رحلة التحريض

منذ 2015-02-06

لم يحدث في التاريخ قط أن سمى طاغية معارضيه باسم مستحسن، أو حتى اسم عادي غير مستقبح.

"إن هؤلاء لشرذمة قليلون و إنهم لنا لغائظون و إنا لجميع حاذرون".
هكذا بدأ فرعون رحلة التحريض الفكرى لأتباعه ضد موسى عليه السلام وقومه
لم تكن هذه هى المرة الأولى التى يلبس على الناس تصوراتهم من خلال المصطلحات لقد استعملها كثيرًا من قبل
فتارة هي مؤامرة وهو كبيرهم الذي علمهم إياها.
وتارة أخرى هو مجنون
وتارة هم شرذمة قليلون هم له غائظون 
وتارة أخرى هم أراذل القوم بادي الرأي 
وتارة هم سفهاء ماكرون
وتارة هم مفسدون يريدون تبديل الدين وإظهار ذلك الفساد
وهكذا 
يغلف الطغاة قمعهم لمعارضيهم بوصفهم وتسميتهم بمستبشع الألفاظ ومستقبح النعوت وقميء الأوصاف 
ولابد أن يكون الكلام بصيغة الجمع وضمير المتكلم فهو من يتحدث باسمهم وهو وحده الأدرى بمصلحتهم وهو فقط من يحق له تقييم الأحداث والأشخاص من حولهم وما هم إلا صدىً له
وإنهم لنا لغائظون 
وإنا لجميع حاذرون
لقد تحدث بلسانهم وسيطر على أفكارهم بشكل جمعي من خلال الحديث بتلك الصيغة الجماعية التي تبث في الشعب أنهم جميعًا لهم نفس القرار والرؤية والحقيقة، أنه: (ما أراهم إلا ما رأى، وما هداهم إلا سبيل الضلال).
و هذا دأب معروف فى صراع طويل بين الحق والباطل.
لم يحدث في التاريخ قط أن سمى طاغية معارضيه باسم مستحسن، أو حتى اسم عادي غير مستقبح، لقد كانت دائمًا من أهم أساليب واستراتيجيات أهل الباطل تسمية الأشياء بغير مسمياتها، وترسيخ المفاهيم المغلوطة وتكرارها، حتى تصير هي الأصل، بينما تضمحل الحقائق وتنزوي بعيدًا رويدًا رويدًا، حتى تكاد تختفي خلف غبار الكذب، والتحريف، والتشويه، والتفريق، والتمزيق.

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام