إنسانيات لاجئ في استقبال عام
لو شاء سبحانه لهدى الناس جميعًا، ولو شاء سبحانه لجعل الناس أمة واحدة، ولو شاء سبحانه لآمن من في الأرض كلهم جميعًا، وأنه سبحانه وتعالى ذرأ لجهنم كثيراً من الجن والإنس، وأنه أرسل رسله مبشرين ومنذرين، وأن السعيد من آمن واستبشر، وانتهى وأٌنذر..
بثقة في الذي عوّدنا الجميل فيما سلف من أقدارنا نستقبل عامنا الجديد.
ووفاء لما عليه تعاهدنا وقطعنا على أنفسنا، ألا يرانا الحق سبحانه في زمرة الذين أرادوها علواً في الأرض وفسادًا نمضي ونجتهد، ونحو كل غاية نبيلة، وتحت كل راية سامية نسير.
إننا معتصمون بحبل الذي لم يعاملنا يومًا بعدله، بل أسبغ علينا واسع رحمته وجميل لطفه بفضله.
ولو عاملنا بعدله وقبيح فعلنا، وسوء تدبيرنا، ما ترك منا على ظهرها حياً بنفسٍ ينبض.
إننا في سفرنا وسيرنا إليه نعلم أن الخلق له، وأن الأمر له، وأنه لا يكون في ملكه إلا ما أراد، ونعلم أن له سننًا جارية، لا يحابي فيها أحداً من خلقه، لا نبي مرسل، ولا ملك مقرّب.
ونعلم أننا مخلوقون لغاية مأمورن بها: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56].
ونعلم أن الاستقامة على الجادّة ولزوم الطريق على ما بنا من همّات وهنّات، ولمّات وزلّات، هو السبيل والنجاة في المسير: {وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا} [الجن:16].
ونعلم أن اجتناب الكبائر والموبقات نعم السبيل إلى مغفرة الرحيم، والفوز بالمدخل الكريم: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا} [النساء:31]، ونعلم أن لله في خلقه شئونًا، وأنه لم يخلقهم عبثًا، وأن كل امرئ بما كسب رهين.
وأنه سبحانه جلّ في علاه غني عن جهادنا، وغني عن طاعاتنا، وأننا مفتقرون إليه في كل حال وخاطرة.
وأن منتهى عزنا في الذل بين يديه، وغاية غنانا وجاهنا في الافتقار إليه، وأن كل من اعتز بغيره ذلّ، ومن اغتنى بغيره افتقر وقلّ، ومن أنس بدونه استوحش وملّ، ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور.
ونعلم أن للخلائق رباً يحاسبهم على ما اختاروا لأنفسهم من سبيل يسيرون فيه إليه.
وأن الجميع صائر إلى عاقبة ما سعى، وما قدّم لنفسه من فعل وما ادّعى.
ونعلم أن الله يقبل التوبة من عبده ما لم يغرغر، وأن رحمته وسعت كل شيء.
ولو شاء سبحانه لهدى الناس جميعًا، ولو شاء سبحانه لجعل الناس أمة واحدة، ولو شاء سبحانه لآمن من في الأرض كلهم جميعًا، وأنه سبحانه وتعالى ذرأ لجهنم كثيراً من الجن والإنس، وأنه أرسل رسله مبشرين ومنذرين، وأن السعيد من آمن واستبشر، وانتهى وأٌنذر.
وأنه سبحانه ينصر رسله في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد.
وأن سنة الله في قصم الجبابرة ماضية.
وأن إهلاكه للطٌّغاة عبرة في خلقه سارية.
وأنه سبحانه يُمهل ولا يُهمل، وأنه إذا أخذ لم يُفلت، وأن أخذه أليم شديد.
أيها الواثقون بنصر الذي لم يخب يومًا طالبه، ولم يزغ يوماً من استهدى به، لا خير في خير بعده النار، ولا شر في شر بعده الجنة، ألا فاهتفوا بها في الآفاق مدوية، وارفعوها في السماء عالية، نحن للكون ضياء، نحن في الخير سماء، نحن للدين فداء، نحن للحب نداء، نحن للسلم دُعاة، نحن بالحق هُداة.
اللهم إنا نسألك خير هذا العام، فتحه ونصره ونوره، وبركته وهداه، ونعوذ بك من شره، وشر ما قدرته فيه.
{رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ} [آل عمران:8].
حسن الخليفة عثمان
كاتب إسلامي
- التصنيف: