نظرة العالم الغربي للنبي محمد صلى الله عليه وسلم

منذ 2015-01-21

لقد زرع رسول الله صلى الله عليه وسلم في قلوب أتباعه شيئًا عجز الغرب عن إدراكه حتى الآن؛ لقد أخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم الإنسان من عبودية هواه إلى طاعة مولاه؛ ومن عبادة العباد إلى عبادة رب العباد.

مما يجب تقريره ابتداء أن نظرة العالم الغربي لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم ليست على نسق واحد؛ فمنهم المنصف، ومنهم الجاهل، ومنهم المغرض، ومنهم الإقصائي الحاقد، ومنهم المُنْصِف، ومنهم ومنهم، إلخ.
ولا شك أنه من باب العدل في التعامل مع العالم الغربي يجب استحضار كل هاته الأصناف؛ ووضع خطط لمواجهة المعتدين، وهداية الحيارى والضالين.

فالفكر الغربي بما هو عليه اليوم؛ يضاد ويعارض من جوانب كثيرة رسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم؛ سواء تعلق الأمر بعلاقة الإنسان بخالقه جل وعلا، أو بغيره من بني جنسه، أو بالحياة، والعالم الذي نعيش فيه.

فهي علاقة تضاد؛ إذ الفكر الغربي تأسس على المادية؛ التي تنفي الإله من الوجود؛ وتجعل الإنسان هو محور الكون، ولا تقبل بحياة تؤطرها شريعة الله، ويعلى فيها شأن الأمر والنهي.

أما رسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فهي رسالة تربط الإنسان بخالقه؛ وتنظم -بعناية فائقة- علاقته مع باقي أفراد جنسه، وتضع له تصورًا واضحًا عن الحياة التي يعيش فيها، والعوالم الأخرى التي سينتقل إليها، وما ينتظره بعد ذلك؛ من حساب في البرزخ، ويوم العرض.

وهي رسالة لا رهبانية فيها؛ تربط بين الدنيا والآخرة، تحث على عمارة الأرض، وبناء الأمة والحضارة، رسالة تجتمع فيها أصوات المآذن، وبخار المصانع؛ رسالة عظيمة يكفيها لدفع كل الشبهات التي يثيرها حولها المتخرصون والمغرضون قول الصادق المصدوق صلوات الله وسلامه عليه: (إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة فاستطاع ألا تقوم حتى يغرسها فليغرسها؛ فله بذلك أجر) (الأدب المفرد؛ للبخاري، برقم:1/168، انظر السلسلة الصحيحة؛ للألباني، برقم:1/38).

فطبيعي جدًا أن يناصب الغرب العداء لنبي الإسلام صلوات الله وسلامه عليه؛ لأن الدين الحق الذي جاء به يخالف عقيدة الغرب، وملته الجديدة، التي قامت بعد ثورة العلمانية على الدين المحرف؛ والتحالف الإقطاعي والكنسي الظالم.

وقد بين لنا الحق جل في علاه؛ في كتابه منهج أعداء الدين بكل وضوح، فقال جل شأنه: {وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَىحَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ} [البقرة120]؛ فجاء التعبير بالمضارع الدال على الاستمرارية والديمومة؛ لأن هذا دأبهم إلى أن تزول الدنيا، فلا سبيل لإرضائهم إلا باتباع ما هم عليه.

وتأمل معي -أخي القارئ- إلى التعبير القرآني: {مِلَّتَهُمْ} فلم يقل الله تعالى: ملتيهم (اليهود والنصارى)؛ ذلك أنّ الأمر إذا تعلق بحرب الإسلام كان اليهود والنصارى يدًا واحدة على الإسلام وأهله؛ وقال تعالى: {أَهْوَاءَهُمْ}، ولم يقل: ملتهم كما في أول الآية، لأنهم ليسوا على دين ولا ملة؛ بل على هوى، وهم اليوم يتبعون أهواء العلمانية، ويلزمون كل شعوب العالم بمبادئها وأحكامها وشرائعها عبر مؤسسات يتحكمون فيها.

إن عداء المسلمين مع الغرب عداء قديم جدًا، وضارب في التاريخ؛ ابتدأ يوم أُنزِل على رسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي؛ فرماه النصارى كما اليهود بالعظائم دون أن ينالوا من جنابه الشريف شيئًا؛ فالله حافظه وحافظ دينه من بعده؛ ومن تمكين الله لرسوله أن حارت كل المكائد والدسائس التي دبرها أعداء رسالته، فتحول الشرق الذي كان قلعة (للمسيحية الشرقية) إلى قلب للعالم الإسلامي الواسع، وقهر المسلمون الحملات الصليبية التي امتدت لقرنين من الزمن (1096-1291م)، ودحروا نابليون بونابارت (1769-1821م)، وأجهضوا حلم الإمبراطورية الاستعمارية الأوروبية.

