والله خيرٌ وأبقى
ليست المشكلة لدى الطغاة فقط في نوعية الإيمان وتفاصيله الأهم أن يكون إيمانًا تحت السيطرة، إيمانًا مدجنًا منزوع الإرادة، إيمانًا بالأوامر وعقيدة بلا عقيدة، إيمانًا رسميًا وحصريًا.. المشكلة في التحرر من سلطانه والخروج عن طوعه، المشكلة في استقلالية الاختيار بمنأىً عنه..
لعل من أهم عوامل انزعاج فرعون لإيمان السحرة برب العالمين هو: التفلت من سلطانه على الأفكار، والتحرر من سيطرته المحكمة على إيمان شعبه، وليس فقط طبيعة هذا الإيمان وفحوى ذلك المعتقد وتلك الأفكار..
ليست المشكلة لدى الطغاة فقط في نوعية الإيمان وتفاصيله الأهم أن يكون إيمانًا تحت السيطرة، إيمانًا مدجنًا منزوع الإرادة، إيمانًا بالأوامر وعقيدة بلا عقيدة، إيمانًا رسميًا وحصريًا، {آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذن لَكُمْ} [طه من الآية:71].
ها هنا كانت المشكلة، المشكلة التي كانت تكمن في افتقاد إيمانهم للإذن والتصريح..
المشكلة في التحرر من سلطانه والخروج عن طوعه، المشكلة في استقلالية الاختيار بمنأىً عنه..
{إِنّهُ لَكَبِيرُكُمُ الّذِي عَلّمَكُمُ السّحْرَ} [طه من الآية:71]، {فَلأُقَطّعَنّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مّنْ خِلاَفٍ وَلأُصَلّبَنّكُمْ فِي جُذُوعِ النّخْلِ} [طه من الآية:71].
هنا كان لا بد صناعة العبرة وترسيخ الخوف، وإقامة النموذج: {وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى} [طه من الآية:71].
لا بد أن يعلموا، ولا بد أن يعلم الجميع، لا بد أن يبقى العبيد عبيدًا، وليكن هذا العلم عبر جسور الأشلاء الممزقة، وليُسقى لمتعلمي العبيد مع عصير الدماء المسكوبة، والأوصال المتطايرة، ثم ليكن الصلب على تلك الجذوع السامقة، فالمسألة ليست فقط في العقوبة..
لكنه النموذج: النموذج الذي ينبغي أن يُظهر للجميع حقيقة الواقع المراد، وليظل الإيمان المطلوب كما هو..
إيمان رسمي حصري بالإذن، إيمان بلا إرادة وعقيدة بلا حرية وأناس على دين ملوكهم، لكن كل ذلك يطيش بثبات أهل الإيمان، الإيمان الحقيقي، الإيمان بلا إذن والعقيدة الحرة التي لا يؤثر عليها مخلوق، فلا ضير إنا إلى ربنا لمنقلبون وإنما تقضى هذه الحياة الدنيا، والله خير وأبقى.
- التصنيف: