بالصفات التي تؤهله لأن يكون أهلا للمسئولية من الخبرة والدراية والحكمة والصبر والمشاورة واليقين بالله...

* التخطيط لا التخبيط: قبل أن تبدأ الرحلة، عليك بالتخطيط المسبق لها، وافتراض مستلزماتها، وتنسيق الأعمال بين أفرادها، إذ العشوائية والارتجالية من أعظم مقاتل الأعمال وعدم استمرارها من أجل ذلك ننبه هنا إلى بعض الإعدادات المهمة للقيام برحلة دعوية.

عناصر التخطيط لرحلة هادفة.

حتى تكون الرحلة هادفة ومفيدة ولها ذكريات لا تُنسى في نفوس المشتركين ينبغي مراعاة عناصر هامة في التخطيط الجيد لأي رحلة، هذه العناصر هي:

1 - تحديد نوعية الرحلة: (تربوية، تعليمية، دعوية، ترفيهية، عبادية- حج، عمرة زيارة المدينة النبوية، جامعة.. )

2 - تحديد الهدف أو الأهداف المرحلية من الرحلة، وذلك يكون على ضوء تحديد نوعية الرحلة.

3 - إعداد الميزانية. (الاشتراكات، التبرعات، المساهمات.. )

4 - اللوازم الرئيسية للرحلة (وسائل نقل، أدوات ومستلزمات الرحلة: خيام، مفارش، ملابس.. )

5 البرنامج التفصيلي للرحلة. بنوعيه / المادي الاجتماعي والثقافي.

الاستعداد المادي والاجتماعي للرحلة:

* تحديد موعد الرحلة وإعلام المشاركين به قبل موعد الرحلة بوقت كاف.

* الحصول على الإذن المسبق من الجهة المرتبط بها الراحلون، وكذلك الإذن من ولي أمور الطلاب (المتربين).

* الحصول على الإذن المسبق بالزيارة إذا كانت الرحلة إلى مكان لأحدٍ له عليه مسئولية.

* إعداد الميزانية الكافية للرحلة، وذلك على ضوء:

1 / حصر عدد المشاركين في الرحلة.

2 / تحديد طبيعة مكان الرحلة، من حيث مسافة الطريق ذهابا وإيابا، وطبيعة المكان قربه أو بعده عن المنافع العامة.

* توفر المستلزمات (أدوات الرحلة) قبل الرحلة بوقت كاف، لأن العشوائية والارتجالية تضر بالرحلة، فهي إمّا:

أ / أن تلغي الرحلة. أو ب / تكون الرحلة عشوائية

* الحرص على أن يكون وقت الرحلة خاصاً بتحقيق أهدافها، وأن لا يصرف شئ من الوقت في إكمال النواقص أو غيرها.

* من الخطأ أن تصرف الميزانية في شراء المستلزمات الناقصة، وإغفال الهدف التي جُمعت من أجله.

* ينبغي تحديد المسئوليات تجاه تأمين المستلزمات وهذه المستلزمات إمّا:

أ / مستهلكات (التغذية).

ب / مستلزمات أساسية (أدوات الرحلة، وسائل النقل.. ).

ج / مستلزمات شخصية (الأوراق النظامية، العفش الشخصي).

* ينبغي استكمال المستلزمات الشخصية (الأوراق النظامية، العفش.... ).

* الحرص على الاكتفاء الذاتي، بحيث لا يُلجأ إلى الاقتراض من الآخرين أي مستلزم من مستلزمات الرحلة (كالمواصلات، وعدّة الرحلة... ).

* إذا اضطررت إلى استعارة شيء ما من أحد الناس، فاحرص على أن تُرجع العارية إلى أصحابها في أحسن صورة.

* الحرص على تأمين أساسيات (كالصيدلية، البوصلة، المكتبة،... ).

* الاستفادة من الفائض من المستلزمات الاستهلاكية بعد الرحلة، وحتى نحقق هذه الاستفادة ينبغي:

أ / النظر قبل الشراء إلى تاريخ المستهلَك.

ب / اختيار نوعية المستهلَك حسب الأيام المقررة للرحلة.

ج / بيع الفائض أو ادّخاره.

* إيجاد صندوق خيري للتبرعات، للاستفادة من المبلغ في أعمال أُخر.

* التوسط بين الإسراف والتقتير في المستلزمات الغذائية، ويتحقق ذلك بـ:

أ / معرفة العدد الكلي للمشاركين.

ب / معرفة مستويات المشاركين من حيث العمر والبنية الجسدية للمشارك.

* التنبيه على إخلاء سيارات النقل من الأشياء غير المسموح بها نظاماً.

* الحرص على اختيار المكان المناسب وذلك بأن يكون:

أ / بعيداً عن السيّاح والمصطافين ومساكن الناس.

ب / واسعاً غير ضيّق.

ج / سهلاً غير وعر.

د / قريباً ـ نسبياً ـ من المنافع العامة (أماكن جلب المياه، الأسواق، المستشفيات.. ).

هـ / إن كانت أول رحلة فيفضل أن يكون المكان قريباً غير بعيد. وأن تكون الرحلة قصيرة.

و / أن لا يكون المكان مرعباً، وخصوصاً في أول رحلة.

ز / تجهيز مكان الرحلة قبل موعدها بوقت كاف، وذلك بإرسال سريّة استطلاعية إلى مكان الرحلة، لحجز المكان، وحتى لا يضيع وقت الرحلة في البحث عن مكان مناسب.

الاستعداد الثقافي للرحلة.

البرامج الثقافية في الرحلة هي روح الرحلة وجوهرها، وبقدر ما يكون البرنامج الثقافي فاعلاً ومفيدا، بقدر ماتكون الرحلة ناجحة مفيدة لها ذكريات خالدة!!

والبرنامج الثقافي للرحلات على مرحلتين:

المرحلة الأولى: برنامج لحالات التنقل والأسفار (برنامج الطريق).

ومقصود هذا البرنامج إشعال وقت المسير إلى المكان المقصود بالرحلة، وينبغي أن يراعى في هذا البرنامج:

- أ ن يخدم هذا البرنامج هدف الرحلة ولو في بعض أطروحاته.

- أن تتنوع فقرات هذا البرنامج.

- أن يتيقظ المربي والمشرف على الرحلة خلال هذا البرنامج لاكتشاف المواهب، التي يفجّرها أُنس المسير وتلاقح أفكار المشاركين، فإن الطريق قد يُكشّف لك مواهباً قد لا يتسنّى لك اكتشافها إلا من خلال برنامج الطريق.

- التربية بالحدث، كالتعليق على أي منظر مؤثر قد يصادف أثناء المسير، أو المرور على منطقة تاريخية أو غير ذلك من المواقف التي يجدر بالمشرف أن لا يغفلها أثناء الطريق.

- من الأفكار لبرنامج الطريق:

(المسابقات السريعة، الأناشيد والحداء، التعارف قصة التزام الذكر، سماع شريط والسؤال بعد كل مقطع من المسموع....... ).

* فوائد برنامج الطريق *

لبرنامج الطريق عدّة فوائد منها:

- إشعال الوقت بالمفيد.

- التخلص من الشغب الذي قد يحدث نتيجة طول طريق الرحلة.

- اكتشاف المواهب، فإن نفوس المشتركين في هذا الوقت تكون أشد ما تكون في العطاء والأريحية.

- رسوخ المعلومات التي قد يعمد المشرف إلى ترسيخها، فإن الحدث من اشد ما يعين على ترسيخ الأفكار.

المرحلة الثانية: برنامج لحالات الاستقرار.

هذا البرنامج، إنما يكون بعد الوصول إلى مكان الرحلة والاستقرار، ووضع الرحال، وهو يختلف عن سابقه بالتركيز والانضباط.

عادة ما يشتمل هذا البرنامج على المحاضرات والندوات والأمسيات وحفلات السمر والأنشطة الرياضية، والتدريبات المهارية والدعوية، وحتى ننجح في ذلك لابد من مراعاة أمور:

* تأمين الأدوات التي تخدم البرامج الثقافية في الرحلة (مكبر صوت، جهاز تسجيل، لوحات، أقلام، دفاتر،... ).

* مراعاة التجديد والتغير سواءً في البرامج المطروحة، أو تغيير أسلوب طرح البرامج ’ أو تغير أوقات الطرح مما يبعث في النفس الرغبة في إنجاح البرنامج وعدم الملل.

* في الرحلة الأولى يستحسن أن يغلب فيها البرنامج الترفيهي، وأن تكون البرامج الجادة فيها متوسطة، بعكس إن كانت رحلة دوريّة.

* تنسيق البرامج الثقافية وتحديد المسئوليات فيها (المسابقات الثقافية، الدروس، الكلمات، حفلات السمر،... ).

* الانضباط في أوقات البرامج سواء التربوية أو العبادية، إذا أن ذلك يعوّد المشترك (المتربي) على تقدير أهمية الوقت والحرص عليه.

* على الداعية أن يتحمل أخطاء المشاركين، وأن يكون عنده البديل الجاهز لأي برنامج قد يعتذر عنه من كُلِّف به.

* أن يتسم الداعية بحسن التصرف في أمثال هذه المواقف، وأن يكون حكيماً في معالجتها.

* توزيع المشاركين في الرحلة إلى مجموعات أو شُعب، وينبغي أن يراعى في هذا التقسيم:

أ / مراعاة العدل في تقسيم أصحاب المواهب والطاقات بين الشُعب.

ب / مراعاة فارق العمر بين المشاركين.

ج / أن يكون التقسيم مبني على معرفة مسبقة بالمشاركين من حيث أعمارهم وقدراتهم...

د / يفضّل أن تتم عملية التقسيم قبل الوصول إلى مكان الرحلة.

قبل انتهاء الرحلة.

* إنهاء الرحلة قبل قضاء الوطر منها، يحيي في النفس حب التشوّق للمزيد والتشوّق إلى رحلة أخرى.

* جلسة ختامية مع جميع الأفراد يستمع فيها المشرف (المربي) لآراء المشتركين في الرحلة وتسجيل السلبيات والإيجابيات في الرحلة، وقد يتخلل هذه الجلسة كلمة وداع واعتذار ويحبذ أن يستغل المشرف هذا اللقاء الأخوي المؤثر في جمع القلوب والتأليف بينها.

* تقسيم مهام العمل الذي سيكون عند الوصول إلى البلد أو المدرسة (كيفية إيصال مستلزمات الرحلة إلى المستودع، وكيفية إيصال المشتركين إلى منازلهم، وتنسيق ذلك قبل مغادرة مكان الرحلة. ).

* اترك المكان نظيفاً بعد انقضاء الرحلة، والتنبيه على عدم العبث بالممتلكات الخاصة بالمكان إن وُجد.

* يستحسن الرجوع مبكراً من الرحلة لما فيه من تطييب نفوس أهالي المشاركين في الرحلة.

هذه كلمات أملاها الحرص، وصقلتها التجربة، وأفادتها المطالعة والسؤال..

ما كان فيها من صواب فبتوفيق الله جل وتعالى.

وأبى الله أن لا يكون له الكمال، فلا يخلوا عمل بشري من نقص ومقال.. فاستغفر الله الجليل المتعال، فهو حسبي وعليه اتكالي.. وآفة القول: أن هذا لي!!

والحمد لله أولاً وآخراً، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

مهذب أبو أحمد