وفي (عصر الأنوار)؛ وبعد التمكين الذي تحقق للعلمانية في العالم الغربي؛ ونتيجة انحصار النصرانية؛ التي بات أتباعها يشكلون أقلية داخل هاته المجتمعات؛ وبعد إغراق الإنسان في المادة، وإشباع الشهوات دون ضوابط، وعدم مراعاة التوازن بين الروح والمادة، دخل العالم الغربي في تِيهٍ؛ وعجزت الحداثة عن الإجابة على كثير من التساؤلات المُلحة، كأصل خلق الإنسان، والغاية من وجوده على الأرض، ومصيره بعد الموت، وعن الروح، وعن العناء والشقاء الذي يكابده المواطن الغربي؛ رغم توفر العديد من الإمكانات والوسائل التي تحقق العيش الكريم، وعن سبب الارتفاع المهول لنسب الجريمة والاغتصاب والإجهاض والانتحار.

فنتيجة هذا الاختلال؛ فسح المجال أمام كل العقائد الأخرى لتنشط داخل هاته المجتمعات، وبحكم أن الإسلام متواجد بقوة وأن طرحه لا تصمد أمامه ديانة ولا أيديولوجية أخرى؛ كانت النتيجة المتحققة هي اكتساح الإسلام للقارة العجوز والغرب، فخشي دهاقنتهم أن تتكرر تجربة الماضي؛ وتتحول القارة العجوز والغرب إلى بلاد مسلمة كما الشرق.

فبرجوعنا إلى المرجعية المؤسسة للفكر الغربي نجد أن فلاسفة النهضة لم يسلموا من التأثر بفكر القسيسين والرهبان والمستشرقين الحاقدين الذين زوروا التاريخ وشوهوا الحقائق حول شخصية الرسول محمد صلى الله عليه وسلم والرسالة التي يحملها للعالم، نجد ذلك واضحًا في كلامهم.

وألخص نظرة كتاب الغرب في العصور الوسطى لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم في كلمة المؤرخ والكاتب الفرنسي (إرينست رينان) الذي قال -رغم كراهيته الشديدة للإسلام-، في كتابه (دراسات في تاريخ الأديان): "لقد كتب المسيحيون تاريخًا غريبًا عن محمد، إنه تاريخ يمتلئ بالحقد والكراهية له، لقد ادعوا أن محمدًا كان يسجد لتمثال من الذهب كانت تخبئه الشياطين له، ولقد وصمه (دانتي) بالإلحاد في رواية الجحيم، وأصبح اسم محمد عنده وعند غيره مرادفًا لكلمة كافر أو زنديق، ولقد كان محمد في نظر كتاب العصور الوسطى تارة ساحرًا، وتارة أخرى فاجرًا شنيعًا ولصًا يسرق الإبل، وكاردينالاً لم يفلح في أن يكون بابًا فاخترع دينًا جديدًا اَسْمَهُ الإسلام لينتقم به من أعدائه، وصارت سيرته رمزًا لكل الموبقات وموضوعًا لكل الحكايات البغيضة".

وأكد الشاعر الإيطالي (دانتي أليغييري) -في الكوميديا الإلهية التي تعد أشهر ملاحم الأدب المسيحي، وأفضل الأعمال الأدبية على المستوى العالمي- هذه العقيدة بجلاء، وذكر في روايته التي تحتوي على فلسفة القرون الوسطى كما تطورت في الكنيسة الغربية (الكاثوليكية الرومانية)؛ أنه رأى خلال رحلته في العالم الآخر النبي محمدًا -صلى الله عليه وسلم- في الجحيم، وكذا الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

ثم إن هذه النظرة لم تختلف كثيرًا في العصر الحديث، فإذا عدنا إلى أوائل القرن التاسع عشر والقرن العشرين فإننا نجد فريقًا من المستشرقين أساءوا إلى الرّسول محمّد صلى الله عليه وسلم، فمنهم من اتّهمه بسرقة ما جاء في التوراة والإنجيل كـ(أبراهام جيجر) في كتابه (ماذا استفاد محمد من اليهودية) (بون 1833)، و(هير شفيلد) في (العنصر اليهودي في القرآن) (برلين 1878)، و(سيدرسكي) في (أصول الأساطير الإسلامية في القرآن) (باريس 1933)، و(ريتشاربل) في (أصل الإسلام في بيئته الإسلامية) (لندن 1926). (انظر: الإساءة إلى الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، إساءة إلى حضارة الإسلام والمسلمين؛ د/ منجية السوايحي).

ولا زال الطعن في رسول الإسلام مستمرًا إلى اليوم؛ فقد قال القس الصهيوني الأمريكي الهالك (جيري فالويل)، صاحب البرنامج الأسبوعي الإذاعي والتلفزيوني (60:دقيقة) الذي يصل إلى أكثر من عشرة مليون منزلٍ أسبوعيًا، وصاحب الجامعة التنصيرية الخاصة التي تسمى جامعة الحرية (Liberty University)؛ قال: "أنا أعتقد أن محمدًا كان إرهابيًا، في اعتقادي المسيح وضع مثالًا للحب، كما فعل موسى، وأنا أعتقد أن محمدًا وضع مثالًا عكسيًا، إنه كان لصًا وقاطع طريق".

وقال بات (روبرتسون) القس الإنجيلي المعروف بدعمه المطلق للكيان الصهيوني ومالك الجامعة الأصولية (Pegent): "كان مجرد متطرف ذو عيون متوحشة تتحرك عبثًا من الجنون".

ووصف (جيري فاينز) في الاجتماع السنوي للكنيسة المعمدانية الذي عقد في سانت لويس في ولاية (ميسوري) الأمريكية نبينا محمدًا صلى الله عليه وسلم بقوله: "شاذ يميل للأطفال، ويتملّكه الشيطان".

وقال (جيمي سوجارت) القس الأمريكي الذي عرف من خلال مناظرته الشهيرة مع الداعية المسلم (أحمد ديدات) رحمه الله: "إنه شاذ جنسيًا، ضال انحرف عن طريق الصواب".

وبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر تنامى العداء الغربي حول الإسلام ونبي الإسلام بصورة ملفتة للنظر؛ وانتقل من مجرد الافتراء والتشويه؛ إلى العمل والتضييق؛ فمن الرسوم الدنماركية المسيئة؛ إلى منع الحجاب في المدارس والنقاب في الأماكن العامة في فرنسا؛ وحصر بناء المآذن في سويسرا؛ والفيلم المسيء لشخص الرسول الكريم في أمريكا؛ وحملة الرسوم الكاريكاتورية الفرنسية؛ والملصقات العنصرية الأمريكية الداعية إلى تمجيد الصهاينة وكراهية المسلمين، التي تقودها جماعات الضغط اليمينية المتطرفة بأمريكا؛ ومئات الأفلام التي تنتجها آلة الصناعة السينمائية الأمريكية التي تصور المسلمين أنهم بربر؛ وهمج رعاع؛ وسفاكي دماء، هدفهم قتل الآخر (الكافر) وإشباع شهواتهم البهيمية.

إن موجهي السياسة الغربية يستهدفون المسلمين في شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه استعصى عليهم -وبكل الوسائل المتاحة له- أن يحولوا المسلمين عن دينهم، فلم تنفع حملات الاستشراق والتغريب؛ ولا التضليل والتزيف، ولا زرع الأتباع المخلصين المتشبعين بالفكر الغربي داخل الأوطان العربية والإسلامية والتمكين لهم وجعلهم (نخبة)، ولا -أيضًا- إبادة هذه الشعوب بالقنابل والأسلحة المتطورة، كل هذه الخطط قد ثبت فشلها.

فرسول البشرية جمعاء يُشكل بالنسبة للفكر الغربي المسيطر الآن عقدة كبيرة؛ لأن الدين الذي جاء به يقف في وجه مشروع الضلال والعلمنة والحداثة وكل الأفكار والأيديولوجيات التي تخرج بالإنسان من إطار العبودية لخالق السموات والأرض إلى هوى وضلال الأفكار البشرية الوضعية.

لقد زرع رسول الله صلى الله عليه وسلم في قلوب أتباعه شيئًا عجز الغرب عن إدراكه حتى الآن؛ وأعماه روح الحقد والكراهية؛ وأضلته المادية والنفعية؛ عن إدراك هذا الأمر الواضح الجلي؛ لقد أخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم الإنسان من عبودية هواه إلى طاعة مولاه؛ ومن عبادة العباد إلى عبادة رب العباد؛ ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام؛ ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة، إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 

بقلم/ نبيل غزال

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام