أمانة المقدسات..حياة أو ممات
وثمة دعاوى في كثير من أحوالها تفتقر إلى دلائل صدقها وبراهين أحقيتها، ووقفتنا اليوم اختبار شامل لنا ولأمتنا في كل أقطارها وأصقاعها في دعاوانا في الانتساب ودعاوانا في الانتماء إلى أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - محبة وتسمية وافتخاراً لكن التصديق العملي هو المحك والاختبار.
الخطبة الأولى:
أوصيكم بوصية الله للأولين والآخرين: تقواه في كل آن وحين (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ) [النساء/131].
وثمة دعاوى في كثير من أحوالها تفتقر إلى دلائل صدقها وبراهين أحقيتها، ووقفتنا اليوم اختبار شامل لنا ولأمتنا في كل أقطارها وأصقاعها في دعاوانا في الانتساب ودعاوانا في الانتماء إلى أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - محبة وتسمية وافتخاراً لكن التصديق العملي هو المحك والاختبار.
وأمضي بكم إلى صورتين أقف معهما بإيجاز سريع لأربط بهذا الامتحان والاختبار (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) [البقرة/127، 128].
وعندما نمضي مع الخليل إبراهيم - عليه السلام - نجد الارتباط الوثيق لأمتنا به بل والانتساب العريق لنبينا - صلى الله عليه وسلم - إليه (مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (67) إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ) [آل عمران/67، 68] ((إن لكل نبي من النبيين ولاة وإن وليّ من الأنبياء أبي إبراهيم)) - عليه السلام - ثم قرأ - صلى الله عليه وسلم - (إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا) رواه الطبري في تفسيره بإسناد متصل صحيح.
أمة الإسلام نبيها الأعظم - صلى الله عليه وسلم - وكتاب ربها يخبران عن انتمائها وصلتها وولائها وأحقيتها وأولويتها بإبراهيم الخليل - عليه السلام - أبي الأنبياء باني بيت الله الحرام وكعبة الله المشرفة وقد قال - صلى الله عليه وسلم - في حديثه لأم المؤمنين عائشة: ((لولا أن قومك حديثوا عهد بجاهلية لنقضت البيت ثم أعدت بناءه على قواعد إبراهيم - عليه الصلاة والسلام - )) ونجد ذلك واضحاً في أن الأتباع الحقيقيّين للخليل إبراهيم هم رسولنا - صلى الله عليه وسلم - والذين آمنوا معه من الأنصار والمهاجرين ومن جاء بعدهم كما ذكر أهل التفسير (وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا) [النساء/125] وفي حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -: (( لو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً ولكن إبراهيم خليل الله - جل وعلا -)) وفي حجنا نعرف الآثار التي سنها لنا رسوله - صلى الله عليه وسلم - في مناسكه مرتبطة بإبراهيم الخليل - عليه السلام - فأتباع محمد - صلى الله عليه وسلم - هم أولياء إبراهيم - عليه الصلاة والسلام - أتباع محمد - صلى الله عليه وسلم - هم أهل التوحيد الخالص الذي أعلنه ودعا إليه أنبياء الله جميعاً وإبراهيم الخليل - عليه السلام - في بناء البيت بشكل أكبر أهمية وارتباطاً بنبينا وأمتنا (مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ) [الحج/78] في سياق الآيات السابقة صفات الإسلام وعظمته والحرج الذي رفعه الله عن الأمة ثم قال: (ملة أبيكم إبراهيم) قال أهل التفسير أي الزموا ملة أبيكم إبراهيم في التوحيد الخالص أو هذا هو كملة أبيكم إبراهيم (هو سماكم المسلمين) الله - سبحانه وتعالى - هو الذي سمى محمداً وأمم الأنبياء جميعاً باسم الإسلام (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ) [آل عمران/19] (هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ) لأنكم أمة التوحيد وأمة الإسلام وأمة الأنبياء الذين تؤمنون بهم جميعاً، وتقرون بما أرسلهم الله
- سبحانه وتعالى - به من الشرائع والكتب، وتعرفون حقائقها، ويذكرها لكم كتابكم، ويعلمكم وينبهكم على دلائلها رسولكم - صلى الله عليه وسلم -.
وأنتقل إلى صورة ثانية قبل الربط صورة تتصل برجل يحتل مكانة عظيمة في قلب كل مسلم ومؤمن رجل نتذكره دائماً وأبداً ولا نستطيع أن تغيب ذكراه عن مخيلتنا مطلقاً؛ لأن ثمة ما يذكرنا به دائماً وأبداً في كل يوم وليلة، رجل من السابقين الأولين إلى الإسلام، رجل عُذب كما لم يُعذب غيره من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهاجر وشهد بدراً وأحداً والمشاهد، وكان قريباً من سيد الخلق - صلى الله عليه وسلم - فلا تحصى الأحاديث التي تروى وفيها: (ودخل معه) (وخرج معه) (وكان معه) (وحمل معه) (وصنع له) (وفعل معه) وهو كذلك الذي بشره النبي - صلى الله عليه وسلم - بالجنة بشارة خاصة معينة موصوفة له وهو الذي كان من أول سبعة أظهروا الإسلام فحمى الله بعضهم، وبعضهم عذبوا فألبسوا أذرع الحديد وصهروهم في الشمس فما منهم من أحد إلا وآتاهمَ أي آتى قريشاً وهي تعذبهم - ما أرادوا إلا هذا الرجل العظيم فإنه هانت عليه نفسه في الله، وهان على قومه، فجعلوا يلقونه إلى الولدان يجرونه ويطوفون به في الشعاب، ويضعونه في الشمس، ويقولون: (دينك اللات والعزى) وهو يقول: (أحد أحد).
كلكم يعرف بلال بن رباح العبد الحبشي الأسود الذي نال شرفاً عظيماً في هذا الإسلام، فكان أول من أذن في الإسلام، وبقي مؤذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى أن انتقل إلى الرفيق الأعلى، وكلكم يعرف أنه كان خازناً لبيت المال هو الذي يجمع تلك الصدقات، هو الذي يعطي أعط يا بلال، لا نجد معنا ما يكافأ دينه، فأعطه وأحسن في القضاء وهو الذي نال شرفاً فريداً عجيباً يسجله التاريخ في صفحة بيضاء لهذه الأمة الإسلامية بمعانيها الإنسانية يوم جاء محمد - صلى الله عليه وسلم - إلى مكة فاتحاً وقال أين عثمان بن شيبة وأعطاه مفتاح الكعبة ثم دخلها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بصحبته ومعه اثنان أسامة بن زيد وبلال بن رباح، رجال كانوا عبيداً كانوا في الدرجة الدنيا والسفلى في الطبقية الجاهلية، هم الذين اختصوا بأن كانوا منفردين مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما يروي ابن عمر فمكثوا ما شاء الله أن يمكثوا، فلما خرجوا قال: دخلت في إثرهم، فإذا بلال في الكعبة، فقلت: أين صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فأشار إلى نواحٍ من البيت، فصليت فيها، ونسيت أن أسأله كم صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
وفي ذلك الحدث العظيم كان المشهد الفريد في تاريخ البشرية يوم ارتقى العبد الأسود بلال الحبشي، سيد من سادات الإسلام بالإيمان، فوق سطح الكعبة ليؤذن بنداء التوحيد، وصناديد قريش ينظرون إليه، عقولهم لا تستطيع أن تستوعب، نفوسهم لم تكن قابلة لأن ترى ذلك أو تتخيله ذلك العبد المعبد هو اليوم المشرف فوق كعبة مشرفة، يصدح بالتوحيد، ولما قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان حزن بلال عظيماً حتى إنه جاء إلى أبي بكر معتذراً أن يؤذن بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واختلفت الروايات في ذلك واستأذن أبا بكر ليمضيَ إلى الجهاد لأن رسوله أخبره - صلى الله عليه وسلم - بأن أفضل الوقت والزمان أن يكون المسلم مرابطاً في سبيل الله، فأراده أبو بكر أن يبقى، واختلفت الروايات أنه بقي في زمن أبي بكر ثم استأذن في زمن عمر، ومضى إلى بلاد الشام وعاش فيها هناك، وذكرت كتب السير أن الفاروق عمر لما قدم إلى بلاد الشام في أثناء الفتوحات ودخل إليها طلب بلالاً وطلب أن يؤذن له فأذن بلال فبكى وبكى الناس جميعاً، وتذكروا أذان بلال بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهاجت ذكرى رسول الله في قلوبهم.
وفي بعض كتب السير أن بلالاً عاد مرة بطلب أو برؤية وأذن في مدينة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لكن التاريخ في كل مصادره يخبرنا أن موت بلال الذي قال في آخر أيامه: " بل غداً نلقى الأحبة محمداً وصحبه" كان في داريا من ضواحي دمشق في بلاد الشام.
ولماذا نذكر بلالاً وقبله ذكرنا الخليل إبراهيم هل نحن نحب بلالاً وننزله منزلة عظيمة ونعرف قربه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي له المحبة الأولى والعظمى في قلب كل مؤمن ومسلم؟ لماذا؟ ما ارتباطنا؟ أليس هذه هي دعاوانا أننا أمة محمد على هدي الخليل إبراهيم في توحيده وفي كل ما ذكر الله - سبحانه وتعالى - لنا عنه، ونحن الذين نقول رغم كل ادعاءات العامة بالإنسانية والمساواة نحن الأمة الوحيدة التي تقول سيدنا بلال الحبشي - رضي الله عنه - نسوده لأن الإيمان والإسلام سوده ونعرف أنه في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان أخاً من إخوان المسلمين، لا فرق بينه وبين قرشي، ولا عدوي، ولا تيمي، ولا فارسي، وأن شرف التقوى كان هو الذي يرتفع بهم إلى المقامات العليا والذرى السامقة. واليوم أقول إننا ندعي وادعاءاتنا تحتاج إلى الأدلة.
وأنتقل بكم وأحسب أن بعضكم قد أدرك لما هذان المثلان على وجه الخصوص أنقلكم إلى قضية محزنة مؤلمة، بل أقول إنها مخزية ومخجلة لكل ذي قلب حي وضمير مؤمن (وجودنا كدولة ليس مرتبطاً بالجيش فقط ولا بمناعتنا الاقتصادية، وإنما في تعزيز معرفتنا وشعورنا الوطني الذي سننقله إلى الأجيال المقبلة، وكذلك في قدرتنا على ارتباطنا ببلادنا) كلمات قوية في الانتماء وتصديقه وتعميقه وتوريثه والتربية عليه، لماذا هي مؤلمة ومحزنة؟ لأن قالها هو رئيس الكيان الصهيوني الغاصب وهو يتحدث عن ضم مسجد الخليل إبراهيم - عليه السلام - ومسجد بلال بن رباح أو ما يسمى بجواره قبة راحيل إلى التراث اليهودي، ويلغي كل ما ندعيه نحن من هذا الانتماء والانتساب فالواقع العملي أين تصديقنا العملي لانتسابنا القرآني والنبوي لهذه المعالم ولأولئك الأشخاص والأعلام؟ كلمات تمنيت أن أسمع ولو قليلاً منها أو شبيهاً بها لقائد أو رئيس عربي فلم أجد شيئاً، تمنيت في كلمات الاستنكار والإدانة أن أسمع بعداً إيمانياً عقدياً نورثه بالفعل لأبنائنا فلم أجد، إلا أن (ذلك يخالف القوانين الدولية) و(اتفاقيات كذا وكذا) و(يعرقل مسيرة السلام) التي صارت عند البعض إلهاً يعبد من دون الله لا بد أن يتوجه له في كل يوم، وأن يعلق به قلبه، وأن يشغل به فكره، وأن يجعل له جهده، وأن يجعله في كل آن وحين، كأنما الله - سبحانه وتعالى - سيسألنا يوم القيامة لِمَ لم تسالموا هذا أو تعاهدوا هذا؟ أو تفعلوا كذا وكذا؟ لم أجد رغم بحثي الطويل في كل ما قيل لم أجد كلمة واحدة تدل على أننا أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - لم أجد أحداً يقول نحن أولى بالخليل إبراهيم - عليه السلام - كما قال لنا رسولنا: ((نحن أولى بموسى منهم)) لم أجد أحداً يقول: إن هذا ديننا وهذا تاريخنا وهذه أرضنا وهذه ديارنا وهذه مقدساتنا ومساجدنا، للأسف الشديد نحن اليوم في المشهد الإعلامي ننسلخ من ديننا، نتبرأ من تاريخنا، ننسى قرآننا، نلغي سيرة نبينا، نشطب تاريخ أعلامنا، فكأننا نريد أن نولد أمة جديدة، وننسى أننا حتى لو فعلنا ذلك سيظل تصديق قول الحق - جل وعلا -: (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) [البقرة/120] لو غيرنا الجلود، لو غيرنا ألوان العيون، لو صبغنا الشعور، لو فعلنا كل شيء إذا بقي في قلبك لا إله إلا الله محمد رسول الله فأنت أنت مهما تغيرت.
أزيدكم شيئاً أكثر مما يؤلمكم ويحزنكم، سأقول المزيد؛ لأننا نحتاج إلى ذلك، نحتاج في الحقيقة إلى من يضربنا على رؤوسنا، إلى من يصفعنا على وجوهنا، إلى من يوقظنا من سباتنا، لأنه إذا بلغت هذه المبالغ ووصل الأمر كما سمعنا كثيراً ومراراً وتكراراً إلى مسرى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والاعتداء عليه، ثم لا نجد شيئاً مطلقاً لأن الكلام في الهواء فارغ، لأن هذه الأوراق التي تسطر، والبيانات التي تصدر، لا تغير شيئاً، وإليكم الدليل: وزير صهيوني آخر يقول بعد هذا الحدث: إننا ندرج مائة وخمسين موقعاً تاريخياً نعتزم أن نربطها بمسار تاريخي توراتي لنقوم بترميمها بصورة جذرية في أنحاء البلاد) كلام معلن ظاهر واضح بين.
تريدون دليلاً آخر؟ كيف وصل الأمر في مسجد الخليل إلى هذا؟ والله لو أردتم أن تجلوا الأحداث فإنها كثيرة متدرجة في كل يوم جرعة تتشربها هذه الأمة ويأتي من يقول كذا ويؤول كذا وإذا بنا نتدرج من عام 67 وقع الاحتلال، في نفس العام وقبل ختامه دخل مجموعة من اليهود عنوة لأداء بعض طقوسهم الدينية كما يقولون، في العام الذي يليه تم هدم البوابة الرئيسية والشعار المحيط بالمبنى، بعد بضعة أعوام في 73 كانت في المسجد ساحة مفتوحة غُطيت وقيل هذه تكون لعبادة اليهود، أدخل في عام 75 خمسين كرسي لأداء هذه المشاعر، في نهاية العام أصبح هناك كنيس يهودي في داخل هذا المكان، نحن في هذا اليوم في الذكرى السادسة عشرة ليهودي دخل على الناس في منتصف شهر رمضان في يوم الجمعة في صلاة الفجر وقتل 29 على الفور وزاد العدد بعد ذلك إلى 49 وماذا كانت النتيجة بعد هذا؟ لكي تمنع الفوضى الأمنية وضعت الحواجز وقسم المسجد - لئلا يكون هناك مهاترات - إلى قسمين قسم كله للصهاينة اليهود، وقسم للمسلمين على كره وتفتيش وإيذاء، ونحو ذلك، ومر ذلك كله.
فمن البدهي أن يكون هذا الحدث بعد كل هذا التسلسل الزمني والإجراءات التي لم تجد حتى الكلمات المناسبة في معارضتها أن يصل الأمر إلى مثل هذا، والمخطط المستهدف المعلن هو أن يكون الأمر في المسجد الأقصى كذلك وأن يقسم إلى قسمين ليكون مسرى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جزء منه مخصصاً للأرجاس الأنجاس من الصهاينة المجرمين المعتدين الكفرة بالرسل والأنبياء القتلة لرسل الأنبياء عليهم صلوات الله وسلامه.
ولذلك ونحن نتحدث عن المحبة أو الانتماء أو صدق الولاء لا يكفي فيها مجرد الادعاء ولنا فيما يحدث وما سيحدث مما هو معلن عبر كثيرة أسال الله - عز وجل - أن يرد أمتنا إلى دينها رداً جميلا وأن يدفع عن بلادنا ومقدستنا شرور المعتدين وكيد الكائدين، وأن يعيذنا ويبرئنا من فعل المتآمرين، وأن لا يجعلنا من السفهاء والمتخاذلين.
الخطبة الثانية
أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله فإنها أعظم زاد يقدم به العبد على مولاه.
وإن من أعظم التقوى الغيرة على حرمات الله وعلى بيوت الله، وعلى ما يتعرض له إخواننا المسلمون في كل أرض وفي أرض فلسطين على وجه الخصوص.
وهنا أضيف تعليقات يسيرة لأكمل بها تأكيداً للمرة الألف، ولا أكون مبالغاً وأقصد بهذا التأكيد: أن الوقائع تؤكد لنا - ولغيرنا ممن عنده شك ونحن ليس عندنا شك أن حقائق القرآن هي الساطعة الواقعة القاطعة، المميزة بين الخير والشر، وبين الضر والنفع، بكل حال في هذه الحادثة مرة أخرى، قبلة شرقية وقبلة غربية ومؤسسات دولية وأممية.
وأعطيكم التصريح الذي تمخض الجبل فولد فأراً تصريح الدولة العظمى إزاء هذا الحدث (إنها تعتبره عملاً استفزازياً) نقطة ثم انتبهوا إلى ما بعد ذلك: (يجب ألا يكون مبرراً للجوء إلى العنف أو وضع عقبات إضافية في وجه السلام) يعتدى عليك وينبغي أن تتحلى بالحكمة، والعجيب أيضاً أن الغيورين من المؤمنين لما واجهوا الأعداء وجدوا للأسف صفاً يحول بينهم وبين أعدائهم ليخلصوا مقدساتهم هذا الصف يلبس لباس الشرط وهو من أبناء الجلدة والملة واللغة، وللأسف الشديد ولذلك أقول هذه المشاهد تؤكد هذه الحقائق القرآنية والسؤال الذي أكرره دائماً لماذا تحدثنا بهذا ما الذي نستطيع فعله وهل نحن مسؤولون عن هذا، وأقول بكل وضوح نعم علينا نحن جزء من المسؤولية، أول هذه المسؤولية عندما معرفتنا وتقوية يقيننا ورسوخ إيماننا بحقائق القرآن وصدق هذا الانتماء والانتساب، اليوم تغيرت كثير من العقول، وللأسف أيضاً تغيرت كثير من النفوس والقلوب، فصار هواها مع عدوها وإلا لما وصلنا إلى ذلك الحال، ولا تبرأ نفسك ولا أبرئ نفسي فإن عندنا قدراً من ذلك يقل ويكثر، فلتكن هذه الأحداث أول واجباتنا فيها أن نعود إلى الله - عز وجل - أن نعود إلى حقائق قرآننا أن نعود إلى مواقف نبينا - صلى الله عليه وسلم - أن ننظر إلى تاريخنا وصفحاته التي سطرها الفاروق عمر، وصلاح الدين، ومحمد الفاتح، وغيرهم، لم تكن هناك أمة من الأمم في التاريخ كله أمة تستكين لأعدائها وترفع رايتها البيضاء في كل آن وحين، لأن العالم كله قائم على سنة التدافع التي لا تتخلف (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا) [الحج/40].
والأمر الثاني: ألم تستمعوا إلى الصهيوني القائد وهو يقول: (نورثه لأجيالنا) أسألكم أنتم وأسأل نفسي معكم: ما الذي تعرفونه عن مسجد الخليل؟ لِمَ سميت مدينة الخليل؟ ما هو مسجد بلال بن رباح؟ ما تاريخنا في أرض فلسطين؟ هل نعلمه لأبنائنا؟ هل نعرفه نحن؟ هل يعرف أبناؤنا اليوم 67؟ و48؟ والخط الأخضر؟ وهذه المصطلحات التي يسمعونها في الأخبار؟ فينتظرون متى تنتهي النشرة حتى ينظروا إلى أهداف المباريات في آخر نشرات الأخبار؟ كيف سنواجه عدونا ونواجه هذا التغيير الذي لم يعد اليوم تغيراً جغرافياً ولا تغيراً حضارياً ولا تغيراً شكلياً، إنه تغيير فكري عقدي إيماني، حضاري، تاريخي، بكل معاني الكلمة.
والأمر الثالث: كونوا ألسنة ناطقة بالحق، قولوا هذا الكلام في كل مشهد، نحن الذين يروج الإعلام علينا خطته، نحن الذين اليوم لم نعد نسمع في وسائل إعلامنا كلمة (العدو الصهيوني) التي كنا نحفظها ونحن صغار، نحن اليوم الذين يستقبل إعلامنا في الشاشات ويرينا ذلك ليطبع في شعورنا ونفوسنا أن أعداءنا أصبحوا اليوم يجوسون خلال ديارنا كرفقاء درب، وشركاء سلام، كما يقولون، إننا نحن المستهدفون بذلك، سنجد أن التغيير غير واضح وغائم.
وهنا في هذه المدينة كان موقف مشرف أيضاً لمجموعة من فتياتنا عندما قالوا بالكلمة الواضحة والموقف الرفيع: إننا لا نقبل أن تكونوا مهيمنين ومسيطرين، ومحتلين ومتعدين، ثم تريدون منا أن نكون متفهمين ومنفتحين وأصدقاء ومحبين.
هذه أمور مهمة في داخل تفكير كل أحد، وفي داخل مشاعر كل قلب، وفي كل لفظة يتلفظ بها اللسان.
أسأل الله - عز وجل - أن يعيذنا من شرور أنفسنا، وألا يؤاخذنا بما فعل السفهاء منا وأن يقينا شرور أعدائنا، وأن يعيذنا من كل فتنة، ومن كل محنة، وأن يثبت أقدامنا على نهجه ودينه.
علي بن عمر بادحدح
أستاذ بقسم الدراسات الإسلامية بجامعة الملك عبد العزيز بالسعودية
- التصنيف:
- المصدر: