السلام الداخلي
ولا يتحقق السلام العالمي إلا من خلال السلام الداخلي، بل أن السلام الداخلي مطلب شرعي أمر به الله ورسوله قال تعالى: {يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ . إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:88-89]، وعندما سُئل النبي صلى الله عليه وسلم: "أي الناس أفضل؟ قال: «كل مخموم القلب صدوق اللسان»، قالوا: صدوق اللسان نعرفه، فما مخموم القلب؟ قال: «هو التقي النقي لا إثم فيه ولا بغي ولا غل ولا حسد»".
من يمتلك السلام الداخلي كأنه يمتلك الدنيا بحذافيرها، ولم لا! وقد تصارع الملوك عليه وعلى راحة البال ولم يجدوهما، بل أن أغنى أهل الأرض يتمنى أن يعيش مرتاح البال حتى ولو أنفق ملكه كله، السلام الداخلي ليس لأي أحد من البشر أن يحصل عليه، فهو مثله مثل الشهادة لا تكون إلا لسليم الصدر.
ولا يتحقق السلام العالمي إلا من خلال السلام الداخلي، بل أن السلام الداخلي مطلب شرعي أمر به الله ورسوله قال تعالى: {يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ . إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:88-89]، وعندما سُئل النبي صلى الله عليه وسلم: "أي الناس أفضل؟ قال: « »، قالوا: صدوق اللسان نعرفه، فما مخموم القلب؟ قال: « »" (صحيح ابن ماجة:3416).
وجميعنا يعلم قصة عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، مع الرجل الذي قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه من أهل الجنة، فقال له الرجل: "ما هو إلا ما رأيت غير أني لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشاً ولا أحسد أحداً على خير أعطاه الله إياه، فقال عبد الله: هذه التي بلغت بك وهي التي لا نطيق".
ومن هنا أحببت أن أوجه كلامي لمن تعرض للظلم في هذه الحياة وهم كُثر، بل أن أغلبنا تعرض للظلم من الآخرين، من الناس من اعتدى عليك بالسب واللعن، ومنهم من أكل مالك ومنهم من سب عرضك، ومنهم من أخذ حق لك، وغيرها من أنواع الظلم التي نتعرض لها كل يوم في حياتنا، فلا بد أن نسامح وأن نعفو عن من ظلمنا، وأن نفرغ الشحنات السلبية التي نعيش بها ونجرب أن نسامح.
أعلم أن الموضوع ليس بالأمر الهين، ولكنه أسلم لك لتريح قلبك من هم العداوات، وهم الكره والغل الداخلي، وتذكر أنه ما زاد الله عبدًا بعفو إلا عزاً، فالعفو والتسامح ليس أمرًا سهلاً على النفس في البداية ولكن بالتدريج سيكون أمراً سهلاً، ولك في رسولك الكريم صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة، نعلم جميعًا كيف فعل به أعداء الله في حياة الدعوة وفي غزوة أحد، وفي الطائف وفي مكة، كل ذلك وقال لهم: « » (سيرة ابن هشام:4/54-55)، وغيرها من المواقف المشهورة مثل حادثة الإفك.
وتذكر أيضًا سيدنا يوسف عليه السلام بعد كل ما فعله إخوتهِ به قال لهم: "لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم"، فالكريم لا يحمل حقداً في قلبه أبداً، فكن من الكرماء وسامح الناس حتى يسامحك الله..
قال إبن القيم رحمه الله: "يا ابن آدم! إن بينك وبين الله خطايا وذنوب لا يعلمها إلا هو، وإنك تحب أن يغفرها لك الله، فإذا أحببت أن يغفرها لك فاغفر أنت لعباده، وأن أحببت أن يعفوها عنك فاعف أنت عن عباده، فإنما الجزاء من جنس العمل"، تعفو هنا يعفو هناك، تنتقم هنا ينتقم هناك، تطالب بالحق هنا يطالب بالحق هناك".
ولله در الشافعي حين قال:
لمّا عفوت ولم أحقد على أحدٍ *** أرحت نفسي من هم العداواتٍ
إني أحيي عدوي عند رؤيتهٍ *** لأدفع الشر عني بالتحيات
وأظهر البشر للإنسان أبغضه *** كما إن قد حشى قلبي محبات
الناس داء ودواء الناس قربهم *** وفي اعتزالهم قطع المودات
فأنصحك بأن تراجع نفسك وتفرغ ما بداخلك من عداوات وغلٍ وحقد، على من ظلمك وسلم الأمر لله..
ويكفيك حسبنا الله ونعم الوكيل بأن تريح قلبك وتطفئ نارك، فالله يعلم ما حدث لك ومُطلع على كل كبيرة وصغيرة، وهو المنتقم الجبار، فلا تضيع وقتك وصحتك في التفكير فيما حدث، وتعلم من أخطائك حتى لا تقع فريسة مرة أخرى لمعدومي الضمير..
وتذكر أنه لا يلدغ المؤمن من الجحر مرتين، فجرب أن تنام اليوم وأنت مسامح من ظلمك مسلم أمرك لله، على يقين ووعد من الله أنه ناصرك ومعوضك خيراً، قال تعالى: {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [النور من الآية:22]، بلى يا الله.
وإلى لقاء آخر بإذن الله.
مؤمن محمد صلاح
كاتب مصري
- التصنيف: