الغناء قاتل العفة

منذ 2015-01-27

لقد حرم الله الغناء في مكة قبل الهجرة، وقبل أن تُفرضَ كثيرٌ من الفرائض، وقبل أن تحرمَ سائر المحرمات كالخمرة وغيرها، وذلك لخطورته على الأخلاق والسلوك، ولكي يشبَ القلبُ ويُبني على الطهارة والفضيلة من البداية.

آفة من الآفات وبلية من البليات، ومرض من أمراض القلوب المفسدة لها

يقول عنها العلامة ابن القيم- رحمه الله - تعالى-: فلعمر الله كم من حرةٍ صارت به من البغايا، وكم من حرٍ أصبح به عبداً للصبيان والصبايا، وكم من غيورٍ تبدل به اسماً قبيحاً بين البرايا، وكم من ذي غنى وثروة أصبح بسببه على الأرض بعد المطارف والحشايا، وكم أهدى للمشغوف به أشجاناً وأحزاناً؟ وكم جر من غصةٍ وأزال من نعمةٍ وجلب من نقمةٍ؟ وكم خبأ لأهله من آلام منتظرةٍ، وغموم متوقعة، وهموم مستقبلة.

أتدرون يا رعاكم الله ما هذه الآفة، والمشكلة التي ذكرها الإمام ابن القيم - رحمه الله - !!

إنها استماع الأغاني والمعازف، إنها الغناء والطرب ولواحقه من الحفلات والمهرجانات والمناسبات التي عمودها الغناء وآلات المعازف وخيتمها الغفلة عن ذكر الله - جل وعلا -.

الغناء من أعظم الأسباب التي تصد عن ذكر الله وعن الصلاة، وتُشغل عن فعل الطاعات والخيرات، الأغاني والمعازف وآلاتهما على اختلاف أنواعها وتعدد أشكالها، تلكم الجراثيم والأوبئة التي احتلت غالب بيوت المسلمين اليوم إلا من رحم الله، وقيل ماهم بل وحاصرت البيوتَ التي لم تستطع دخولها حصاراً شديداً تحاول الدخول فيها والتغلل إلى ساكنيها.

الأغاني وما أدراكم ما الأغاني التي فُتن بها كثيرٌ من الرجال والنساء الذين ضعف إيمانهم وخفت عقولهم، واقتدى بهم شبابُ الأمة من بنينَ وبناتٍ، فشغلوا أوقاتهم وملئوا أرجاء بيوتهم وسياراتهم بأصوات المغنين والمغنيات التي تبثها الإذاعات، وتصورها القنوات، بل وخصصت لها المتاجر والمحلات، وإن من عظم البلية: أن وُضعت جمعيات بل وزارات لما يسمى تضليلاً الثقافة والفنون والمسرح!!! ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

ومن وراء ذلكم الصحف والمجلات والقنوات الماجنة التي تنوه بشأن هؤلاء المطربين والمطربات، وتنشر أسماءَهم وصورَهم على صفحاتها، مُعرفةً الناس بهم، ومصدرةً لهم، ومروجةً لبضاعتهم المنتنة الخبيثة، حتى لقد أصبح بعض شباب الأمة الإسلامية في هذه الأعصار المتأخرة يعرف عن ذوالمغنيات وأغنياتِهم كُلَ دقيق وجليل، ويعرف مواقيت بثها آناء الليل وأطراف النهار، ولو سألته عن مواقيت الصلاة لقال: لا أدري، ولو سألته عن أمور دينه لقال: هاه هاه لا أدري، وكيف يدري ومن أين له أن يدري وهمته متجهة لضد ذلك، وكيف له بالهداية وبعض وسائلُ الإعلام تلقنه أغنيةَ فلانٍ وفلانة، وتعلن مواعيدَ بثها في كل ساعة وأنى له بالسلامة والنجاة وبعض الإذاعات والقنوات لا حياها الله همها تصدير الأغاني وتطوير الفساد على نحو ما يسمونه فيدو كليب وله من اسمه نصيب!!.

من كان في شك من تحريم الأغاني والموسيقي والمعازف فليزل الشك باليقين من قول رب العالمين، وهدي الرسول الأمين في تحريمها وبيان أضرارها، فهناك النصوص الكثيرة من الكتاب والسنة تدل على تحريم الأغاني والوعيدِ الشديد لمن استحل ذلك أو أصر عليه.

والمؤمنُ العاقلُ المستجيبُ لربه، المطيعُ لرسوله- صلى الله عليه وسلم - يكفيه دليل واحدٌ من كتاب الله أو صحيح سنة رسول الله، فكيف إذا تكاثرت الأدلة على تحريم ذلك؟! وأجمع العقلاء على تسفيه فاعل ذلك. قال الله - جل وعلا -: ((وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً)) (الأحزاب: 36).

فاقرأوا - وفقكم الله قولَ ربكم جل في علاه في تحريم الأغاني وتحذِيركم منها، ووعيد من استعملها، أو استمع إليها يقول ربنا - جل وعلا -: ((وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ * وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ)) (لقمان: 7، 6).

 

قال الواحدي وغيره: أكثر المفسرين على أن المراد بلهو الحديث الغناءُ.

قاله ابن عباس وعبد الله بن مسعود -رضي الله عنهما-: وقال أبو الصهباء سألت ابنَ مسعود - رضي الله عنه - عن قوله - تعالى -: ((وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ))

فقال: والله الذي لا إله غيره هو: الغناء - يرددها ثلاث مرات-.

وذكر ابن كثير عن الحسن البصري: نزلت هذه الآية في الغناء والمزامير، أهـ.

أما الغناء مع الموسيقى، فأمرُه أشدُ وأنكى، فقد روى الإمام البخاري في صحيحه معلقاً بصيغة الجزم عن أبي مالك الأشعري قولَه - صلى الله عليه وسلم -: ((لَيَكُونَنَّ من أمتي أقوامٌ يستحلون الحِرَّ والحَرِيرَ والخَمرَ والمَعازفَ)).

وقد حاول قومٌ أن يطعنوا في هذا الحديث، فقالوا: إنه معلقٌ لا يحتج به، ولكن البخاري - رحمه الله - رواه معلقاً بصيغة الجزم، وهو في اصطلاحه صحيحٌ ثابتٌ، وقد رُويَ متصلاً صحيحاً في كتب أخرى من كتب السنة، فرواه أبو داودَ وابنُ ماجهَ والترمذيُ وأحمدُ وغيرهم، ولو لم يكنْ في تحريم الأغاني إلا هذا الحديثُ لكفى.

وعن أبي مالك الأشعري- رضي الله عنه- أنه- عليه الصلاة والسلام - قال: ((ليشربن ناس من أمتي الخمر ويسمونها بغير اسمها، يعزف على رؤوسهم بالمعازف والقينات، يخسف الله بهم الأرض ويجعل منهم القردة والخنازير)) رواه أحمدُ وابنُ حبان وصححه وابنُ ماجة واللفظ له وصححه ابنُ القيم والألباني.

وعن عمرانَ بنِ حُصينٍ أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قال: ((في هذه الأمة خسفٌ ومسخٌ وقذفٌ، فقال رجل من المسلمين: يا رسول الله ومتى ذاك؟ قال: إذا ظهرت القينات أي المغنيات والمعازف وشُربت الخمور)) رواه الترمذي وصححه الألباني.

قال ابن القيم - رحمه الله تعالى -: ومن لم يمسخ منهم في حياته مسخ في قبره أهـ.

وقال النبي- صلى الله عليه وسلم -: ((إنَّ الله حرم على أمتي الخمر، والميسر، والكوبة، والغبيراء)) رواه أحمدُ وأبو داودَ وصححه الألباني (صحيح الجامع: 1747 ص 360). والكوبة: هي الطبل.

وعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم - ((صوتانِ ملعونانِ في الدنيا والآخرة: مزمارٌ عند نغمة، ورنةٌ عند مصيبة)) رواه البزار بإسنادٍ جيد وصححه الحافظُ الضياء المقدسي وغيرُه.

لقد حرم الله الغناء في مكة قبل الهجرة، وقبل أن تُفرضَ كثيرٌ من الفرائض، وقبل أن تحرمَ سائر المحرمات كالخمرة وغيرها، وذلك لخطورته على الأخلاق والسلوك، ولكي يشبَ القلبُ ويُبني على الطهارة والفضيلة من البداية.