(جهاد الحب) حلقة في سلسلة الكراهية ضد الإسلام
يخشى الهندوس بزعمهم من تناقص كتلتهم العديدية على حساب ازدياد تعداد المسلمين، وذلك على الرغم من أن الهندوس يمثلون أغلبية واضحة في الهند، حيث لا يزيد تعداد المسلمين في الهند عن (180 مليون) نسمة من بين إجمالي (1250 مليون) نسمة
(جهاد الحب)! تلك الظاهرة التي تناولتها الكثير من المصادر الإخبارية مؤخرًا، والتي بدأت حكايتها في قرية (ساراو) الهندية الفقيرة التي تقع في منطقة (أوتار براديش) شمال الهند، حيث يعيش الهندوس والمسلمون جنبًا إلى جنب بشكل سلمي منذ عقود، ولكن هذه القرية أصبحت منذ بضع شهور منطقة توتر، وذلك بعد أن ظهرت بذور الشقاق والخلاف بين أصحاب الديانتين، بعد أن زعم (متطرفون هندوس) في القرية: "أن شبابًا مسلمين يتعمدون إغراء فتيات هندوسيات وإيقاعهن في غرامهم، ثم يتزوجونهن ويضغطون عليهن إلى أن يعتنقن الإسلام، فيما يعرف بـ(جهاد الحب)".
ويخشى الهندوس بزعمهم من تناقص كتلتهم العديدية على حساب ازدياد تعداد المسلمين، وذلك على الرغم من أن الهندوس يمثلون أغلبية واضحة في الهند، حيث لا يزيد تعداد المسلمين في الهند عن (180 مليون) نسمة من بين إجمالي (1250 مليون) نسمة، وتأججت القضية عندما أعلنت فتاة هندوسية من القرية أنه: "تم اختطافها ونقلها إلى عدة مدارس إسلامية، وتعرضت للاعتداء الجنسي هناك، وعذبت وأجبرت على أن تصبح مسلمة".
كما أضافت الفتاة البالغة من العمر (20 عامًا): "أن مختطفيها وعدوها بمكان في الجنة إذا اعتنقت الإسلام"، ولكن عندما علمت أنهم يعتزمون تزويجها من رجل عربي هربت منهم، إلا أن الفتاة عادت إلى الشرطة لاحقًا، واعترفت بأن: "شهادتها كانت خاطئة، وأنها تحب الشاب المسلم، وأن أسرتها أجبرتها على الإدلاء بهذه الشهادة لأنها لا تحبذ هذه العلاقة"، ثم اختفت الفتاة منذ ذلك الوقت، وتملك الغضب من أبيها الذي قال: "إن ابنته تلقت تهديدات وتعرضت لغسيل مخ، وإن كل شيء لا يعدو كونه مؤامرة"، ورغم أن ملابسات القضية لم تتضح إلا أن حزب الشعب الهندي (بي جي بي) ذا التوجه القومي والمنظمات اليمينية ذات الصلة به تبنوا تأجيج القضية.
ورأت (أتول شارما) رئيسة منظمة (سانكالب) لحقوق الأطفال في ولاية (أوتار براديش) أن التعامل بهذا الشكل مع هذه الحالة يمثل منهجًا متبعًا في الهند وأن: "اليمينيين يلتقطون حالات فردية من الغش المحتمل، والعداء للنساء ويلبسونها لباسًا دينيًا"، وأنهم يفعلون ذلك من أجل حصد أكبر قدر ممكن من أصوات الهندوس في الانتخابات، وحسب (شارما) فإن الكثير من المراقبين السياسيين اكتشفوا أن المتشددين أصبحوا يحتلون المزيد من المساحات السياسية منذ أن أصبحت الحكومة المركزية في نيودلهي تحت قيادة رئيس الوزراء (ناريندرا مودي) وذلك من أجل ترسيخ حكم الهندوس.
كما أن (ريهانا أديب) الناشطة في حقوق النساء ترى أن ما يعرف بجهاد الحب هو جزء من حملة أكبر، وأن اليمينيين في الهندي يكافحون ضد الزواج بين أبناء الأديان المختلفة، ولا يحذرون فقط من الزواج بمسلمين بل يستبعدون المسلمين -على سبيل المثال- من حفلات الرقص، وقالت (أديب) إن مجموعات من أمثال مجموعة (جار فابسي) -التي تعني (العودة)- تحاول إعادة الهنود الذين يعتنقون دينًا مثل المسيحية أو الإسلام للهندوسية.
ومن بين هذه المنظمات أيضًا منظمة (المجلس الهندوسي العالمي)، ويتجول (بالراج دونجار) أحد أعضاء المنظمة، عبر أنحاء الهند المختلفة في إطار حملة توعية، ومحذرًا من زواج الهندوسيات من المسلمين، وقال (دونجار) مؤخرًا في إحدى محاضراته في قرية (ميروت) التي لا تبعد كثيرًا عن قرية (ساراوا) سابقة الذكر إن بعض هذه الزيجات يسفر عن إنجاب نصف دستة أطفال مضيفًا: "إذا أصبح المسلمون أغلبية فسيحكموننا".
وطالما تحول مثل هذا التأجيج إلى أعمال عنف حيث قتل أكثر من (60 مسلمًا) قبل عام خلال هجمات على المسلمين في منطقة (مظفر نجار) واضطر نحو (40 ألف) مسلم إلى الفرار من منازلهم، وفقد العديد منهم -ومن بينهم الطفل منور مالك البالغ من العمر 12 عامًا- أصدقائه منذ ذلك الحين، ومنذ ذلك الوقت أصبح الأطفال من أتباع الديانتين المختلفتين (الإسلام، والهندوسية) يتجنبون بعضهم بعضًا: "بعد أن كنا نحتفل بالأعياد بشكل مشترك ونلعب الكريكت معًا"، حسبما قال الطفل (منور): "ولكن ذلك انتهى، أصبحنا اليوم نلعب في ساحات لعب مختلفة".
وأشارت صحيفة التليجراف إلى أن جماعات هندوسية ومسيحية قد وحدت صفوفها لمكافحة هذه الحملة، ويزعم أحد الهندوسيين -يعمل بخط مساعدة الهندوسيين بجنوب الهند-، أنهم تلقوا ما يزيد على (1500) مكالمة هاتفية من آباء يخشون على بناتهم من إغراء الجماعات الأصولية للدخول في الإسلام، وقد أمرت المحكمة العليا في ولاية (كيرالا) وزارة الداخلية والشرطة بالتحقيق في الظاهرة، وحتى الآن لم تحصل الشرطة إلا على معلومات قليلة.
كما دعت وزيرة بارزة في الحكومة الهندية لإجراء مناقشات بين القادة الدينيين حول الادعاءات بأن الصبية المسلمين يقومون بإغراء الفتيات الهندوسيات، ومن ثم هروبهن كجزء من (جهاد الحب) لتحويلها إلى الإسلام، وقالت (أوما بهارتي) وهي الزعيمة الهندوسية بحزب (بهاراتيا جاناتا القومي) ووزيرة الموارد المائية في الهند: "إن تلك النقاشات لازمة لحماية الرجال والنساء الشباب في كل المجتمعات"، وأضافت: "هناك حاجة لضمان مستقبل الأولاد والبنات في المجتمع، وألا يتعرضوا للخطر بأي شكل من الأشكال".
من جانبه قال (صديقي الشهيد) النائب والقيادي البارز في (جمعية المجتمع الإسلامي الأول) في ولاية (أوتار براديش): "إنه لا يوجد دليل يدعم مزاعم وجود ما يسمى بـ(جهاد الحب) واتهم الوزيرة (أوما بهارتي) باستغلال القضية لإثارة الاضطرابات الدينية، ووصفها بأنها محاولة لسكب الزيت على النار"، وتتكرر هذه المأساة في (أغرا) الهندية، حيث ترغب لجنة من (الفايشيا) المؤلفة بمعظمها من تجار، بمنع المراهقات والشابات -بخاصة الهندوسيات- من استخدام الهواتف الجوالة لإنقاذهن من خطر جهاد الحب.
وقال (سومانت غوبتا) الرئيس الوطني للجنة: "هذه الأمور -الهواتف الجوالة والإنترنت- تدفع بالعقول الشابة إلى الوقوع في فخ جهاد الحب"، وأضاف: "نشعر بالحزن والقلق إزاء ارتفاع عدد هذه الحالات في الولاية، بخاصة عندما يتعلق الأمر بفتيات من (الفايشيا) ليس لدينا خيار سوى أخذ الحيطة"، وستقوم الجمعية في سبيل تعزيز قضيتها بإرسال مجموعات من الشباب والنساء عبر الولاية ليوضحوا للمراهقات المخاطر المحدقة بهن، قال غوبتا: "سنقنعهن بتهذيب ومحبة، لن يُمارس عليهن أي ضغط أو قوة".
وجهاد الحب حلقة في سلسلة الكراهية المتنامية ضد الأقليات المسلمة في البلاد الغير إسلامية، حيث أفادت مؤشرات شرطة العاصمة البريطانية (لندن) أن جرائم الكراهية ضد المسلمين في ارتفاع، ففي السنة الماضية سُجلت (344) جريمة، وارتفعت هذه الجرائم هذه السنة لتصل إلى (570) جريمة، والعديد من هذه الاعتداءات كانت تستهدف نساء يرتدين حجاب.
وفي مقال (لمارك تاونسند) نشرته صحيفة (الأوبزرفر) البريطانية قال: "أكثر من نصف هجمات الكراهية للإسلام في بريطانيا ترتكب في حق النساء اللواتي عادة ما يستهدفن بسبب ارتدائهن ملابس مرتبطة بالإسلام، وفقاً لما أظهرته معطيات جديدة"، وسجلت الدراسة التي أجراها أكاديميون في جامعة (تيسايد) في المتوسط وقوع حادثين اثنين يومياً يتعلقان بجرائم الكراهية للإسلام.
ويتجدد في بريطانيا الجدلٌ الذى لا ينتهى حول اتجاه أبناء الجاليات المسلمة نحو العزلة عن المجتمع أكثر فأكثر، وخاصة في مدينة (برمنجهام) في حي (ألوم روك) الذي يقطنه غالبية من المسلمين الباكستانيين، نظرًا لما يتعرضون له من جرائم تُنبئ عن كراهية البريطانيين لهم.
وبرغم أن المسلمين في (برمنجهام) يمثلون (21 %) من نسبة السكان، إلا أنهم في أحياء (ألوم روك، ووشود هيث، وسباركبروك)، لا يشعرون مؤخرًا بالارتياح، بسبب ردود أفعال مقتل الجندي البريطاني (لي ريجبي) في لندن العام الماضي على أيدي اثنين من المسلمين البريطانيين، فضلًا عن نبرة معاداة المهاجرين التي يطلقها أبرز السياسيين البريطانيين.
وفي أمريكا ارتفعت جرائم الكراهية ضد المسلمين بنسبة (14.3 %) منذ العام الماضي، وفقاً لأرقام وحدة جرائم الكراهية في شرطة نيويورك، ولم يمنع ذلك بعض الأمريكيين من راكبي موجة تأجيج الكراهية لإطلاق حملة إعلانية مدفوعة الأجر، وتحمل عبارات ولافتات على الحافلات العامة ومحطات المترو بنيويورك معادية للإسلام، تقودها اليهودية الأمريكية (باميلا جيللر) داعمة دولة الاحتلال الصهيوني، وتوجه جزءاً من حملاتها لتأكيد كراهية ملايين الفلسطينيين وتبرير العدوان عليهم، بعد حملة كراهية قادتها عام (2012) ولم تكتمل على خلفية مخاوف من تفجر موجة من العنف رداً على العبارات والكلمات المسيئة للإسلام.
وفي ألبانيا أعربت المشيخة الإسلامية عن رفضها للغة المتزايدة في الآونة الأخيرة ضد المسلمين، التي تتسم بالكراهية والتعصب، وأصدرت بيانًا بهذا الصدد أعربت فيه عن أسفها ورفضها تلك اللغة.
وفي أستراليا تجمع حشد تجاوز (2000) شخص وسط مدينة (ملبورن) الأسترالية، احتجاجًا على ازدياد مشاعر العداء والاعتداءات التي استهدفت المسلمين، وارتفاع نسبة الإسلاموفوبيا في عموم البلاد، وأوضح المتظاهرون أن القوانين الجديدة التي سنتها الحكومة الأسترالية، في إطار ما تسميه بـ(مكافحة الإرهاب)، جعلت من المسلمين هدفًا لأعمال عنف على خلفية عنصرية، كما أطلق المتظاهرون هتافات مؤيدة للمسلمين ومناهضة للعنصريين.
كما أماط تقرير للمرصد التابع لمنظمة التعاون الإسلامي بشأن (الإسلاموفوبيا) عن حجم الضغوط التي تمارسها لوبيات من أجل محاصرة المد الإسلامي في العالم، وذلك من خلال حملات التخويف من الإسلام والمسلمين، وحجم التمويل الذي توجهه لمؤسسات دولية من أجل خدمة هذا الهدف، حيث كشف التقرير أن أزيد من 42 مليون و575 ألف دولار تسلمتها مؤسسات ومراكز أبحاث دولية من سبع مؤسسات كبيرة بأمريكا، من أجل الانخراط في تأجيج نيران الكراهية ضد المسلمين، ووضع برامج لتشويه الإسلام على مدى العقد الماضي.
وأشار التقرير إلى أن (شبكة الإسلاموفوبيا) عملت على تعزيز مقولة: "أن المساجد حاضنات للتطرف، وأن (الإسلام الراديكالي) قد تسلل إلى كافة جوانب المجتمع الأمريكي بما في ذلك حركة المحافظين"، وأوضح أن آلة التمويل الأمريكية المناهضة للإسلام امتدت إلى أوروبا أيضًا، عبر تقديم اللوبي الأمريكي تبرعات كبيرة للأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا في مقدمتها حزب الحرية الهولندي.
خالد سعد النجار
كاتب وباحث مصري متميز